هكذا سيكون الرد على القرار الامريكي باسقاط الاسد
بقلم : أحمد الشرقاوي/ بيروت
بعد الضربة التحذيرية الأولى والتي كان المستهدف بها روسيا تحديدا في رسالة تقول للرئيس بوتين أن عليك أن تختار: إما التعاون مع “المجتمع الدولي” مقابل حفظ مصالح روسيا في سورية والسماح لك بلعب دور محدد في المنطقة تحت القيادة الأمريكية، أو التحالف مع إيران ودعم الأسد وحزب الله ما سيعرض بلادك لمزيد من العزلة والعقوبات القاسية.
الرئيس بوتين فهم الرسالة بالعمق المطلوب، واعتبرها إهانة شخصية له، وتقليلا من قوة بلاده ودورها، ورفضا للاعتراف بها كند للولايات المتحدة، وإصرار على تصنيفها في خانة القوة الإقليمية الكبيرة التي لا ترقى لمرتبة القوة الدولية العظمى، وأنه لن يكون في مقدورها الوقوف في وجه أمريكا سيدة العالم وحلفائها، الذين قرروا هذه المرة المضي بعيدا في قلب المعادلات في سورية من مدخل عزل إيران وإخراج حزب الله والقوات الإيرانية تمهيدا لإسقاط الرئيس الأسد بالقوة العسكرية الرديفة.
ولعل قول الرئيس بوتين الثلاثاء أن “الجميع يريد تصحيح العاقات مع الولايات المتحدة بعد حملات معاداة ترامب، وروسيا مستعدة للتحمل”، هي إشارة واضحة لاستدارة القاهرة وغدر تركيا وانقلاب العاهر الأردني “رب الدواعش” على تفاهماته الأخيرة من بوتين بعد أن انخرط بمعية أردوغان في خطة إسقاط الرئيس الأسد بالقوة العسكرية وفق سيناريو منسق تشرف عليه واشنطن وبريطانيا.
وهو ما دفع بالرئيس الروسي للقول أنه لن يستقبل وزير الخارجية الأمريكي وليس لديه أي خطط للاتصال بأردوغان، ما يعني أنه أغلق باب الحوار الدبلوماسي مع من كان يعتقد أنه سيصل معهم إلى تفاهمات بشأن سورية، وقرر الرد بطريقته وفي إطار التمسك بالتحالف مع أصدقائه الأوفياء سورية والعراق.
وقد كان لافتا إعلان موسكو أن الجيش العربي السوري أصبح الآن قادرا على الرد على أي عدوان يستهدفه، ما يعني أنه حصل بالفعل على منظومة (إس 300)، كما وأكدت القيادة العسكرية الروسية أن وقت الكلام انتهى وجاء وقت الفعل، وأنها تلقت تعليمات بالرد الفوري والمباشر على أي استفزاز يستهدف القوات والمواقع الروسية.
كما وأعلنت روسيا عن اجتماع ثلاثي سيعقد في موسكو نهاية الأسبوع بين وزراء خارجية روسيا وإيران وسورية لتدارس مستجدات الوضع في سورية، وقرر بوتين التوجه لمحكمة العدل الدولية في لاهاي للتحقيق في مذبحة خان شيخون لتظهر الحقيقة ويحاكم المجرمون الذين تسببوا في هذه المذبحة البشعة، ولموسكو معلومات عن تورط تركيا في تزويد التكفيريين بالمواد الكيميائية، وعن دور منظمة الخود البيضاء في قتل الأطفال بحقن في القلب لإخراج المسرحية المصورة التي استثمر فيها الإعلام الغربي والعربي الصهيوني لهز مشاعر العالم.
لكن الأخطر هو ما كشفه بوتين عن وجود سيناريو لاستفزاز سورية وتبرير عمل عسكري ضدها، حيث رصدت المخابرات الروسية أن الإرهابيين ينقلون مواد سامة إلى خان يونس ومطار الجيزة والغوطة الشرقية وغرب حلب والضاحية الشمالية لسورية، ما يؤشر إلى أن أمريكا قررت التصعيد العسكري في سورية من مدخل الكيماوي لتبرير استهداف الجيش العربي السوري والمطارات والمواقع العسكرية الإستراتيجية تمهيدا لإسقاط دمشق.
وفي هذا الصدد أكد الرئيس بوتين الثلاثاء أن “لدينا معلومات من مصادر موثوقة بأن استفزازا يخص الأسلحة الكيميائية يحضر له في سوريا بما فيها دمشق”، المر الذي لا يدع مجالا للشك بأن أمريكا قررت التصعيد العسكري ضد سورية لإسقاط الرئيس الأسد مهما كانت التداعيات.
وكان اجتماع مجموعة السبع في إيطاليا مناسبة لتدارس الوضع في سورية، حيث حضره أيضا وزراء خارجية الدول الإقليمية المعادية لسورية (السعودية، تركيا، قطر، الأردن)، وتم الاتفاق على عنوان المرحلة القادمة الذي يجب أن لا يحيد عن شعار “أن لا مكان للأسد في التسوية السياسية في سورية”، وهذا يعني بكل لغات العالم ضرب العملية السياسية في أستانا وجنيف في مقتل، في رد أمريكي واضح على عزل روسيا لواشنطن واستبعادها من العملية السياسية التي قادتها في المرحلة الماضية.
اجتماع مجموعة السبع يؤشر إلى أن هناك توجه لتفعيل الحلف السني – الإسرائيلي الذي قيل أنه أصبح جاهزا للتدخل العسكري في سورية لحسم المعركة مع الرئيس الأسد بمساعدة الجماعات الإرهابية المسماة بـ”المعارضة”، وذلك من منصة تركيا في الشمال ومنصة الأردن في الجنوب.
وكانت دمشق قد رصدت تحركات مريبة للقوات التركية في إدلب وهي بصدد تأسيس جماعتين كبيرتين إرهابيتين للهجوم على حلب واستعادتها من يد الجيش العربي السوري، وقد تأكد هذا السيناريو بعد أن طالب أردوغان من الرئيس بوتين التخلي عن الرئيس الأسد والانضمام إلى واشنطن لتخليص سورية مما أسماه بـ”الشر” في إشارة إلى الرئيس الأسد.
كما وأن القوات التركية استأنفت اليوم هجومها على مناطق شمال وشرق حلب حيث سيطرت على عدة قرى ومناطق بالمنطقة وطردت منها “قوات سورية الديمقراطية” التي لم يكن في مقدورها الدفاع عن هذه المواقع بسبب تمركز قواها شمال وشرق الرقة.
أما بالنسبة لمنصة الأردن، فقد كشفت معلومات حصلت عليها روسيا من مصادر موثوقة، عن تحركات أمريكية مريبة تجري على قدم وساق في الأردن، وفق خطة جديدة تقضي بإشعال الجبهة الجنوبية السورية وصولا إلى دمشق، تحضر لها فصائل من “جيش مغاوير الثورة” (جيش سورية الجدي سابقا)، و”أسود الشرقية” و”شهداء الرايتين” و”المجلس العسكري الجنوبي، و”كتائب أحمد العبدو”… وهي القوات التي تشرف عليها واشنطن ولندن و”إسرائيل” في قاعدة التنف الأردنية حيث يتم تدريبهم وتزويدهم بالأسلحة والمعدات النوعية.
وتقضي الخطة الجديدة بأن تنطلق المعارك من المنطقة الجنوبية السورية مرورا بدرعا ووصولا إلى إلى المنطقتين الشرقية والوسطى لخلق منطقة آمنة تصل إلى تخوم دمشق، وسيكون لجبهة النصرة و”داعش” دورا محوريا في مشاغلة الجيش السوري في مناطق أخرى، كالغوطة الشرقية ومنطقة دير الزور – الرقة لقطع الحدود العراقية – السورية بشكل نهائي، هذا ناهيك عن المخطط الذي تحضره تركيا للتكفيريين من جبهة النصرة وخلفائها بالإضافة لقوات “درع الفرات” لاستعادة حلب وإشغال الجيش العربي السوري في مواجهات متفرقة تشتت قواته وجهده لانهاكه والانقضاض عليه.
الرئيس بوتين وفي تصريح لافت الثلاثاء، قال أن ما يحدث في سورية يذكره بما حدث في العراق بسبب مزاعم عن أسلحة الدمار الشامل، وهو ما يعني أن واشنطن قررت استنساخ سيناريو العراق في سورية، من خلال مواكبة هجوم المقاتلين على الأرض بالضربات الجوية لتسريع وصولهم إلى تخوم دمشق، وهو السيناريو الذي اختبرته واشنطن خلال الضربة الأولى حين انطلق الإرهابيون مباشرة بعد الضربة الأمريكية الأولى لمهاجمة الجيش العربي السوري من الجنوب الغربي بشكل منسق وفق ما أكده الرئيس بوتين.
السيناريو الأمريكي الجديد يعد من أخطر ما يمكن أن يحدث في سورية والمنطقة، فهو بالإضافة لكونه اعتداء غاشم وغير مشروع على دولة ذات سيادة بمبررات وذرائع مفتعلة، يمثل في نفس الوقت إهانة وتحدي لموسكو وإيران وحزب الله بشكل لا يقبله العقل، وكأن هذه القوات ستخاف من أمريكا وأدواتها وتفضل الانسحاب بدل المواجهة لتترك لواشنطن الساحة خالية والفرصة سانحة لتصنع بسورية والمنطقة ما تحلم به “إسرائيل” وأدواتها من الصهاينة الأعراب.
لذلك قلنا في مقالتنا السابقة، أن مصير المنطقة سيتحدد على ضوء نتائج الحرب بين حزب الله والمقاومات الشريفة من جهة و”إسرائيل” وأدواتها التكفيرية من جهة ثانية، وقد أصبح وفق معطيات اليوم المستجدة الصدام مع “إسرائيل” وارد أكثر من أي وقت مضى.
وهذا ما نراه واضحا جليا رؤية العين، لأنه لا يمكن أن يبقى محور المقاومة مكتوف الأيدي أمام ما تخطط له واشنطن في سورية، وبالتالي، الرد الحاسم سيكون باستهداف “إسرائيل” من كل الجبهات، ولا نستبعد استهداف الأردن أيضا لتورطه المباشر في المؤامرة.
ولعل هذا ما يفسر أن روسيا لن تخوض المواجهة، وستكتفي بالرد الفوري في حال استهداف قواتها ومواقعها، لتطلق يد حزب الله والقوات الرديفة والداعمة لمحور المقاومة للرد في الجبهة التي تؤلم واشنطن أكثر وتخلط كل حساباتها، ولا تستبعد انضمام الحشد الشعبي لاستهداف القوات الأمريكية والتركية في العراق وسورية، برغم كل التدابير الوقائية التي تقول واشنطن أنها اتخذتها لحماية جنودها.
وفي حال تطورت الأمور ودخلت تركيا وحلف الأعراب الصهاينة المعمعة، فستجد طهران المبرر لتلقين هؤلاء العملاء درسا في الأخلاق لن ينسوه أبد الدهر.
غير أننا نعتقد أن مبادرة حزب الله للرد ضد “إسرائيل” سيضع الأنظمة المتصهينة في المنطقة في حرج كبير من التورط في حرب دفاعا عن “إسرائيل” وسيهز الشارع العربي والإسلامي، بل والعالمي ضد صهاينة مغول العصر الحديث.
وتذكروا أيها العرب، أنه برغم كل ما قيل ويقال عن حزب الله، فإن سماحة السيد حسن نصر الله لا يزال يحظى بمصداقية عالية لدى 80 % من “الإسرائيليين” في فلسطين المحتلة وفق استطلاع للرأي قام به الصهاينة، ويعتبر قائد المقاومة في هذه الأمة، ويحظى بحب واحترام وتقدير كبيرين على مستوى الشارع العربي من الماء إلى الماء، خلافا لكل ما يروجه إعلام العهر والزيت من أكاذيب وأضاليل وبرغم ملايين الدولارات التي أنفقها لتشويه سمعته خدمة للكيان الصهيوني المجرم.
والفرق بين سماحة السيد وجمال عبد الناصر رحمه الله، هو أن الزعيم الراحل خاطب العرب بشعار “ارفع رأسك يا أخي”.. فجاء سماحة السيد حسن نصر ورفع رأس العرب بالفعل، وبشرهم بما لا يدع مجالا للشك” أن زمن الهزائم قد ولى وجاء زمن الانتصارات”..
فسجل يا تاريخ أنه في عهد سماحته سيعود للعرب عزهم وللمسلمين وحدتهم وستصبح بوصلة كل الشرفاء هي فلسطين التي بسبب تفريطنا فيها حل بنا ما نحن فيه من ذل ومهانة وكرب عظيم، وسيحل بالصهاينة ما لم يخبروه طوال تاريخهم الحافل بالتيه والعذاب والدم والحرائق، ليركسوا في الفتن التي أشعلوها وأرادوا بها تمزيقنا وذبحنا وتدمير ديننا وحضارتنا وإخراجنا من التاريخ.
نقول هذا لأن دخولنا التاريخ مرة أخرى مشروط بإخراج الصهاينة وداعميهم من الحكام العرب من هذا التاريخ الذي يكتبه الشرفاء اليوم في مشرقنا الحبيب.