اضواء على الأسلوب الأمريكي الجديد في الحروب بالوكالة
شكَّلت هزائم واشنطن في المنطقة، تحولاً في الخيارات الإستراتيجية الأمريكية. ليس على صعيد الأهداف، بل على صعيد الأسلوب والتنفيذ. فالحرب بالوكالة ما تزال خياراً استراتيجياً لأمريكا في ظل واقعٍ متأزمٍ مُكلِفٍ بشرياً ومادياً. وهو الأمر الذي يمكن وصفه بالتحول الأمريكي نحو سياسةٍ تعتمد على استغلال نقاط ضعف الحلفاء، وإيهامهم بالحل الأمريكي. فيما تقوم واشنطن بتزويدهم بالسلاح، لكن عليهم أن يدفعوا الفاتورة من حسابهم. فتكون أمريكا بذلك، حقَّقت العديد من الأهداف، ووفَّرت خسائر الحروب المعتادة. ولإيضاح ذلك، لا بد من الإجابة على الأسئلة التالية: كيف دفعت الخسائر الفادحة في الحرب على العراق وأفغانستان أمريكا لإعادة النظر في حجم التكاليف؟ وما هو الأسلوب الجديد في الحرب بالوكالة والذي يعتمد على إبتزاز الحلفاء؟
الحرب على العراق وأفغانستان: خسائر إقتصادية وبشرية أمريكية فادحة!
شكَّلت تكاليف الحرب على العراق وأفغانستان سبباً لإبجاد تحولٍ في السياسة الأمريكية تجاه الحروب. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: أشارت صحيفة “ذي ديلي تلغراف” البريطانية خلال شهر آذار من العام 2013، الى أن غزو العراق كلَّف واشنطن ما يزيد على 801 مليار دولار. وأشارت الصحيفة التكلفة البشرية التي تكبدها الغزو الأمريكي للعراق حيث أسفر عن مقتل أربعة آلاف و487 جندياً أمريكياً بالإضافة الى 179 عسكرياً بريطانياً على أقل تقدير. وأشارت ديلي تلغراف أنه لو أن الدراسة أضافت الفوائد المرتفعة المترتبة على الديون الأمريكية بسبب الحرب، فإن فاتورة الغزو قد تزيد على ثلاثة ترليونات دولار.
ثانياً: بلغت إجمالي تكلفة الحرب على أفغانستان بحسب مبادرة “ناشيونال بريوريتيز” عام 2014 ما يُقارب 6 تريليونات دولار وفقاً لأدنى التقديرات. فيما يمكن التذكير بأن مدير المجلس الإقتصادي القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قدَّر إجمالي تكلفة الحرب في حديث له لصحيفة وول ستريت جورنال لتكون بين مئة مليار ومئتين مليار دولار. كما ذكرت دراسة لجامعة هارفارد أن 56% من القوات المحاربة في أفغانستان والعراق سبق وأن تلقوا العلاج في مراكز علاج المحاربين القدامى وسيُمنحون فوائد مالية طوال حياتهم.
وهنا تُشير الدراسة الى أن واحداً من كل اثنين من قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان قد طلب الحصول على استحقاقات العجز الدائم. حيث يُشير الرقم الرسمي إلى 50000 مصاب بحالات عجز كلي في حربي أفغانستان والعراق!
كيف تستخدم أمريكا حلفائها في حربها بالوكالة؟
عدة حقائق يمكن تحليلها تدل على الأسلوب الأمريكي الجديد في الحرب بالوكالة. وهو ما سنوضحه في التالي:
أولاً: الأكراد واستغلالهم لتنفيذ مشاريع أمريكية. فلا شك أن أغلب التحليلات تُشير الى أن أمريكا تعتمد على الجهود الكردية في أكثر من جبهة لا سيما العراق وسوريا. وهو ما يَطمح الأكراد في أن تكون نتيجته كياناً مُستقلاً. وهو ما لا يخفى على أحدٍ وجود إحتمالية دعمه من قِبل أمريكا، والتي تسعى للتقسيم ورفع منسوب الأزمات في المنطقة. فيما تُشكِّل مسألة دعم مُخطط إنشاء دولة كردية في شمال سوريا، الهدف الإستراتيجي الأمريكي في خلق بؤرة توتر جديدة على المدى البعيد، ستعتمدها كل من تل أبيب وواشنطن كورقة ضغط على المستويين الإقليمي والعالمي. وهو ما لا يُدركه الأكراد، الذين لا يبدو أنهم يُدركون نتائج مرحلة ما بعد الدعم الأمريكي، بالإضافة الى عدم تعلٌّمهم من تاريخ أمريكا البراغماتي في علاقتها مع الأطراف الحليفة. لنصل الى نتيجة مفادها أن أمريكا تحارب بالأكراد في سوريا، وتكتفي في العراق بتنفيذ ضربات جوية. فيما تُسجِّل بالنتيجة مكاسب وهمية في الإنتصار على الإرهاب والحرب على تنظيم داعش.
ثانياً: الدول الأوروبية واستخدام الناتو في الأزمة الأوكرانية. لا يختلف اثنان في قراءة الأزمة الأوكرانية كورقة ضغطٍ أمريكيٍ على روسيا وابتزازٍ منها للدول الأوروبية. فالأزمة التي جلبت لأوروبا الكثير من الأعباء وأخرجت مصالحها عن مسارها الصحيح. الأمر الذي يعني ربحاً أمريكياً صافياً، إلا تكلفة الحرب الإعلامية. في حين توترت العلاقة بين موسكو والإتحاد الأوروبي، وباتت الخسائر الإقتصادية متبادلة. واليوم، تعيش عدة دول حالة من دراسة التحوُّل في العلاقة مع روسيا. وهو ما باتت تُعبِّر عنه كلٌ من فرنسا وبريطانيا وألمانيا تحديداً، لما خلَّفته الحرب من نتائج سلبية عليها، حصدت من خلالها أمريكا أوراق ضغطٍ خاصة بها على الصعيد الدولي. إذن، زجت أمريكا بدول الناتو، وتطالبهم اليوم بدفع فواتيرهم!
ثالثاً: الدول الخليجية وجعلها رأس حربة في الصراع مع إيران. حيث تعيش السياسة الأمريكية في المنطقة، حالةً من الصراع مع الواقع الجيوسياسي. فحلفاء واشنطن يعيشون أزماتٍ داخلية تجعلهم يختلفون مع خيارات شعوبهم، الأمر الذي بات يُهدد وجودهم كأنظمة. وهو ما دفع واشنطن لإستغلال صراعهم الوجودي، وإيهامهم بالحلول الأمريكية، وجعلهم يتحدون لإقامة حلفٍ ضد إيران، يظنون أنهم ومن خلال ذلك يُمكن أن يضمنوا استمرارهم ولفترة من الزمن. فيما تسعى أمريكا من خلال ذلك للإستفادة من تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية في المنطقة، ولو على حسابهم. فيكون الناتو الخليجي ضد إيران، ورقة ابتزازٍ ضد الدول الخليجية وفزَّاعة لن تنفع ضد إيران. وما على واشنطن إلا تأمين السلاح، وهم يدفعون كلفته!
إذن، تستمر واشنطن في توسيع السوق العالمية للسلاح. فيما بات يُشكِّل صراعها الدولي مع روسيا وإيران، أحد الأوجه الخفية كهدفٍ لكل هذه السياسات. حيث تستخدم أمريكا حلفاءها، لتنفيذ مشاريع تقويضية للطرفين. فيما يدفع الحلفاء فواتير هذه السياسات بشرياً ومادياً. وما على الأمريكي إلا حصد الإنجازات والمكاسب. هذا إن سارت الأمور كما يشتهي!