مشروعية الاتفاق والاختلاف
بقلم : د.مازن صافي
في جلسات الحوار، وتبادل الآراء، وتحويل البيانات الى معلومات لصناعة القرار، نرى أن الجلسة لا يمكن أن تكون سليمة من حيث العصف الذهني والفكري وتبادل الاراء واستقراء الافق ووضع اسس للمستقبل الا في وجود الاتفاق والاختلاف واحيانا النقد بين المجتمعين، وقد تكون الجلسة في حالة انسجام واتفاق تام وتخرج بآراء قوية وتفضي الى قرارات هامة، وهنا نتحدث عن (بعض) او (جزء) وليس الشمولية او التعويم، لأنه من السلامة في الجلسات ان يكون هناك الاتفاق والاختلاف في الرأي لصالح تبيان الامر حتى الوصول الى القرار السليم الخالي من العثرات والشوائب والاخطاء ما أمكن ذلك.
في أي جلسة حوار، يجب أن يكون هناك المفكر والمثقف، هذا المفكر الذي يبحر في أم العلوم وينحت في صخر البيان، ويستخرج كنوز المعلومات، وهناك المثقف الذي يتسم بالوعي والادراك والقدرة على صياغة الموقف واحتواء الجماعة او المجموع لامتلاكه صفات تسلح بها من تجاربه واختلاطه وثقافته واطلاعه وقربه من المفكر.
النقاش النقدي، لم يكن يوما بمثابة المرادف للجدال اللفظي او عنجهية التمترس خلف الموقف المنفرد او المتفرد، بل هو اتساع المكان ومساحات التجديد والتحديث والتطوير، وتفحيص الشكل والبيان والمعنى والمضمون، وهو المعنى المرادف للمعرفة والقدرة على البناء، والاقناع، فالدفاع عن الفكرة أمر مشروع، كما ان نقد الفعل والاسلوب أمر مطلوب، وبالتالي من يضع هذا النقد في خانة الممنوع، فليراجع افكاره وثقافته .
ان المفكر هو الشخص الذي لا يجيد القدرة على الوصول الى القمة، لأن قمته تكمن في تقديم الغذاء المعرفي للمجموع، وتعبئة العقول بزاد التنظير والثبات، فتكون ساعات يومه لصالح النضال وتعزيز المواقف، وتقديم البراهين السليمة، وبل الأهم هنا أن ما يميز المفكر والذي لا أرى أنه يبتعد عن توصيف المثقف الا في المهمة والكيفية، هو الايمان الراسخ والمتين أن الرأي يحتمل إما الخطأ أو الصواب، وبالتالي لا تناقض ولا خصام في القبول، بل يرى المفكر المثقف أن الاختلاف يعني تحريك ملكات النقاش والتعمق، والاتفاق هو لمس البرهان والبعد عن القشور.
المفكر المثقف الذي يدافع عن الحقائق والحريات والحقوق، يجب أن يمنح الحصانة، لأنه من يفك القيود وينثر بذور الثقافة والعلم والأدب والمسلكيات، وحين يُحارب المثقف المفكر، فهذا يعني أن هناك خللا في الثقافة والسلوك والحقوق والحريات.
ومما استفدت من حواري حول ذات الفكرة والمضمون مع أخي بكر أبوبكر المفكر الفلسطيني الوطني قوله : ” في الحوار ضمن احد اهم التعريفات الحديثة التي اتناغم معها ممكن ان نقرأ انه يعني 3 كلمات فقط لا غير هي//ان نفكر معا// وهي نظرية متكاملة لها بداية ونهاية، واما ان النقاش يفترض الاتفاق والاختلاف جائز، ولكن قد يكون التنوع اشمل من فكرة الاختلاف، لان في التنوع غنى بينما قد يكون بالاختلاف تنافر، وبما يتعلق بمن يحضر الاجتماع فهم كثير نعم قد يكون منهم المفكر وقد يكون المنفذ (المنجز) او المبتكر وايضا المنظم والمتمم والناقد و المدير (حل المشاكل والتوفيق=الموفق) وهنا يكون القائد واحد من الادوار ايضا ، وهي ما يسمونها في فكرة عمل الفريق “الأدوار” اي ان الادوار الثمانية المذكورة(كل شخص قد يمتلك دور او اكثر) ضرورية وهامة حيث وجب العمل او وجب النقاش لان الفريق بدونها لا يقوم بفعله بالوجه الاكمل.”
ومن الجميل أن نختم مقالنا بالقول أنه ” لا مشروعية للمفكر إذا لم ينهض بنقد المثقف ” ولا يمكن تصنيف المثقف الا أن يكون قارئا نهما ومتبصرا عميقا ومستنبطا واعيا ومفكرا ناقدا وقابلا للنقد، دون صدام او نفور او نزاع.