عن مركز دراسات الوحدة العربية ورئيسه خير الدين حسيب

بقلم : اسماعيل أبو البندورة

أزعم بأنني قد رافقت وتابعت بشغف وتقدير لحظة تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية قارئاً ومهتماً ومتابعاً لنشاطاته ودراساته وندواته ومجلته الرائدة ” المستقبل العربي ” منذ أول أعدادها واستمراري في اقتنائها حتى اللحظة ومواظبتي على قراءتها بالإضافة إلى معظم الدراسات الصادرة عن المركز . وأزعم أيضاً بأن المجال الثقافي العربي لم ينتج مثيلا لهذا المركز من حيث القدرات وتوليد المبادرات والكفاءات والحفاظ على الاستقلالية والإنهمام الخالص بتطوير الفكر العربي بشتى مشاربه ومدارسه وتياراته  وبناء حقل فكري متكامل من الدراسات والأبحاث القومية التي شكلت بحد ذاتها مرجعيات للفكر والتفكير التنويري العقلاني في الوطن العربي .

وشاء حسن الحظ والطالع أن يترأس هذا المركز شخصية قومية رفيعة القدر والقدرة الثقافية والابداعية ( الدكتور المحترم خير الدين حسيب ) ليشكل بهذه المثابة قيادة فكرية طليعية ونزيهة لا تخضع لمشيئة الدول والسياسات السائدة وتتمسك باستقلالية حادة تريد أن تعلي الثقافي على السياسي وأن تصلح في الثقافة ما تعطله السياسة في الكثير من الأحيان .

أنتج المركز في ظل هذا المناخ المتكامل من العزم وتفاؤل الإرادة والاستقامة الفكرية والدفع الواضح لرئيسه  وصانع خططه ومبادراته العديد من الدراسات الهامة التي تناولت الكثير من الموضوعات الهامة التي تتعلق بالأمة العربية، وأقام العديد من الندوات الفكرية القيمة والنوعية التي اجتمع فيها خيرة العقول العربية، وأصدر العديد من المؤلفات الهامة المتعلقة بالأمة العربية وقضاياها وإشكالياتها وقام بتسهيل امكانية وصولها وبأسعار شبه رمزية إلى حد كبير إلى العديد من الأقطار العربية على الرغم من المنع والإعاقات المختلفة.

كما أطلق الكثير من المبادرات السياسية الثقافية المتعلقة بتوحيد الصف القومي وفتح المعابر الفكرية والتشبيك وإقامة الجسور بين التيارات الفكرية والسياسية العربية بغية توحيد جهودها وترتيب العلاقات فيما بينها وصولا إلى إنضاج مشروعات استشرافية حول مستقبل الأمة العربية ( التحديات والخيارات ) والمشروع النهضوي العربي وغيرها من المشاريع الفكرية الهامة .

وكنا نأسى أحياناً ونحن نقرأ التقارير السنوية الصادرة عن المركز وتحديدا عندما يتعلق الأمر  بفقر وشحة الموارد وتراجع مبيعات المركز والاختلالات التي قد تترتب على هذا النقص ومحاولات الدكتور حسيب وزملائه وكل من يهمهم أمر المركز بإطلاق المخاوف والنداءات لإنقاذ المركز مع الإصرار على الاستقلال المالي في كل الظروف ومحاولة خفض الإنفاق والتقشف على كل الأصعدة .

وكنا نحب لو أن الأمة مؤسسات وأفراداً وحكومات تستجيب لنداءات المركز بالمؤازرة المادية والمعنوية  وإنقاذه من أزماته المالية التي قد تودي بجهوده الكبيرة وإمكانيات استمراره والمحافظة عليه كرأسمال رمزي للأمة العربية  ومعبراً عن يقظتها وحيويتها . وهانحن نجدد دعوة مفتوحة للأمة وأبنائها بأن “لا نترك الحصان وحيدا ” وأن  نجترح وسائل مادية مختلفة  للإسهام في جهد المركز ودعمه بكل الوسائل ليبقى كما هو منارة وعلامة هامة في صفحات التاريخ الثقافي والسياسي للأمة العربية  وصناعة مستقبلها.

والآن نأسى بسبب استقالة رئيس المركز الدكتور خير الدين حسيب وباني أساساته والعقل الديموقراطي الجبهوي الذي نهض بمهمة رفيعة ونبيلة ونوعية في عصر عربي معقد يجاهد الشرفاء فية للمحافظة على الصفاء والنقاء وحب العروبة والتمسك به كخيار هوياتي وتكويني يحفز على المقاومة وعدم الاستسلام .

ننحي احتراماً لخير الدين حسيب هذه القامة القومية السامقة وهذا الرجل النبيل الذي كان دائماً عنواناً للأمل والتفاؤل والتطلع إلى المستقبل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى