حوار كوبي حول امكانية الجمع بين فضائل الرأسمالية والاشتراكية
هافانا – كتب د. نور الدين عوّاد
اجرى موقع كوباديباتي الالكتروني مقابلة مع مدير مجلة “كوبا الاشتراكية” الرفيق إنريكي أُوبييتا حول مختلف المواضيع المتعلقة بالاشتراكية وكوبا وتاريخها السياسي منذ عهد الاستعمار الاسباني.
ونظرا لاهمية الحوار والنقاش العلمي الجاد حول مواضيع ذات اهمية شاملة تتعلق يالثورة والاشتراكية في اي زمان ومكان، راينا ضرورة نقل مقتطفات اساسية من المقابلة الى لغتنا المجيدة، على امل افادة قرائنا الكرام والاستفادة من آرائهم.
نشكر الصحفي الكوبي خوسيه راؤول كونسيبسيون على اجرائه هذه المقابلة الهامة والمؤاتية في ظل اللحظة التاريخية التي تعصف بالبشرية جمعاء من خلال هجمة معولمة لراس المال وثورته المضادة على نطاق كوني بغية تابيد نظام الراسمالية المتغولة على البشر والبيئة والحياة على كوكب الارض، باسم الحرية وحقوق الانسان وحقوق المراة في نكاح الجهاد ووو الله اعلم. الحق بيِّن والباطل بيِّن فاما ثورة اشتراكية واما الهمجية.
*****
هل يمكن التمترس في الوسط كمذهب يمثل افضل ما في الراسمالية والاشتراكية؟
الراسمالية ليست جمعا لجوانب سلبية واخرى ايجابية، او لعناصر يمكن انقاذها واخرى يمكن القاؤها في المزبلة: الراسمالية نظام كان ثوريا في لحظة تاريخية معينة اما اليوم فلا، لم تعد كذلك. انها تشمل كل شيء وتقيّد كل شيء: التكنولوجيا العالية، والثراء الفاحش والبؤس المطلق.
نفس العناصر التي تساهم في فعالية اكبر في الانتاج، تساهم في فرض الاغتراب على عمل ابناء البشر. العناصر التي تولّد الثروة لقلة قليلة، تنتج الفقر للاكثرية على المستوى الوطني والدولي.
يبدو لي انه من الباطل طرح مثل هذا الهدف: لا يوجد “افضل ما في الراسمالية”، كما لو انه بالامكان تطهيرها، كما لو ان راسمالية حميدة يمكن ان توجد على ارض الواقع. توجد طبعات سيئة جدا من الراسمالية كاللبرالية الجديدة والفاشية، لكنني لا اعرف اية طبعة حميدة. الراسمالية دائما متوحشة.
” من ناحية اخرى، الاشتراكية، خلافا للراسمالية، ليست كُلِّيَّة عضوية، واقعا منجزا، بل انها طريق لا يترك خلفه بضربة واحدة النظام الذي تحاول تجاوزه. نجرِّب من هنا ومن هناك، نتبنى اشكالا جديدة، نتقدم، نتراجع، نحذف ما لا فائدة منه، نصحح الاخطاء مرارا وتكرارا؛ انه طريق نحو عالم آخر، وسط الادغال، لان الراسمالية هي النظام المهيمن. وما يميز الاشتراكية هو نيتها الصريحة والواعية في تجاوز الراسمالية.
هل يوجد وسط؟ ما هي الاسس التي يقوم عليها؟
في النظام الراسمالي الانتخابي يزعمون بوجود يسار ويمين، غير ان هذا اليسار الذي يتخذ من الديموقراطية الاجتماعية socialdemocracia قابلته الايديولوجية، وفي اصل نشاتها كانت ماركسية وكانت تتوخى اصلاح الراسمالية الى ان تفنيها تدريجيا، اصبح وظيفيا للنظام وارتدَّ عن الماركسية، ويختلف عن الاحزاب المحافظة بسياساته الاجتماعية وتفهمه للتنوع دون احكام مسبقة.
الصيغة الوسطية تعمل داخل النظام الراسمالي كمورد انتخابي. الناخب ـ يتعاملون معه بصفته زبونا لان الانتخابات تعمل كما لو كانت سوقا ـ سئم من تناوب احزاب اليمين واليسار وتطبيقهم لسياسات متشابهة، ولهذا السبب يقوم النظام بتقديم طريق ثالث زائف.
” لكن القطبين الحقيقيين لا يوجدان داخل نفس النظام بل انهما يتناقضان: وهما الراسمالية والاشتراكية. لا يوجد وسط، حيّز محايد بين النظامين. الديموقراطية الاجتماعية تتموضع داخل الراسمالية، وتتظاهر بانها وسط وتحاول ان تعمل ما نراه نحن مستحيلا: اخذ افضل ما في النظامين. في الواقع، تؤدي الى تبادل الوسائل وليس الجوهر. بعيدا عن حالات منعزلة جدا مثل حالة اولوف بالمي Olof Palmeفي السويد، الذي كان يعيش في بلد غني جدا، وعلى الرغم من انه لم تكن لديه مستعمرات،الا انه كجزء من النظام الراسمالي استفاد ايضا من النظام الاستعماري القديم والجديد.
” الديموقراطية الاجتماعية، التي كانت تبدو منتصرة، لم يعد لها معنى عندما سقط الاتحاد السوفييتي واختفى المعسكر الاشتراكي. حتى في السويد لم تستطع البقاء (اذ تم اغتيال اولوف بالمي). منذ ذلك الحين لم يعد النظام بحاجة اليها واضطرت الى اعادة تركيب نفسها بنفسها. الطريق الثالث الذي تزعمه طوني بلير ليس الا وسطا انزاح مهرولا نحو اليمين: يقبل بالسياسة اللبرالية الجديدة ويطبقها ويتحالف مع قوى الامبريالية في حروبها (فتوحات الامبريالية). تاريخ الديموقراطية الاجتماعية اوروبي جوهريا”.
ما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه سياسات الوسط في كوبا؟
قطعا، ماهو هذا الوسط؟ انه توجُّه سياسي يستولي على عناصر من الخطاب الثوري، ويتبنى موقفا اصلاحيا وفي نهاية المطاف يكبح اويعرقل انجاز ثورة حقيقية.
“في حالات اخرى كالحالة الكوبية، يحاول الوسط استعمال الثقافة السياسية اليسارية الموجودة في المجتمع الكوبي، لان لا احد يستطيع ان يصل الى هنا بخطاب يميني متطرف املا في اكتساب اتباع له. بل عليه ان يستعمل ما يراه الناس عادلا، ومن خلال ذلك الخطاب اليساري، يشرع بادخال الراسمالية من باب المطبخ. هذا هو الدور الذي قد يلعبه الوسط في مجتمع ما كالمجتمع الكوبي”……..
“اليوم يوجد في كوبا وضع مؤاتي لهذا النوع من التكتيكات الوسطانية، التي تزرعها هنا الامبريالية الامريكية الشمالية. فالجيل الذي صنع الثورة ينهي دورته التاريخية ـ الحيوية. حوالي 80% من المجتمع الكوبي لم يعيشوا الراسمالية. بامكان المرء ان يتخيل، كوبا تحاول بناء مجتمع مختلف عن مجتمع آخر لم يعش الناس (اهل البلد) فيه. يوجد الان وضع يتغير ويتم ادخال عناصر جديدة، سابقا كانت مرفوضة، في مفهومنا لنموذجنا الاقتصادي ـ الاجتماعي. في هذا السياق، القوى الموالية للراسمالية تبني خطابا ثوريا زائفا، فقط ظاهريا، على صلة بالتغيرات الجارية في البلد”.
هل يشبه تحديث النموذج الاقتصادي الاجتماعي الكوبي الوسطية في شيء؟
لا يوجد اي شبه….لا بد من التفريق بين مستويين: الخطاب وتوجُّه الخطاب؛ المعنى والمغزى… وهذا مهم جدا اذ اننا نعيش في سياق لغوي ملوَّث و ماجن، في مجتمع معولم استوعب الخطاب اليساري وحتى الايماءات التقليدية لليسار..الصراع الطبقى اضحى مُقنَّعاً و لا بد من فك رموز خطاب محادثينا و مَن وما يخدمون.
ما الذي تتوخاه الخطوط العريضة لتحديث المشروع الاقتصادي الاجتماعي للثورة الكوبية راهنا؟
البحث عن طريق خاص بنا، بديلنا، من اجل التقدم نحو الاشتراكية، اذ انه لا يوجد نموذج عالمي، ولكل بلد ولحظة تاريخية خصائصهما. اشتراكية كوبية ليست الا الطريق الكوبي نحو مجتمع مغاير للمجتمع الراسمالي، في ظل عالم معادي لنا، والفقر والحصار المتسلط علينا وافتقارنا للموارد الطبيعية الا اذا استثنينا معارف مواطنينا (راس المال البشري كما يقول فيديل كاسترو/ المترجم).
“هذا هو الوضع الحقيقي لكوبا. نعتزم الحفاظ على العدالة الاجتماعية المنجزة وتعميقها، ولذلك يجب علينا تزخيم القوى الانتاجية. ولهذ السبب وضعنا حدودا لمراكمة الثروات والممتلكات.
في الاتجاه المعاكس، يوحي الوسطيون، بخطاب شبيه لخطابنا، باننا قد تخلينا عن مثال العدالة الاجتماعية، لكنهم يطالبوننا بتعميق تغيرات قد تؤدي الى تفكيك حتى الحد الادنى من العدالة الاجتماعية التي انجزناها.
” التعميق الذي يطالب به الوسطيون من وجهة النظر الاقتصادية والسياسية على حد سواء، يمثل عودة الى الراسمالية. يمكننا ويجب علينا ان نستمع الى كافة الاراء الانتقادية والمتنافرة في مجتمعنا، لكن يجب ان تصب جميعها نحو نفس الافق المنشود.
” عندما يقول قائل بان الاشتراكية لم تتمكن من اجتثاث الفساد والبغاء فانني اشعر بالحزن لانني اعرف انها الحقيقة. لكن في نفس الوقت يجب ان يوجه السؤال: ماذا تفعل الراسمالية بالخصوص؟ انها ستضاعفهما.
ان اي اتهام لا يتضمن طريقا نحو ترسيخ النظام القائم في بلدنا ـ وهو الوحيد القادر على تصحيح النواقص والتقصير والاخطاء ـ وانما نحو التدمير، فان النقد يصبح مضادا للثورة.
هل يمكن ان يكون المرء وسطيا وثوريا في آن واحد؟
لا ، اطلاقا. الاصلاحي ليس ثوريا وهذا لا يعني ان الثوري لا يمكنه اجراء اصلاحات.
نحن الثوريين قمنا بالاصلاح الزراعي والاصلاح الحضري…. اما ان تكون اصلاحيا فهذا شان آخر… والوسطي اسوأ من الاصلاحي لانه مداهن (منافق)…..
كل هذه الثرثرة حول جمع الراسمالية مع الاشتراكية، في رايي، تثبت وجود مستوى معين من الجبن، وعجز معين عن الاضطلاع بمشروع تؤمن به. هؤلاء الاشخاص يؤمنون بمشروع مناقض لمشروعنا، لكن لا تتوفر لديهم القوة السياسية ولا الشجاعة الكافية لكي يرفعوا لواءه علانية”.
نقلا عن صحيفة غرانما الناطقة باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي.