تعديل يأتي وتعديل يمضي.. وكل حكومة مكانك راوح

بقلم : محمد قاسم عابورة

مع انه غالبا ما يأتي التعديل الوزاري بعد مطالبات حثيثة من المواطنين بالتعديل الوزاري منذ اليوم الأول للتشكيل ، أو بعد سلسلة صولات وجولات من مذكرات حجب الثقة لبعض النواب من باب رفع العتب أو تسجيل مواقف ، الى ان الغريب في الأمر ان المواطن يقابل أي تعديل وزاري أو تغيير وزاري بعدم الأكتراث او ألإهتمام ، وإذا سألت أي مواطن يكون جوابه حسب الجيل الذي ينتمي اليه فلا تسمع إلاّ أحدى إجابتين ، فيقول الجيل الجديد بالدارجة الأردنية ( شو يعني ) ؟؟

فعلا يحق للجميع وبالفم الملآن ان يتساءل ماذا يعني، وما الفائدة، هل المشكلة بتغير وجوه الوزراء ؟ هل تحل المشاكل بتغيير الأسماء؟ هل .. وهل وكيف ولماذا، ومتى وإلى أين ؟؟

وللاجابة على كل أدوات الإستفهام الموجودة في لغة الضاد نقول بأنه ومنذ بداية الألفية الثالثة فقط ودخولنا في القرن الواحد والعشرين ، أي خلال أقل من عقدين بأربع سنوات، عانى المواطن الأردني وأُثقل كاهله عدد الوزارات والوزراء، حيث جرى تشكيل سبعة عشر وزارة، بأحد عشر رئيسا، والذي لا يعلق في ذهن المواطن اي اسم من هذه الأسماء الاّ القليل، كما تم إجراء حوالي الثلاثين تعديلا أو أكثر بقليل، ولن نستطيع بطبيعة الحال احصاء العدد الفلكي للوزاراء الذين تناوبوا على الوزارات، إذا ما قورن ذلك بعدد السكان وبالفترة الزمنية.

وبحسبة بسيطة نرى انه بمعدل رئيس وزراء جديد كل سنة ونصف ، أو بمعدل تشكيل وزارة كل أحد عشر شهراً، وبمعدل تعديلين على الوزارات كل عام ، واطلب السماح لي مقدما من القارئ العزيز إذا اغفلت زيادة وزارة هنا أو نسيت تعديلا هناك، فمهما كان هامش الخطأ في ذلك كبيرا لن يؤثر على اي نتائج او قراءات.

إذن فالمسألة والعقدة والحل ليس بالتعديل ولا بالتغير ولا بالتشكيل، المسألة بسيطة وتكمن في الإجابة عن سؤال بسيط : ماذا نريد ؟؟؟ هل نريد أن نبقى ندور حول مركز دوامة من الأزمات الإقتصادية وكل ما يتبعها من إفرازات وتداعيات ثقافية واحتماعية تؤثر سلبا على بنية الدولة واستقلالها وأمنها، حيث انه ومنذ ما يزيد على اربعة عقود أمعنت الحكومات المتعاقبة وعن سابق قصد وإدراك في الوقوع بمصيدة وصفات صندوق النقد الدولي، والذي اغرق الإقتصاد الأردني في مستنقع من التشوهات والإختلالات الإقتصادية والإجتماعية، حيث انه وفي كل سنة تتبنى الحكومة برنامجا أو أكثر لما يسمى بالتصحيح الإقتصادي، وهو ببساطة استجابة غير مشروطة لوصفات صندوق النقد الدولي التدميرية لأي ملامح لإقتصاد وطني إنتاجي.

ان برامج الخصخصة وبيع مقدرات الوطن الإنتاجية، وبرامج التصحيح الإقتصادي ببساطة هي برامج إفقار المواطن وتدمير الإقتصاد الوطني، هي عبارة عن تسهيل دخول البضائع الأجنبية وتحرير التجارة ورفع الحواجز الجمركية، يرافق ذلك زيادة الضرائب ورفع الدعم عن قوت المواطن وتقليص القطاع العام وبيع حصص الدولة في المشاريع الإنتاجية والخدمية وخصخصتها، انها بإختصار برامح إفقار المواطن .

ان اتباع الحكومات المتعاقبة لوصفات صندوق النقد الدولي ، حوّل الإقتصاد الإردني الى إقتصاد ريعي خدمي طفيلي يرسخ التبعية الإقتصادية وما يرافقها من التخلي عن الإستقلالية الوطنية، حيث تتحول العلاقة مع صندوق النقد الدولي الى اتفاقيات ضرورة وعقود الإذعان، مدعومة بجيش من المنظرين والخبراء الإقتصاديين الذين يتبارون في تجميل هذه البرامج والإتفاقيات واضعين المواطن وهما وتزويرا بين نار الإفلاس والإنهيارالإقتصادي للبلد أو الرضوخ الى (جنة ) برامج التصحيح الإقتصادي مع صندوق النقد الدولي ، والحصول على شهادة حسن السلوك ليتم تقديمها للدول المقرضة او المانحة.

اربعة عقود من حكومات برامج الخصخصة وتنظيراتها ، اربعة عقود من حكومات برامج اللبراليين الجدد وبرامجهم التصحيحية، ماذا كانت النتيجة ؟؟ لقد تم تدمير ملامح وبدايات اقتصاد وطني انتاجي، وتفاقمت حدة البطالة ومعدلاتها ، كما تم القضاء على الطبقة الوسطى التي كانت تشكل رافعة تطوير وتنمية، تم زيادة معدلات الفقر، تم تشويه التعليم ومخرجاته، تم اضعاف القطاع الزراعي وإنهاك المزارع .. مع كل ذلك فما سبق ليس مهما الأن ، فما حصل قد حصل ، ولكن الأهم إلى أين نحن ذاهبون ؟؟؟.

عودة الى ما تقدم نستنتج بأن المسألة ليست بتشكيل الحكومات او بعدد الوزراء اوتعديل مواقع الوزراء ، ولا تكمن بلعبة الكراسي وتداولها أو إعادة تدويرها ، بل كيف تتشكل الحكومات، وما هو برنامج هذه الحكومات وتوجهها، المهم ان يكون للحكومة خطة تنموية وتطويرية في كل نواحي الحياة، وان يكون لديها جداول زمنية لتطبيق الخطط، وان يكون هنالك آليات محاسبة ورقابة حقيقية.

قد يدعي البعض ان كل حكومة تتشكل في الأردن تقدم برنامجا ، وهذا بالمطلق غير صحيح ، ان جل ما تقدمه الحكومات هو عبارة عن خطاب انشائي البيان يتضمن بنودا عامة لا ترتقي لمستوى البرامج ، بل تفتقد الى آليات التطبيق والمحاسبة والمدد الزمنية ، الحكومات في الأردن وبدون تحامل تقدم خطابا انشائيا بليغا يتضمن وعودا تجميلية معسولة بات المواطن لا يستسيغ تذوقها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى