حين أنتقل عبدالله بن عبد المطلب الى الرفيق الأعلى , تاركا نتاج سنى عمره -من كل ماطهر به البدن والروح , والشفافيه وكفاح الحياه , وعزوف النفس عن مبيقات البريه , وصفاء الأنا البشريه الى ربها غارقه فى جلال الربوبيه وتجلِى الوحدانيه , تذيب الشرك والكفر والضلال والحرام ,وحياه الدنيا التى لم يروا فيها تُبَاعِها اِلا الأبدية – مُجسدها فى نطفته الطاهرة الندية , مستودعا اياها فى خير أرحام نساء الأرض وحوريات الجنان العلية , رحم الأم الرؤوم “أمنه بنت وهب”..تُضىء كيانها وتصفو بروحها وتحول مجرى الدماء فى عروقها الى “روان” يفيض دائما بمايصب فيه الملائكه من رياحين ومسك وعنبر تغذى النطفة الطاهرة , فتغسلها بالماء والثلج والبَرَد ,وتروى ظمأها لعشق ربِ البريةِ .ٍ
ويعلو الحمل فى أحشائها , فيصفو كيانها ويرتقى جسدها بما تحمله من نور الهدى الى السمو والرقى , لتبدو خطواتها كطائر يحلق فوق الأرض وبين احضان السماوات العُلا لايرى غير ضياء الذات الألهية , ولايرى فى الشرك واللآت والعزى وهُبل اِلا رميهم أجمعين بحجارة من سجيل , ليعلو الصوت من عليين يشق عنان السماوات السبع ” لااله الا الله محمدا رسول الله” ليزلزل صداه الارض والبرية فتخشع البشرية .
ويفيض الرحم الأنسانى بأمر الخالق الربانى … ويصير الطمث ماءاً سلسبيلا طاهراَ عذباَ فراتاً , منبئا عن بزوغ شمس الاِسلام من رحِم “أمنه بنت وهب” أم سيد الخلق والأنام , التى أُضِيئت أحشائها وكيانها على مدى شهور تِسع , وهى الآن تطل على الأنسانية معلنه ولادة الهدى , فتضاء الكائنات فور ميلاد خير البرية , ويصير فم الزمان تبسم وثناء,ويباهى عبد المطلب الدنيا بحفيده ونوره الوَضَاءِ , ويرتفع سيفه متحديا دوله الكفر والشرك , ولو أراد لقطع رؤوس من يسجدون لهبل واللآت والعزى , فبين يديه نور البشير .
ويبزغ نور الهادى البشير يُضِىء قريش وماحولها حين يحبو حفيد عبد المطلب على بساط الدروب فى “بكه”وتغدو أم القرى بقعة تنذر بضياء الهدى والتوحيد لتُطفى ء نار الشرك والكفر والجهل والتضليل – ويخلف “أبى طالب” أبيه فى رعايه رسول الأنسانية فى رحلة الصِبا , متحديا أئمة الكفر , مُوقفا أباء الكفرِعند حدهم “لهب وجهل وسفيان ” أقرانِ الشرك والجهل والعصيان ليصيروا خصيان وندمان وعميان , محتسى أقداح الخمر حتى الثمالة , فلا يروا اِلا الميسر والزنا ووأد البنات طريقُ ليهيموا بالسجود كالحيوانات لللآت والعزى وهبل وكافه الأصنام , ويحذر أبى طالب الأبالسه أن يطفئوا نور الله , منذرا أن محمدا مبشراً أن الله متم نوره ولو كره الكافرون .
وحين بزغ النور الوضاءِ من رحم “آمنه ” اِلا وصارت “حليمة السعديه “أسعد المخلوقات فى البشرية و حتىالأخرة الأبدية, فها هى قد غَدت على ميعاد لتكون أم الرسول الكريم بالرضاع , فصار اللبن مدراراً فى ثدييها حليبا ليلا ونهارا ندياً, كما وأن “القد”قد بدى ذو كيان مكنون , وهيئه الأم الرؤوم غدت حورية من حوريات الفردوس , حتى ضروع العنزات تدلت تلامس الأرض بعد طول جفاف , وطلت من الأرض الجرداء فى هذه الصحراء , زروع خضراء فصارت بكرا وسياجا من خُضرة حول منزل أم الرسول فى الرضاع , وبدت النضارة فى وجه حليمه بما يسرى فى عروقها من شهد وعسل أنهاراً والى ثدييها فائض منهما تسيل من الحلمات التى يلقمها ثغر محمد البسام .
وكان ميلاد خير البريه ندياً ,ثرياً ذو نفحات عطريه , على مكه وشبه الجزيرة العربية ,وعلى كافة الأمصار المتاخمة لها ,والبشرية جمعاء فبميلاده بزغ شمس الدين الاسلامى وصار دين محمد برداً وسلاماً على الكون والبشرية جمعاء , , فَهَنِئت “يثرب “بضياء سيد المرسلين وخاتم النبيين , وأنتظرته سنين حتى طلع البدر عليها واهلها من ثنيات الوداع , وعلى أرضها بنيت دوله الأسلام , وصارت الفتوحات , ففتحت مكه وكانت حجه الوداع ميثاق وعهد ووفاء مجسده لكل القيم الانسانية وحقوق الانسان التى يتباهى بها الغرب الآن , فطويت صفحه الشرك والطواغيت والأصنام وقذف بها فى أقذر صندوق نفايه فى تاريخ الأنسان , وتحلل هبل واللآت والعزى الى ذرات جراثيم وتراب وصارت كالعدم غبار فى الهواء.
وغدت دوله الأسلام المحمدية تؤسس لأمة السلام والوئام , وتعطى الدروس والعِبر والسِير , وتحذر من هؤلاء الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة , الذين خانوا العهد والميثاق , يهود خيبر ويثرب الذين لاعهد لهم ولا ميثاق , وصار محمد نصير الضعيف والمظلوم والمكلوم والفقير , فغدى أماماً للاِشتراكيين لولا دعاوى القوم والغلواء , ووحد الأمة وأزال الفوارق الطبقيه , فكان السلم الأجتماعى هو المفازة والهدية , وبَيَن للتوحيد أصوله , وللشرك والكفر حدوده , وصار النهج المحمدى يَغرِس فى البشرية اللين وكَظمِ الغيظ والعفو عن الناس , والقول الطيب وسعة الأفق , والمجادلة بالتى هى أحسن , وحذر من الأطمئنان للأعداء وخيانة الأهل والخلان , والمحافظة على المال العام , وحذر من الأعتداء عليه والعدوان والغدر به , وحث على تلبيه حاجات الفقراء وتطهير النفس بالزكاة ودعى الى الطمأنينة وعدم ترويع الآمنين ,وأوصانا خيرا بالنساء ورعايه الصغار وأحترام الكبار .
ولم ترتفع الروح الطاهرة الندية لخير البرية ورسول الأنسانيه الى الملأ الأعلى ,اِلا وبشاير الوحدة قد تأصلت عند المسلمين , وتأسست روابطها وأنبعث ضيائِها من مكه والجزيره العربيه ليُضىء أمة العرب السنية ومنها الى عالم الأنسانية ليقضى على ما كان متأصلا فيها من شريعة الغَاب التى تجسدت فى استعمار الكبار كوحوش كاسرة تأكل الصغار والضعفاء , وبدى النور المحمدى أملاً عند هؤلاء ونجاة – وعلى ذلك كانت ولاده الهدى نور وضياء للكائنات , وصار ثغر الزمان تبسم وثناء .
واليوم 12 ربيع أول 1439 ذكرى ميلاد سيد الأنام محمدا
اسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ
يا خَيرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا
لتطل علينا ونحن نيام ,فاين نحن من سنته وثنى طلعته وعبيره وعبرته ؟
وكيف حال المكان الذى ولد على بقعته ومنه أنتشرت رسالته ؟
صار الأتجار بالدين الى أدنى الدركات التى أنحدر اليها كثير من البعير هؤلاء مدعى التسمية وهى منهم ومن أفعالهم براء ” تلك الوهابية” ومنها أنحدرت كافه التنظيمات الأرهابيه والتكفيريه تعيث فسادا فى كل الأمصار الأسلامية , وعلى النقيض من الرسالة المحمدية ودعوتها السنية للسلام والوئام , صارت تلك الجماعات الى القتل وترويع النفس البشريه , وغدى تدمير الأوطان الأسلامية غاية عندها , فدمروا العراق وسوريا وليبيا وهم الآن يعيثون فسادا وقتلا وتدميرا بباقى الأمصار فى السودان ومصر وتونس ولبنان , وفى جنوب الجزيرة صار اليمن على حافة الشعيرة من جراء التدمير والترويع الذى يمارسه على أهلها من يدعون انهم خدام الحرمين وحرمك النبوى منهم يستجير , ومن أسف أن كل هذه التنظيمات والجماعات تجر فى ذيلها كلمة الاسلام –دولة العراق والشام الاسلامية , وجبهه النصرة الأسلامية والجماعة الأسلامية , وأحرار الشام الأسلامية – والاسلام منهم بُرَاء لأنهم بأفعالهم المجرمة المتدنيه تقاطعوا مع أعداء الأمة العربية والأسلامية , وتماهوا مع الأمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية, ومولوا من حكام البترودولار لتدمير الاسلام والانسانية , وفى ذكرى ميلاد الرسول السنيه يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم , لكن الله متم نوره ونور نبيه المصطفى ولو كرهت كل هذه الحركات المدعاة بالاسلامية الارهابية ومن يقفون ورائهم بالتمويل والتدريب .
وفى ذكرى ميلاد خيرالبرية يصير مكان الميلاد الى حقبة الجاهلية الأولى التى حطمها رسول البشرية , فتنطلق الوهابيه من الجزيره العربيه تغذى كل الحركات الآرهابيه بالفكر المسموم وبالمال والبترودولار والسلاح لتعيث فسادا فى أمه الأسلام لصالح دول الشرك والعدوان “أمريكا وأسرائيل “- ويضحى أبى جهل ولهب وسفيان مثل أعلى لبعض حكام أمصار الجزيرة العربية التى خرجت منها الرسالة المحمدية لتقضى على دوله الكفر وتمحيها , ليعيدوها من جديد فيسيروا على منوال الجهل والتخلف وعبادة الأوثان فى أسرائيل وأمريكا الذين يأمرونهم بتدمير أوطان العرب والأسلام ببث المال الحرام لشراء الأنفس والسلاح لتقتيل الشعوب العربية وتقطيع اوصال الأمة الاسلامية , وتدنيث مهبط الوحى والبقعة التى أنتشر منها ضياء الرسول عليه السلام وثنى مولده , بقواعد الدمار والهلاك التى يبنيها أعداء محمد والاسلام يهود خيبر والأمريكان فى كل مكان من الجزيرة العربية .
وتبقى الذكرى تفوح برياحين الفل والياسمين , وبنور يُضِىء من كوكب دُرى يوقد من شجرة زيتونة لاشرقية ولا غربية يكاد زِيتُها يضىء ولو لم تمسسه نار , نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شىء عليم .