“هيرالد تريبيون” تفضح اسباب اندلاع الاحداث السورية من درعا
كان يوماً عادياً ذلك اليوم الذي سبق موعد إندلاع العنف في درعا بسوريا, في شهر آذار عام 2011 , كان يوماً بدون أي حادث, ودون اشارة لاي تمرد على وشك الإبتداء. لم تكن الحال كذلك لأن درعا كانت طافحة بنشاط وبزوار أجانب قبل وقت طويل من إطلاق التمرد المنظم رصاصاته الأولى.
كان الجامع العمري يؤدي نفس الدور الذي تؤديه الكواليس في المسرح, هناك كان يتم تبديل الملابس وتتم التمارين. نعم, وصل الإرهابيون الليبيون إلى درعا قبل شهر آذار 2011 بوقت طويل. أتوا مباشرة من ساحات المعارك بعد العدوان الأمريكي-الأطلسي على ليبيا بهدف تغيير النظام.
كان إمام الجامع العمري في ذلك الوقت الشيخ أحمد الصياصنة وهو رجل كبير في السن ويعاني من مشكلة كبيرة في البصر تجبره على ارتداء نظارات سوداء خاصة وكانت هذه النظارات بدورها تؤثر على بصره.
لم يكن ضعيف البصر فقط بل كانت لديه حساسية من الضوء تجبره على البقاء في داخل المسجد منعزلاً أكثر الأوقات.
كان معتاداً على التعرف على الأشخاص الذين يحادثهم من لكنتهم وأصواتهم. ولأهل درعا لكنتهم المميزة. كان كل الرجال الذين يترددون على الجامع العمري من سكان المنطقة, ويتحدثون باللهجة المحلية.
بالطبع حاذر الزوار القادمون من ليبيا من أن يعرفهم رجل الدين مما سيؤدي لكشفهم. اكتفوا بالتعامل مع بعض الأشخاص المهمين الذين اشتروهم بالمال ولبثوا في السرية التامة.
كانت مشاركة أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين المحليين, والذين سوف يقومون لاحقاً بمساعدة المرتزقة الإرهابيين الليبيين, عنصراً جوهرياً في مخطط المخابرات المركزية الأمريكية الذي تم وضعه وتوجيهه من الأردن.
أتاحت المساعدة والتعاون التي قدمها السلفيون المحليون لليبيين أن يدخلوا المدينة دون إثارة الشبهات. كان هؤلاء المأجورون المحليون بمثابة الواجهة للعملية.
كان عملاء المخابرات الأمريكية الذين يديرون العملية من مكاتبهم في الأردن قد قاموا بإرسال السلاح والأموال اللازمة لإشعال لهيب الثورة في سوريا. من السهل إشعال ثورة في أي مكان من العالم بوجود هذه الكميات من السلاح والمال.
في الواقع لم يندلع تمرد درعا في آذار 2011 بسبب بعض الرسوم على الجدران لمراهقين كما قيل ولم يكن هناك آباء ساخطون يطالبون بإطلاق سراح أبنائهم. كان ذلك فصلاً من سيناريو هوليوودي ألفه وطبخه خبراء عملاء للمخابرات الأمريكية مكلفون بمهمة وحيدة: تدمير سوريا من أجل تغيير النظام. ودرعا كانت الفصل رقم واحد- مشهد رقم واحد.
إن حقيقة أنه لم يتم العثور على هؤلاء الفنانين المراهقين المزعومين وآبائهم ولم يتم ذكر أسمائهم ولا يوجد أي صورة لهم هي البرهان على أن هويتهم يجب أن تبقى طي الكتمان.
يفترض أن كل تمرد يجب أن يكون مدعوماً من الشعب. يحدث عادة أن ينزل المتظاهرون إلى الشارع. حينها تتدخل قوى الأمن للمحافظة على النظام ولإخلاء الشوارع و حين يحدث ” قمع عنيف” يكون رد فعل من بقي من ” المتظاهرين السلميين” غاضباً لأنهم يشعرون بالإضطهاد والخداع ويزداد حينها عدد الناس في الشوارع. هذه هي اللحظة التي فيها على المتظاهرين أن يأخذوا واحداً من إتجاهين: إما أن يتراجعوا ويعودوا للبيت وإما أن يردوا بشكل عنفي وعلى هذا العنف سيرد رجال الأمن بعنف مقابل أشد مما يؤدي إلى تمرد شامل.
في التمرد المنظم مسبقاً الذي حصل في درعا كان هناك في الشارع عناصر محلية تجهل أنها تشارك في مسرحية هوليوودية من تدبير المخابرات الأمريكية. هؤلاء لم يكونوا سوى الكومبارس المتطوعين للفيلم الذي سيبدأ تصويره. كان لهؤلاء “المتحمسين” غير الواعين بالدور الذي يقومون به بالتأكيد مظالم, عمرها جيل أو أكثر, وربما تم غرس الوهابية في عقولهم, والوهابية ايديولوجيا سياسية تم تصديرها إلى العالم من المملكة العربية السعودية, من العائلة المالكة وعملاؤها المرتهنين.
كان الليبيون يكدسون الأسلحة في الجامع العمري قبل أن تبدأ إشاعة المراهقين المعتقلين بسبب رسوماتهم على الجدران بزمن طويل. لم يكن الشيخ الضرير والكبير في السن واعياً لما يجري في داخل مسجده ولا بتسلل العملاء الأجانب إليه.
دخلت الأسلحة إلى درعا آتية من مكتب المخابرات الأمريكية في الأردن. من المعلوم أن للحكومة الأمريكية علاقات وثيقة مع الملك الأردني وأن 98% من الأردنيين من أصل فلسطيني الأمر الذي لم يمنع الأردن من عقد اتفاقية للسلام الدائم مع اسرائيل ورغم هذه الإتفاقية فإن خمسة ملايين رب أسرة أردنية ممنوعون من أية حقوق إنسانية في الأراضي الفلسطينية. والملك الأردني مجبر على المشي يومياً على حبال التوازن بين مواطنيه وبين سلام وأمن بلده وبين مصالح أو بالأحرى مشاريع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط . وعلى الملك عبدالله أن يكون ليس بهلواناً فقط بل محتالاً, والضغط الذي يتعرض له يثقل عليه وعلى الملكة رانيا زوجته وهي فلسطينية الأصل.
يجب رؤية هذه الوقائع في الستارة الخلفية التي تشكلها الجمهورية العربية السورية والتي يعتبر مبدأ الحقوق الإنسانية للفلسطينيين وحقهم في الحرية والعدالة حجر الزاوية في سياستها الداخلية والخارجية.
إن السياسة الأمريكية التي تعمل على مهاجمة سوريا بهدف تغيير النظام فيها ليس الدافع وراؤها خطوط الغاز وآبار النفط والموقع الإستراتيجي والذهب فقط بل إن هدفها هو إحالة حجر الزاوية هذا إلى غبار. إن التخلص من الرئيس بشار الأسد يعني التخلص من أحد القادة العرب النادرين الذي لم يخفت صوته بالمطالبة بحقوق الفلسطينيين .
إن وقوع درعا على الحدود الأردنية مباشرة هو السبب الوحيد الذي من أجله تم إختيارها لتكون المكان الذي سيتم فيه تصوير الفصل الأول في مسرحية التمرد السوري. ولو سألتم معظم السوريين هل ذهبوا مرة إلى درعا أو هل لديهم النية بزيارتها فالجواب سيكون: “لا.”
درعا عبارة عن مدينة زراعية صغيرة غير مهمة. مكان أبعد ما يكون عن إندلاع ثورة فيه تشمل البلد بكامله. لدرعا أهمية من الناحية التاريخية بسبب تواجد بعض الأوابد الأثرية وهي مهمة فقط لأساتذة التاريخ وللمهتمين بالآثار. لكن درعا هي المعبر للسلاح من الأردن وهذا ما جعل منها المكان المثالي لإخراج مشهد التمرد المصنع والذي تحول إلى حرب عالمية.
إن أي إنسان عاقل يعلم أنه لا يمكن لتمرد أو لثورة في سوريا أن تندلع إلا في دمشق أو حلب, أكبر مدن سوريا. مع ذلك وبعد عامين ونصف من إنتشار العنف قي كل أراضي سوريا لم تشارك حلب في التمرد ولم تطالب بأي تغيير للتظام.
حلب هي القوة الإقتصادية الأساسية في سوريا ولم ترغب أن يكون لها أي دور في تنفيذ مهمة المخابرات الأمريكية وكانت تعتبر أن عدم مشاركتها سيجنبها العنف الذي في نهاية المطاف سيختفي من تلقاء نفسه لإنعدام المشاركة الشعبية. لكن للأسف فإن نهاية المسرحية المرسومة ليست كذلك.
حرصاً منها على متابعة السيناريو قامت الولايات المتحدة بدعم ما سمي ” الجيش السوري الحر” الذي استقدم من ادلب وريفها ومعه شركاء أمريكا الأجانب إلى حلب. أجانب من أفغانستان وأوروبا واستراليا وشمال إفريقية أتوا على متن الخطوط الجوية التركية إلى مطارات اسطنبول ومن ثم تم نقلهم بالباصات التابعة للحكومة التركية إلى الحدود السورية التركية مع حلب.
كانت تذاكر السفر بالطائرات والباصات والرواتب ومختلف اللوازم والطعام والطبابة مؤمنة مجاناً في تركيا عن طريق موفد سعودي. أما الأسلحة فقد تكفلت الولايات المتحدة بها بشكل كامل وذلك عن طريق إرسالها عبر ميناء بنغازي الليبية بعد تكلل مهمتها في تغيير النظام هناك بالنجاح وبإستيلائها على مستودعات السلاح وعلى ثروات كبيرة تعود ملكيتها للحكومة الليبية بما في ذلك أطنان من السبائك الذهبية سرقتها الحكومة الأمريكية من المصرف المركزي الليبي.
دخل الليبيون المشهد من الفناء الخلفي. مهدي الحاراتي الذي يحمل جواز سفر ايرلندي كان قائداً لكتيبة من الإرهابيين ويعمل لحساب وبتوجيهات المخابرات الأمريكية في ليبيا ومع إنتهاء عقده هناك تم إرساله إلى شمال سوريا – منطقة ادلب- التي كانت قاعدة انطلاق العمليات لما سمي الجيش الحر الممول من الولايات المتحدة والذي حظي بحملة ضغط من السيناتور الجمهوري جون ماكين داخل الكونغرس الأمريكي لدعمه .
وقام هو شخصياً بزيارة قادة هذا الجيش ودخل سوريا بشكل غير قانوني دون جواز سفر ودون تسجيل الدخول على الحدود. في ولاية أريزونا يعلن ماكين عن تأييده لطرد كل أجنبي دخل الأراضي الأمريكية بشكل غير قانوني لكنه هنا يقوم بمخالفة القانون الدولي دون أي وازع ويدخل سوريا بشكل غير قانوني وبدون أوراق رغم كونه أجنبياً.
بالطبع كان برفقته بعض أصدقائه وشركائه الموثوقين: عناصر من الجيش الحر هم أنفسهم الذين قاموا بقطع رؤوس المسيحيين والمسلمين واغتصبوا النساء والأطفال من الجنسين وقاموا بسبي وبيع الفتيات كرقيق للجنس في تركيا وأكل كبد الجندي السوري وقاموا بتصوير كل تلك الأعمال بإفتخار ونشروها على الإنترنت.
في السابق لم يكن في سوريا وجود لإرهابيي القاعدة وتجاوزت سوريا قطوع حرب العراق المجاور دون أضرار سوى استقبالها لمليوني لاجئ عراقي.
وقبل وقت قصير من بداية مسرحية التمرد في درعا كان الممثل الأمريكي براد بيت وزوجته الممثلة أنجلينا جولي في ضيافة الرئيس السوري وزوجته قي دمشق حيث قدما وقتها لزيارة وتقديم الدعم للاجئين العراقيين. أبدى براد بيت دهشته من قيادة الرئيس السيارة بنفسه ومن دون الحرس الخاص والفريق الأمني لأن بيت وجولي معتادان على المرافقة الأمنية الضخمة والتي بدونها لا يتحركان في الولايات المتحدة.
بين الرئيس الأسد لهما أنه وزوجته يشعران بالأمان والراحة التامة في شوارع دمشق. من الثابت أيضاً أن وكالات السفر الفرنسية كانت تعتبر سوريا حينها المقصد السياحي الأكثر أماناً في منطقة البحر المتوسط أي أنها كانت أكثر أماناً من فرنسا نفسها.
غير أن الإستراتيجية الأمريكية كانت إيجاد ” شرق أوسط جديد” ما يقتضي زعزعة الأمن في سوريا بواسطة الإعصار الذي كان يقترب وأطلق على هذه الإستراتيجية ” رياح التغيير”.
تونس, ليبيا, مصر وسوريا كانت هي المسار المفضي إلى حديقة ” الربيع العربي”. المهمة في سوريا لم تتبع السيناريو المرسوم. لقد استنفدت المهل والميزانية.توجب تمديد شارة الختام وإسدال الستار على المسرحية.
لا يمكننا الإستخفاف بالدور الذي لعبته وسائل الإعلام الجماهيرية في دمار سوريا. فعلى سبيل المثال قامت رولا الأمين من قناة الجزيرة بزيارة درعا وأجرت مقابلة مع الشيخ الصياصنة في الجامع العمري. والجزيرة هي وسيلة إعلامية تتبع للدولة القطرية التي تسخرها لخدمة أمير قطر الذي يعتبر أحد الجهات المانحة للأموال للإرهابيين الذين هاجموا سوريا.
كانت الولايات المتحدة هي التي تزودهم بالسلاح والذخائر وصور الأقمار الصناعية ولكن من يدفع المال والرشاوي في تركيا وكل النفقات التي تتطلب أموالاً كان أمير قطر وملك السعودية الذين أديا دورهما كأقرب الحلفاء لأمريكا في الشرق الأوسط. كانت العملية على شكل إنتاج مشترك بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وحلف الناتو وتركيا والأردن واسرائيل وممالك الخليج وفي مقدمتهم السعودية وقطر.
ليس لدى المخابرات الأمريكية مشكلة ضمير بتدخلاتها السرية في بلدان ذات سيادة ولا حتى بالعدوان الصرف المباشر, لكن يهمها أن يتحمل بلد أجنبي مهمة التمويل لإن الناخب الأمريكي لا يهتم لقتل البشر في سوريا لكنه يهتم جداً في أن لا يكون هو الممول للقيام بذلك. وطالما أن العرب هم من يمول المشروع فليس لديه مشكلة وهو أي الناخب غير قادر بدون شك على تحديد مكان سوريا على الخارطة.
ولدعم المشروع بدأت ” رولا الأمين ” وأعضاء آخرون من طاقم الجزيرة والسي ان ان وال بي بي سي وفرنسا24 , بدأوا حملة من الدعاية السياسية الموجهة ضد الحكومة السورية والشعب السوري الذين كانوا يعانون الموت والدمار الذي تسبب به إرهابيون كان يتم إظهارهم على أنهم شخصيات ثورية.
في بعض الأيام كانت السيناريوهات تتطابق لدرجة أننا كنا نظن أنها مكتوبة في نفس الغرفة الوحيدة في فندق ما في مكان ما.
وظهر على المسرح نجوم الإعلام الإلكتروني: روبيرت فيسك, من برج مراقبته في بيروت وجوشوا لانديس من منصته في اوكلاهوما. هذان الرجلان البعيدان مادياً عن مكان الأحداث الحقيقية كانا يدعيان أنهما يعرفان كل ما يجري على الأرض السورية.
كان القراء البريطانيون والأمريكيون خاضعين لتأثير تفسيراتهما المنحازة بشكل متعمد في حين كان السوريون الحقيقيون الذين يعيشون في سوريا والذين يقرأون بالإنكليزية على شبكة الإنترنت ما يكتبه هؤلاء يصابون بالذهول. كان السوريون يتساءلون كيف يمكن لكتاب غربيين أن يقفوا بجانب إرهابيين أجانب وأتباع لإسلام متطرف يهاجمون أي مدني أعزل ذنبه أنه يدافع عن بيته وعائلته. كانت وسائل الإعلام تصور الإرهابيين كمقاتلين من أجل الحرية وكأبطال للديمقراطية ، بينما هم يقومون بالإغتصاب والنهب وبتر الأعضاء والخطف مقابل الفدية وبالمجازر ضد المدنيين العزل الذين لم يتم إعطاؤهم السيناريو لقرائته قبل أن يبدأ إطلاق الرصاص في درعا.
إن ما شاهدناه عبارة عن فيلم قصير عالمي, مقاطع فيديو رخيصة الكلفة صورت بالهواتف المحمولة إنتشرت كالفيروسات على الانترنت تم بيعها للمشاهدين على أنها نضال مأساوي في بلد اسمه سوريا من أجل الحرية والعدالة والنموذج الأمريكي.
منذ البداية كانت الجزيرة وبقية وسائل الإعلام تدفع 100 دولار مقابل كل مقطع فيديو يصوره هواة في سوريا.
لقد ظهرت صناعة يدوية جديدة في البلاد جذبت إليها كل المتكالبين على الشهرة من مخرجين وممثلين ولم تطرح أبداً مسألة صدقيتهم لأن وسائل الإعلام لم تكن تريد سوى المضمون الذي يدعم حملتها الدعائية في سوريا ولا شئ آخر.
لقد كانت درعا الفصل الأول في ملحمة تراجيدية لم تنته فصولها بعد, اما الشيخ الصياصنة, رجل الدين الذي لعب دور البطولة في المشهد الإفتتاحي, فقد وضع قيد الإقامة الجبرية بادئ الامر, ثم تم إبعاده إلى عمان بشكل سري في شهر كانون الثاني من عام 2012, قبل ان يصل الى الولايات المتحدة, حيث يتولى حالياً القاء المحاضرات هناك بالقرب من العاصمة واشنطن.