اهداف ومخاطر مشروع المناطق الآمنة
بقلم : اكرم عبيد
بعد أن كان ترامب يرفض هذا الاقتراح ويهاجمه بشدة في حملته الانتخابية كانت هيلاري كلينتون تتحدث عنه بقوة وتتبناه في حملتها الانتخابية .
وقد أعلن الرئيس الامريكي الجديد ترامب في خطاب له في مدينة هيرشي في ولاية بنسلفانيا أنه قرر إقامة مناطق آمنة في سوريا وأنه سيفرض على بعض الانظمة الخليجية تمويل هذا المشروع الذي اقترحه نائبه مايك بنس صاحب الفكرة مع العلم ان الرئيس ترامب كان رافضاً لها خلال حملته الانتخابية إلا أن بنس طرح إحياء هذه الفكرة لتُحقق العودة الأمريكية بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط لوضع حداً للتفرد الروسي والتمدد الإيراني في المنطقة كما يزعم بعض اعضاء الكونغرس من الجمهوريين .
وقد تزامن هذا الخطاب مع الوثيقة التي كشفت عنها وكالة “رويترز” بشأن توجيه الرئيس الأميركي الجديد وزارتي الخارجية والدفاع لوضع خطة كاملة بخصوص إقامة مناطق آمنة في سوريا في غضون 90 يوماً من تاريخ إصداره.
وفي نفس السياق عبر الرئيس الامريكي ترامب عن استيائه الشديد من سلفه أوباما بإدارة الملف السوري وإعطاء وكالة سورية لموسكو وإطلاق يد إيران في المنطقة مقابل الحصول على الاتفاق النووي والذي وصفه ترامب بالاتفاق السيء كما أن التفرد الروسي في سوريا لم يعد يحتمل من قبل بعض الجمهوريين المناهضين لسياسية أوباما وإذا ما أراد ترامب عودة الهيبة الأمريكية فلا بُد من أن يحقق وعوده بالمناطق الآمنة التي سيفرض تكلفتها المالية على بعض الانظمة الوهابية الخليجية وفي مقدمتها النظام الوهابي السعودي الذين رحبوا بالفكرة بعد الاتصال بالملك سلمان ابن عبد العزيز مقابل تنفيذ ترامب وعوده بردع إيران في المنطقة والسماح بإقامة مناطق امنة في اليمن وإرسال قوات مشتركة تكون تحت يافطة قوات حفظ سلام في سورية.
وخاصة ان الادارة الامريكية الجديدة بقيادة الرئيس ترامب تدرك اكثر من غيرها أن أي منطقة آمنة سوف تعتمد بشكل مباشر وأساسي على تعاون الجانب التركي مهما كانت العلاقة سيئة أو متذبذبة بين البلدين تبقى تركيا شريكاً إقليمياً لا يمكن العمل من دونه ولكن أيضاً يصعب العمل معه.
فتركيا لها مخاوف كما لها مصالح وهي عملياً تملك مفاتيح الحدود بالاتجاهين السوري والأوروبي ولم تتأخر في إبداء رغبتها في التعاون على قاعد رفض التقسيم الذي قد يمهد لإقامة كيان كردي على الحدود التركية كما حصل شمال العراق بعد ان مهد قرار الحذر الجوي لإقامة الإقليم الكردي وكذلك أعيد رسم خرائط البلقان وفق مناطق النفوذ وبالرغم من ذلك يستبعد تطبيق ذلك في سورية نظراً إلى التداخل الجغرافي وعدم وجود منطقة سورية نقية ” طائفياً أو عرقياً أو مذهبياً “.
مع العلم ان أول من تبنى هذا مشروع هو رئيس النظام التركي العثماني الجديد اردغان الذي تميزت موقفه بالحقد والكراهية على القيادة السورية بقيادة الرئيس بشار الاسد وقدم لإدارة أوباما عدة مقترحات عن المنطقة الآمنة وأراد ان تكون هذه المنطقة مركزَ الثقلٍ للعصابات الوهابية الاجرامية لتشكل قاعدة انطلاق للمناطق السورية الاخرى وكان يعتقد متوهما انه بهذه الرؤية سيحقق عدة اهداف من اهمها :
اولا : ضمان الأمن القومي التركي بأسرع وقت ممكن .
ثانيا : انهاء ملف الهجرة إلى أوربا .
ثالثا : تحقق استقرار أمني في السياسية الداخلية والخارجية التركية والأهم الخلاص من خطر الأكراد في الشريط الحدودي التركي السوري.
ولكن الرئيس السابق أوباما وقف حجرة عثرة أمام المطلب التركي بل وساهمت ادارته في زعزعة الأمن الداخلي التركي واطلاق يد روسيا بالمنطقة بعد الفشل في تدمير سوريا واتضح جلياً تداعيات سياسية أوباما عندما حوصرت تركيا بالمخاطر وانتقلت من موقف داعم للعصابات الوهابية التكفيرية إلى موقف وسيط بين المعارضة المزعومة وموسكو خصوصاً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة .
وبتقديري أن ما دعا إليه الرئيس الأميركي زاد الفكرة غموضا وإبهاما فكيف سيتم اختيار المناطق الآمنة وما هي حدودها الجغرافية ؟ ومن سيديرها؟ وهل ستكون للدول الضامنة لمؤتمر الاسيتانة الدور الأساسي فيها ؟ وكيف سيتم التنسيق مع الأمم المتحدة والهيئات الإنسانية الأخرى؟ وما هو دور الأمم المتحدة في سياق قرار من هذا النوع في الوقت الذي أعلن مفوضها السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي صراحة أن فكرة «مناطق آمنة في سورية مضيعة للوقت وغير قابلة للتطبيق».
هذه الأسئلة بصراحة وغيرها تحتاج إلى تفاهمات مسبقة إذا ما أريد وضعها موضع التطبيق وإلا فإنها ستلقى معارضة ورفضا شديدين قد يعوق تنفيذها سواء من جانب الحكومة السورية أو من خلال حلفائها الروس والصينيين في حالة عدم الاتفاق معها خصوصا وأن هناك رؤى مختلفة ومتعارضة حول هذا المشروع وادارته.
وخاصة ان القيادة الروسية انتقدت هذا المشروع على لساني كل من وزير الخارجية (سيرجي لافروف) و(دميتري بيسكوف) مدير إعلام الكرملين لعدم استشارة واشنطن لموسكو في هذا المشروع ولم تتباحث معها حتى الآن وقال المتحدث الروسي إنه يجب على الحكومة الأمريكية أن تفكر في العواقب المحتملة لإقامة مناطق آمنة في سوريا .
وبالرغم من ذلك اكدت القيادة الروسية انها في موسكو على استعداد لمناقشة الفكرة وتأييدها شريطة التنسيق مع الحكومة الشرعية السورية والحصول على موافقتها في حين كان رد الفعل السوري التحذير من التداعيات التي قد يسفر عنها تحقيق هذه الفكرة دون التنسيق معها لأنه سيؤدي إلى المساس بالسيادة الوطنية.
وبحسب جريدة وول ستريت جورنال الأمريكية التي قالت بصراحة إن خلق “مناطق آمنة “في سوريا سيحمل في طياته إمكانية اشتراك أكبر للجيش الأمريكي في النزاع الدائر هناك بما في ذلك استخدام للقوة الجوية اكثر وقوات برية أمريكية أو من الدول الحليفة وهي خطوة سبق وأن رفضتها وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون ” وفي نفس السياق قال الكابتن في البحرية الأمريكية جيف دافيس إن وزارة الدفاع الامريكية تهتم حالياً بشيء واحد في سوريا يتمثل في إضعاف تنظيم “داعش” وإلحاق الهزيمة به”.
وهذا كان من أبرز ما بحثه الرئيس الامريكي ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عبر الاتصال الهاتفي مؤخراً الذي حرص خلاله الطرفيين على على التعاون في مختلف المجالات بين البلدين .
وبالرغم من ذلك تعمد الرئيس الامريكي الجديد ترامب تبرير إنشاء مناطق آمنة في سورية هو التخلّص من موجات اللجوء إلى الغرب وخاصة للولايات المتحدة الامريكية على حد زعمه لكن هذا المشروع الجهنمي قد يتحول في مرحلة ما الى هدف استراتيجي لإعادة إنتاج سايكس- بيكو جديد لتقسيم المقسم في سوريا وقد يتجاوزها لاحقاً الى البلدان المجاورة .
مع العلم ان الرئيس الامريكي وادارته الجديدة تدرك قبل غيرها ان الظروف الذاتية والموضوعية قد لا تخدم هذا المشروع المغامر بعد الانتصارات الكبيرة للجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان وخاصة بعد استعادة حلب لحضن الدولة الشرعية ودحر الارهاب والارهابيين هذا من جانب ومن جانب اخر لو غامر الرئيس الامريكي ترامب وطرحت ادارته المشروع في مجلس الأمن الدولي من سيضمن كيف سيكون الموقفان الروسي والصيني وإن كان البلدان أو أحدهما سيلجأ إلى حق النقض ( الفيتو) مرة جديدة.
مع العلم ان الادارة الامريكية تدرك قبل غيرها ان هداف المشروع الحقيقية ليس لإبعاد الاثار السلبية من تدفق اللاجئين صوب امريكا ولا حتى التخلص من تكلفتهم المادية الباهظة كما يزعمون وإنما العودة بقوة إلى سوريا وعدم خسران موقعها الاستراتيجي الذي قدمت إليه روسيا والعزف بعيد المدى من جديد على مسألة نهب الثروات الباطنية السورية وفي مقدمتها الغاز بالإضافة لتوريد الغاز القطري إلى أوروبا وتفكيك محور المقاومة لشطب وتصفية القضية الفلسطينية وتحول معادلة الصراع العربي الصهيوني الى معادلة للصراع العربي الايراني وهذه من اهم الاسباب لإعلان الحرب الكونية على سورية.
وفي هذا السياق لا بد لنا من الاشارة والتأكيد ان للسياسة الامريكية ثوابت لا يمكن ان يغيّرها أيّ رئيس كي يصل إلى سدّة الرئاسة بل عليه أن يكون ملتزماً بها وفي مقدمتها العلاقة مع الكيان الصهيوني ومواظبته على دعمه في مختلف المجالات وخاصة العسكرية والامنية وهو ما يغالي الرئيس الحالي ترامب في إظهاره بشتى الوسائل في كل المناسبات وخاصة بعدما اطلق وعوده الانتخابية بنقل السفارة الامريكية من مدينة تل ابيب الفلسطينية المحتلة الى القدس المحتلة التي سيعترف بها كعاصمة ابدية للكيان الصهيوني المصطنع في فلسطين المحتلة وكذلك مخطّطات التقسيم التي كانت على مرّ السنين من تلك الثوابت التي لم تغادر يوماً الطاولات المستديرة في أروقة الإدارات الأمريكية المتعاقبة .
لهذا السبب إن إعادة فرز المناطق في سوريا من خلال إنشاء مناطق آمنة بدرجة أولى لن يقتصر على الشمال السوري في المناطق التي تسيطر عليها قوات ما يسمى درع الفرات المدعومة امريكيا بل سيشمل بعض المناطق الاخرى في الجنوب السوري المحاذية للأردن وللجولان العربي السوري المحتل والتي تسيطر عليها بعض العصابات المسلحة التي بدأت بتشكيل ما يسمى درع اليرموك بالرغم من الاقتتال بين هذه العصابات في المنطقة المذكورة إلا انها ما زالت تتلقى دعماً مباشراً من دول عدّة منها الولايات الأمريكية والعدو الصهيوني.