أمريكا الترامبيّة والدفاع عن جرائم إسرائيل
بقلم : د. كاظم ناصر / كاتب فلسطيني
انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من مجلس حقوق الإنسان احتجاجا على ما وصفته بانحيازه غير العادل والمستمر ضدّ إسرائيل. إنّه لأمر مشين لدولة كالولايات المتحدة، تدّعي بأنها الحامية للديموقراطية وحقوق الإنسان، أن تنسحب من هذا المجلس الذي تشكّل عام 2006، ويتألّف من 47 دولة تعمل على تعزيز وحماية حقوق الانسان في جميع أنحاء العالم.
الانسحاب الأمريكي لم يكن مفاجئا؛ فمنذ تولي دونالد ترامب الرئاسة انسحبت الولايات المتحدة من اليونسكو، ومن الاتفاق النووي مع إيران دفاعا عن سياسات إسرائيل العنصريّة العدوانيّة التوسعيّة، وانسحبت من معاهدة باريس للمناخ، وأثارت المزيد من الانقسامات الدولية المتعلّقة بالتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي.
ترامب رجل عنصري لا أخلاقي؛ لقد وصف المهاجرين من إفريقيا وهايتي بأنهم ينحدرون من ” حثالة الدول “، وادّعى كذبا بأن باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة، وأثار النعرات العنصرية بين فئات الشعب الأمريكي المختلفة، ووصف المهاجرين المكسيكيّين بأنهم ” مجرمون ومغتصبون.”
أما عداؤه للعرب والمسلمين فإنه واضح وضوح الشمس؛ لقد قال تعقيبا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر” ثمة اشخاص في نيوجرسي رأوا قطاعات كبيرة من العرب وهم يحتفلون عند انفجار المبنيين ” وقال ” أعتقد أن الإسلام يكرهنا .. لدينا مشاكل مع المسلمين الذين يدخلون بلادنا .. والأمن سوف لا يسود في الولايات المتحدة حتى يتم القضاء على الإرهاب الإسلامي”، ومنع المواطنين من عدد من الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة.
وأعلن أنه سيبني جدارا فاصلا عنصريا بين بلاده والمكسيك، واخير قرّر فصل أطفال المهاجرين الذين يحاولون دخول الولايات المتحدة من المكسيك ودول وسط أمريكا اللاتينية عن آبائهم وأمهاتهم وحجزهم في أقفاص في محاولة لا إنسانية غير مسبوقة لمنعهم من دخول البلاد، لكنه اضطرّ للتراجع عن قراره نتيجة لضغط الرأي العام الأمريكي والدولي.
سياسات ترامب أدّت إلى عزل أمريكا وتعريتها واظهارها على حقيقتها كدولة لا تهتم إلا بمصالحها، وأفقدته مصداقيّته كرئيس لأقوى دولة في العالم؛ ولهذا فإن معظم حلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وكندا لا يثقون به، ويرفضون سياساته التي تركز على ” أمريكا أولا ” ولا تراعي مصالح وكرامة الأخرين.
انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الأخرى احتجاجا على مواقف تلك المنظمات من إسرائيل لن يخدم المصالح الإسرائيلية الأمريكية؛ إنّه يثبت للعالم أن أمريكا دولة معادية لحقوق الإنسان ومتحيّزة لإسرائيل، ونأمل أن يعزّز جهود الدبلوماسية الفلسطينية في كسب المزيد من التأييد الدولي للحق الفلسطيني، ويساهم في كشف سياسات إسرائيل العنصرية التوسعية، ويؤدي إلى زيادة عزلتها الدولية واعتبارها دولة فصل عنصري يرفضها العالم.
نحن أبناء الشعب العربي نقول لترامب الحقد لا ينصر قضية والقضايا ذات الأسباب العادلة هي التي ستنتصر، ونشكره على مواقفه الصريحة المعادية لنا، وعلى ابتزازه لدولنا، واستهتاره بحقنا في وطننا ومقدساتنا، ” لعل وعسى” أن يساهم ذلك في ايقاظنا، ويعجّل في خلاصنا من جلاّدينا!
“