بقاء ترامب أو تغييره.. لن يغير سياسات الدولة العميقة تجاه قضايانا
بقلم : محمد شريف الجيوسي

يراهن البعض على تغير موازين القوى الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية ؛ ( ضمن النظام ) في إحداث تغيير إيجابي على سياسات البيت الأبيض الأمريكي تجاه قضايا المنطقة العربية والإقليم ، وهي مراهنات قديمة متجددة مع كل إنتخابات تجري هناك سواء على مستوى الإنتخابات النصفية لكل من مجلسي النواب والشيوخ أو على مستوى الرئاسة .
وينسى هؤلاء أن الولايات المتحدة الأمريكية ( بغض النظر عن الموقف الرافض لسياساتها العدوانية ) دولة مؤسسات ، تضع قراراتها السياسية الكبرى ؛ الدولة العميقة فيها ، بغض النظر عن محتوى ومضمون وتوجهات وتقلبات تلك القرارات ، حيث يطغى بين حين وآخر تجاه دون آخر ، لكن لم يحدث في تاريخ أمريكا أن تخلت عن النظام الإقتصادي الرأسمالي،وعن العداء للشيوعية، وعن شن الحروب وإقامة القواعد العسكرية وزرع الفتن ودعم الوهابية، وزادت اعتباراً من اواسط القرن ألـ 20 وراثة بريطانيا في دعم المشروع الصهيوني،ومنذ ستينات القرن الماضي تكريس الدولار الأمريكي كعملة عالمية بديلة للعملات الوطنية في العالم .
وبغض النظر عمن يكسب أو يخسر في الإنتخابات الأمريكية أحزاباً ومرشحين، فإن الدولة العميقة هي التي تلعب الدور الحاسم في تقرير ذلك ، وفي رسم الإستراتيجيات والسياسات التي سيتبعها البيت الأبيض.. وعليه فإن الشعارات والخطابات التي تقال؛ والتي تعطي المرشحين صفات مميزة عن منافسيهم ، لا تعني شيئا مختلفا في الجوهر ، فالرئيس الأمريكي هو مجرد كبير موظفي الولايات المتحدة ، يعمل وفق أجندة أو أجندات معدة من قبل التيار الذي أنجحه في الدولة العميقة ضمن الثوابت الأمريكية الرئيسة التي تحدثنا عنها ، والتي في كل الأحوال هي في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة فيما يتعلق بسياسات أمريكا الخارجية ، وإن غُلّب إتجاه أو خيار دون آخر .
ويتجسد قرار الدولة العميقة في المجمّع الصناعي وضمنه المجمع االعسكري وهو صاحب المصلحة الكبرى في شن الحروب وخلق النزاعات والفتن والحروب الأهلية وزرع القواعد العسكرية؛ ليس فقط لتصنيع المزيد من الأسلحة وبيعها وإنما أيضا للسيطرة على ثروات الشعوب وأسواقها ومنافذها .
ويشكل البنك والصندوق الدوليين والبنك المركزي الأمريكي الطرف الفاعل الثاني في قرار الدولة الأمريكية العميقة .. والتي تتحكم في المصارف العالمية الكبرى وتقود سياساتها وتجهض عملات الدول الوطنية غير الصديقة لأمريكا وتتلاعب في اسواق النفط والذهب والبورصة وغيرها . وتشكل أسرة روتشيلد اليهودي وغيرها من كبار الراسماليين العالميين اليهود ؛ مركز الثقل في قرار مؤسسات راس المال العالمي وبالتالي الدولة العميقة الأمريكية .
والطرف الثالث في الدولة العميقة هو اللوبي اليهودي الأمريكي .. الذي يمول حملات المرشحين الإنتخابية ، ويسيطر على قطاعات اقتصادية كبرى وفي السينما والإعلام والثقافة . وقطاعات تعدينية في إفريقيا ، ويمسك بخناق القرار الأمريكي في مؤسسات راس المال وفي المجمع الصناعي .
بكلمات، على نقيض ما يبدو عليه حال الرئيس الأمريكي الحالي؛ ترامب، من فردانية وتخبط وعشوائية وعقللية مغامرة وتجارية وغرام بالنساء، فهو الشحص المطلوب للإتجاه الفائز في الدولة العميقة ، ولو لم يكن كذلك لجرى التخلص منه كما جرى التخلص من الرئيس الأمريكي الأسيق جون كينيدي في مطلع ستيتات القرن المنصرم ، أو عدم التجديدله ، ك كارتر وبوش الأب.
إن هامش إختلاف ترامب مع الدولة العميقة ككل الرؤساء الأمريكان ، غاية في المحدودية، وليس أسهل من تغييره في حال فشله أو ثبوت أن الأجندة الموضوعة لا تخدم ثوابت الولايات المتحدة .
بهذا المعنى فالمراهنة على تغيير أو بقاء ترامب هو أو سواه ، ليس هو الحل او غاية المنى،بالنسبة لقضايا المنطقة العربية وجوارها ، بل وفي العالم ، فالأمريكان بخاصة والغرب الأوروبي بعامة لا يعتد بهما ولا يعتمد عليهما، وهم المبادرون في شن الحروب ودعم الصهيونية وزرع الفتن وسرقة اموال الامم والشعوب وبناء رفاههم على آلام غيرهم ودمارهم .
لا بد أن الحل يكمن في الاعتماد على الذات ، وجعل المقاومة نهجاً راسخا بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي والصهيونية؛ في حياة وثقافة وذاكرة واقتصاد وإيمانات الأمة والمنطقة والإقليم ، وكذلك في إعادة النظر في صداقات وتحالفات الأمة ، ما يستوجب الخلاص من الشرائح والأنظمة الحاكمة في المنطقة المرتبطة مصالحها بالغرب الأوروبي .