في عيد المرأة أقول: امنحونا موطئ قدم
كلّما وجدتني أمام احتفالية أو أمام عيد يتعلق بالمرأة ، انحسرت لغتي ولم أدر ما أقول . المرأة في بلادنا مثل الحرية ، والوطن ، والديمقراطية،والحب ..وكل تلك الأشياء الجميلة التي نُكثر الحديث عنها ونقصيها في الواقع ، كثرة حديثنا عنها مريب إلى الحد الذي يبدو من خلاله وكأنه تعويض نفسي عن نقص ما أو عملية تكفير عن ذنب ما .
على مدار التاريخ ، كانت المرأة ملهمة الأساطير والموضوع الأثير للشعر ، والموضوع الأكثر حضورا في الرسم ، والموضوع الأكثر استغلالا في الدعاية والإعلان ،والأكثر حضورا في التسويق وهي المادة الخام التي لا تنضب لدعاة الحرية ومُدّعيها ، ولكلّ سماسرة القضايا ممن يركبون الموجة.ولأنها دائمة الحضور خيرا وشرا ، تم استهلاك الحديث عنها حتى لم يعد الكثير يأخذونه على محمل الجد ، فكيف إن كان حديثا مناسباتيا ّ يختص بيوم ما ، ويمر ّ دون أن يترك أثرا يُذكر ، لا في واقع المرأة ولا في وعي الناس حتى لنكاد اليوم نقول أمام ذلك الركام المنتَج في المرأة : خذوا الشعر وامنحونا موطئ قدم .
ولأن ” القضية العظيمة لا تصنع فنا عظيما ” لم تكن مُجرّد مشروعية إثارة موضوع المرأة قادرة وجوبا على ترك الأثر المرجوّ في الناس على مر ّ الأوقات .ولم يغيّر صراخ الجمعيات والمدافعين ، ولا همس الشعراء والعاشقين في خلق أثر ثقافي عميق يرسخ في وجدان الناس وعقولهم تجاه المرأة ويغيّر معتقداتهم ورواسبهم تجاهها ، إلا قلة من المفكرين يُعزى إليها الكثير من الفضل في تغيير واقعها وإن كان ذلك في بيئتهم الضيقة . والحقيقة أن خطاب المرأة على كثرته وتشعّبه يكاد يستقر في بعض المقولات الداعية لتحريرها ومنحها حقوقها أو الوقوف ضد ذلك تحت مختلف الذرائع للطرفين . ويكاد يستقر في بعض المغالطات التي رشحت عن تلك المقولات وذلك الصراع .
المغالطة الأولى هي أن يُعزى تأخر المرأة العربية عن نظيراتها في العالم إلى طبيعة الواقع العربي الذي يُمتهن فيه الإنسان عموما ، نساء ورجالا .
هذا صحيح لأن كليهما باحث عن موطئ قدم لا يتهيأ لهما باعتبارهما منتميين معا إلى حضارة مسحوقة .و رغم صحة ذلك يعتبر هذا الخطاب تعويما لموضوع المرأة وإغراقا له في العموميات لأن لوضع المرأة الخاص إكراهات لا يمكن أن تساوي فيه الرجل وهو وضع رغم كل الخطوات التي حققتها ،في جانب منه يسمهالعنف والاغتصاب وتعدد الزوجات بكل تبعاته وقضايا منح الجنسية وزواج القاصرات والاستغلال والتحرش وعدم المساواة في الأجور وعدم تكافؤ الفرص … ومع كل هذه المعاناة التقليدية تُضاف تبعات واقع الحروب والثورات والاضطرابات الاجتماعية والتي كانت من إفرازاتها تعرض المرأة لأبشع أنواع الاعتداء خاصة في سوريا كتنفيذ حد الرجم عليها دونا عن الرجال و انتصاب سوق النخاسة من جديد والدعوة إلى عودة الجواري وملك اليمين في أبشع ردة عرفها التاريخ عندما هيمنت داعش على مناطق من سوريا والعراق وعندما وجدت من والاها من بعض رجال الدين بفتاويهم التي تستبيح كل شئ .هذا الواقع رزحت المرأة تحته رغم أنها تشترك والرجل في نفس المعاناة ، معاناة الانتماء إلى هذه المنطقة .
لكنها حملت تبعات ذلك الواقع على نحو أبشع . المغالطة الثانية هي إنكار وجود قضية للمرأة من أساسه واعتبارها قضية مفتعلة ومؤامرة لتفتيت المجتمع وفي هذا الخطاب من التحيّز ما لا يخفى لأنه يتجاهل واقعا قائما له ألف مؤشر وألف إحصائية .
أما المغالطة الثالثة فهي ذلك الخطاب الناعم الشبيه بالرخويات والذي يتوسّل حقوق المرأة وكأنه منحة أو فضل عليها وليس حقا . يتوسل هذا الخطاب بتذكير الناس أن المرأة أم وأخت وزوجة وأنه يجب صونها ، هذا الخطاب عاطفي قوامه التوسل . فماذا لو لم تكن المرأة أمّا لأحد أو أختا لأحد أو زوجة أو بنتا لأحد ؟ هل معنى ذلك أن حقها غير مشروع ؟ إن المغالطة في هذا الخطاب تــُبنى من كونه يتجاهلها إنسانة ويمنحها حقها لأجل صِلاتها بالرجل ، لا لأجلها .
أما ّالمغالطة الرابعة وهي الأشهر والأخطر فهي اعتبار كل دعوة لتغيير واقع المرأة دعوة غير مشروعة من أساسها ، يستند هذا الخطاب إلى استفادة من مكتسبات منَحَها الدين الإسلامي للرجال دونا عن النساء. وبعضُهم أو الكثيرُ منهم في البلدان التي تستند تشريعاتها للشريعة الإسلامية يدافع عن تلك المكتسبات باعتبار المساس بها مساسا بالدين وهم في ذلك الدفاع يفعلون نفس ما يفعله إقطاعي ّ أو رأسمالي ّ يتوق لإبقاء واقع الطبقية قائما حفاظا على امتيازاته . المغالطة في هذا الخطاب أنه تحت مُسمّى الدفاع عن الدين ، يدافع عن واقع يستفيد منه ، والمفارقة أن الحميّة التي تأخذه في الدفاع عن تعدد الزوجات مثلا وعدم المساواة في الميراث ، لا تنتابه للدفاع عن أحكام أخرى في الإسلام وبنفس الحماسة .
لذا فإن حديث المرأة الشائك هذا يمكن أن نردّ كثرته إلى قلّة واختصاره في مسألتين أوّلا مسألة التشريع فالقوانين المنصفة من شأنها أن تفرض سطوة وأن تغيّر عقلية الناس وثانيا الاشتغال على البعد الاجتماعي والثقافي لأنه مهما أوتيت تلك القوانين من سطوة فإنها لن تغير عقلية الناس لذلك ليس مفاجئا أن تكون القوانين في واد وواقع المرأة الاجتماعي في واد آخر.
وفي هذا السياق أذكّر أن ّحرية الرجال معطاة تم منحها لهم منذ الولادة كمنحة ” جنس” بموجب الدين أو العادات والتقاليد أما حرية المرأة فمكتسبة تنتزعها انتزاعا وقطرة قطرة من واقع وتاريخ وتشريعات ضيقت عليها ، تفعل ذلك بصوتها أحيانا وهذا ما ينبغي أن يكون ، أوتفعله معية ثلة من الرجال المنتصرين للإنسان إنسانا وقد وُجدوا على مر ّ التاريخ .
المهم في كل ذلك أن يتخلص الحديث عنها من مغالطاته التي يقع فيها ومن استغلال اسمها في كل مناسبة ، وإلا ستبقى كل أعيادها احتفالات شكلية لا أثر لها على الأرض.
صالحة حيوني/تونس