اول قمة عربية تنعقد تحت سطح البحر !!

نزولاً عند مقتضيات حسن الضيافة والاستقبال، واحتراماً لرمزية مؤتمرات القمة العربية، والحنين الى بداياتها على يد جمال عبدالناصر ايام الزمن العربي الجميل.. نبارك انعقاد القمة الثامنة والعشرين في ربوع الاردن، ونعزف لحن الترحيب الدافئ بالضيوف الكرام من قادة العرب المتوافدين عما قريب للمشاركة فيها.

نحن في ”المجد” احرص الناس على تراث عبدالناصر العروبي، وعلى كل اشكال الامن القومي والتوافق الجماعي والعمل العربي المشترك.. منطلقين في ذلك من قناعتنا المتضاعفة يوماً بعد يوم، ان التكامل والتضامن والتكاتف العربي هو خشبة الخلاص، واساس النهوض والاستقلال والاستقرار، وان ماهية المستقبل العربي سوف تتحدد في ضوء اقترابها او ابتعادها عن هذه الحقيقة القومية الوحدوية.

وكلما اوغلت امتنا في التيه والضلال، وامعنت في البؤس والانقسام، وهانت عليها كرامتها وسيادتها ومكانتها بين الامم.. كلما ازددنا تشبثاً واقتناعاً بصحة مواقفنا، وصوابية مبادئنا، وسلامة توجهاتها القومية والعروبية.. ليس من قبيل المزايدة والعناد، كما يتوهم البعض، بل امتثالاً لاحكام الجغرافيا والتاريخ، واحتراماً لشهادة الواقع الراهن الذي يثبت يوماً بعد يوم، ان الوطن العربي مهدد في وجوده، ومرشح للدمار والاندثار، ما لم يستيقظ حكامه من جنون الفرقة والتجزئة والاقتتال، ويبادروا الى وأد الفتنة، وجمع الكلمة، واستعادة القواسم القومية المشتركة، ولو ضمن البدايات المتواضعة والحدود الدنيا.

غير اننا لا نعول كثيراً، ولا نستبشر خيراً عميماً بقمة ”البحر الميت”، ولا نظن انها سوف تهطل على امتنا بالقرارات الحكيمة، والتوصيات الجريئة، والحلول الناجعة حتى لابسط المشاكل والازمات القائمة.. فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، والثمرة تُعرف من الشجرة، والنهايات تُستشف من المقدمات.

كل الدلائل والمؤشرات الماثلة للعيان تشي بان القديم ما زال على قدمه، والضغائن ما زالت تملأ القلوب، والتناحرات ما زالت فوق معدلاتها المعروفة، والاجواء السياسية ما زالت معكرة وملبدة لم تشرق عليها- بعد- شمس التسامح، او تغشاها نسائم الصفاء والاخاء التي من شأنها تغيير المزاج القومي العام، وحمل رؤساء القمة واركانها على طي صفحة العداء والبغضاء، وفتح صفحة جديدة بيضاء من غير سوء.

ما جدوى هذه القمة اذا لم تحقق اختراقاً جوهرياً للاوضاع والمحاور والمعادلات العربية البائسة ؟؟ ما فائدة هذه القمة اذا لم تسبقها وتتخللها جملة من المصالحات السياسية، والتنازلات المتبادلة بين الحكام العرب المتنابزين بالخلافات ؟؟ ما اهمية هذه القمة اذا لم تزخر بروح المسؤولية القومية، وترتفع الى مستوى التحديات الراهنة، وتسارع الى وضع الحق في نصابه، من خلال عودة سوريا الى مقعدها في الجامعة العربية، ولجم العدوان السعودي الآثم والمتمادي على اليمن، وتصويب البوصلة العربية مجدداً نحو فلسطين التي يوشك العدو الصهيوني على ابتلاعها ؟؟

واقع الحال ان مؤسسة القمة قد هرمت وهزلت وهانت على نفسها، منذ ان غابت عن قيادتها وهندستها عواصم القرار العربي في القاهرة ودمشق وبغداد، وانتقل مركز الثقل الى عواصم الملح والنفط الخليجية الطاعنة في الجهالة والعمالة، والضالعة في التلاعب بالاولولايات والثوابت والاهداف الاستراتيجية العربية، الى حد الاستماتة في احلال ايران- على سلم العداء- محل اسرائيل، واعتبار الشيعة اشد خطراً من اليهود، والعياذ بالله.

بفرائص مرتعدة مما يخبئه الرئيس الامريكي الارعن، سوف يلتئم شمل الحكام العرب قريباً في اول قمة تنعقد تحت سطح البحر، وعلى مرمى حجر من كيان العدو الصهيوني (الحاضر الغائب).. واذا ما اتيح للهيمنة الخليجية ان تفعل فعلها وتمارس دورها – مثلما جرت العادة – فالغالب ان تتمخض هذه القمة عن قرارات ومخرجات اشد مرارة وملوحة من مياه البحر الميت.

وما دام النظام العربي مفلساً في حد ذاته، وفاشلاً في ادارة بيته، وعاجزاً عن اعالة شعبه، وفاقداً لثلاثة ارباع ارادته وسيادته.. فليس من المنتظر ان ينهض، في هذه القمة، بما لم يستطعه في القمم الروتينية السابقة، بل ليس من المستبعد ان يمهد للانخراط في المحور الاقليمي الذي تتواتر الانباء حول قرب تشكيله لغرض اعادة خلط الاوراق والمعادلات والاصطفافات في عموم الشرق الاوسط !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى