مَشْفى أم مُسْتَشْفى.. درس في الاشتقاقات اللغوية
كتب محمد الحريري
هناك صيغة في اللغة العربية يطلق عليها “اسم المكان”.. اسم المكان ويسمى الموضع هو اسم مشتق للدلالة على مكان وقوع الفعل أو طلبه.
وتختلف طريقة صياغة اسم المكان ( واسم الزمان أيضاً ) باختلاف الفعل، حسب المخطط التالي :
أولا – من الفعل الثلاثي :
على وزن مَفْعَل بفتح الميم والعين إذا كان الفعل معتل الآخر.أو كان صحيح الآخر ومضارعه مفتوح العين أو مضمومها.
مثل: شفى مشفى ، سعى مسعى، رمى مرمى، جرى مجرى، سقى مسقى، لهى ملهى.
ومثل: قرأ مقرأ، بدأ مبدأ، لعب ملعب، طعم مطعم .
على وزن مفعل بفتح الميم وكسر العين إذا كان الفعل صحيح الآخر ومضارعه مكسور العين أو كان صحيح الآخر معتل الأول بالواو أو معتل الوسط بالياء.
مثل: نزل منزل، هبط مهبط، صار مصير، جلس مجلس.
ومثل: وعد موعد، وقع موقع، ورد مورد.
ويشتق اسم المكان من المصدر الثلاثي التام المتصرف على وزن مفعلة بفتح العين للدلالة على وقوع الفعل، ومكانه.
مثل: مزرعة، منامة ، محرقة ، مقبرة.
ثانيــاَ – من الفعل غير الثلاثي :
على وزن الفعل المضارع مع إبدال حرف المضارعة ميما مضمومة، وفتح ما قبل الآخر
مثل: اجتمع يجتمع مجتمع، استودع يستودع مستودع. أخرج يخرج مخرج، استقر يستقر مستقر. استشفى يستشفي مستشفى .
وبناء على ما تقدم فنلاحظ أنَّ المشفى والمستشفى اسما مكانين ، وهما مشتقان من الثلاثي (ش ف ي) ، قال ابن فارس :
الشين والفاء والحرف المعتل يدل على الإشراف على الشيء؛ يقال أشفى على الشيء إذا أشرفَ عليه.
وسمِّي الشِّفاء شفاءً لغلَبته للمرض وإشفائه عليه.
والشِّفاء: هو الدواءٌ ، وهو ما يُبرئُ من السَّقَم، والجمعُ أَشْفِيةٌ، وأَشافٍ جمعُ الجْمع، والفعل شَفاه الله من مَرَضهِ شِفاءً، ممدودٌ.
واسْتَشْفى فلانٌ: طلبَ الشِّفاء.
وأَشْفَيتُ فلاناً إذا وهَبتَ له شِفاءً من الدواء.
ويقال: شِفاءُ العِيِّ السؤَالُ. أَبو عمرو: أَشْفى زيد عمراً إذا وَصَفَ له دواءً يكون شِفاؤه فيه، وأَشْفى إذا أَعْطى شيئاً ما؛ وأَنشد: ولا تُشْفِي أَباها، لوْ أَتاها فقيراً في مبَاءَتِها صِماما وأَشْفَيْتُك الشيءَ أَي أَعطيْتُكَه تَستَشْفي به.
وشفاه بلسانه: أَبْرأَهُ.
وشفاهُ وأَشْفاهُ: طلب له الشِّفاءَ.
وأَشْفِني عَسَلاً: اجْعَلْه لي شِفاءً.
ويقال: أَشْفاهُ اللهُ عسَلاً إذا جعله له شِفاءً؛ حكاه أَبو عبيدة. واسم المكان من الثلاثي (شفى) هو المشفى أي مكان الشفاء ، واسْتَشْفى طلب الشِّفاءَ، واسْتَشْفى: نال الشِّفاء.
والمستشفى هو اسم مكان من الفعل (استشفى) أي طلب الشفاء أو مكان طلب الاستشفاء .
والمشفى اسم مكان تعني مكان الشفاء كما أسلفنا آنفـــــاَ.
في سورية يقولون (مشفى) وفي سائر البلدان العربية يقولون (مستشفى) فما الأصح؟
الجواب لغويا ، كلاهما صحيح من حيث الاشتقاق ، أما من الأسلم عقائديا في الاستعمال؟
المشفى : مكان الشفاء
المستشفى: مكان طلب الشفاء .
وقد عرف العرب قديما المستشفيات والمصحّات وبرعوا في تجهيزها واختيار المكان الأنسب لاقامتها بما يؤمن الأجواء الصحية للمرضى ويساعد في شفائهم .
وكما نعلم فدينيّاً لا يملك الشفاء إلا الله تعالى وهو الحق الذي ندين به ، لذلك نرجّح صحة استخدام المستشفى ، فهي تشير الى المكان الذي نلتمس فيه الشفاء ، والمُشافي إنما هو الله تعالى ، وقولنا (المشفى) غير صحيح لأنّ مالك الشفاء هو الله ، والمستشفى ليس مكانا للشفاء بل هو مكان لاستجلاب الشفاء من عند الله تعالى ، والله أعلم .