دعوة لتشكيل حكومة طوارئ قديرة وجديرة بمجابهة التحديات

هدراً وغدراً، نزف دم الزميل الكاتب والباحث ناهض حتر، الذي طاله افدح انواع الظلم وهو في قلب ”قصر العدل”، وسلبه قانون الغاب حق الحياة وهو في عقر قلعة الحق والقانون، واغتاله رصاص التكفير والارهاب وهو في حمى دولة الامن والامان، وليس في الرقة او الموصل او تورا بورا.
ليس المهم من هو الجاني الذي اطلق النار على الزميل حتر، بل المهم من هو الذي حرّض وحشّد وكفّر وافتى بجواز القتل، دون ادنى اعتبار لحرمة الدم وحق الحياة.. وليس المهم ما هي الذريعة الطائفية، او الغطاء الديني للقتل، بل المهم ما هي الاسباب السياسية الخفية الكامنة خلف هذا الغطاء، وماذا عن الاهداف الخبيثة والخطيرة والبعيدة المدى لهذه الجريمة النكراء.
ماذا عن الوحدة الوطنية، في ضوء شعور المكون المسيحي بالاسى والجزع والاغتراب ؟؟ وماذا عن الامن والاطمئنان، في ضوء شعور الفريق المؤيد لمحور المقاومة والدولة السورية بخطر الملاحقة والاستهداف ؟؟ وماذا عن التنمية والانتاج والانعاش الاقتصادي، فيما يرى رجال المال والاعمال والاستثمار اتساع دائرة العنف والتطرف باطراد ؟؟ وماذا عن التعددية السياسية والفكرية وحق الاختلاف، فيما يضع المفكرون والكتاب ايديهم على قلوبهم – واقلامهم – تحسباً من انقضاض احد الذئاب التكفيرية المنفردة على أيهم، ومعاجلته باطلاق الرصاص ؟؟
ليس بالشجب والاستنكار وذرف دموع التماسيح، وليس بالمكابرة والتهوين ودفن الرؤوس في الرمال، وليس بتوقيع عقوبة الاعدام العاجلة بحق القاتل المغسول الدماغ، يمكن الرد على جريمة اغتيال حتر، وقطع دابر الفجائع الارهابية المماثلة.. بل بالتشمير عن ساعد الجد لوضع الامور في نصابها، وتشكيل حكومة طوارئ مهيبة تضم اشجع واكفأ رجالات الوطن، واستنفار اجهزة الدولة للعمل باقصى طاقاتها، واستباق الاخطار والتهديدات الارهابية قبل وقوعها، واستقطاب الاغلبية الشعبية لجانب الدولة ولجهة الاقتناع بان كل مواطن خفير، وتجفيف منابع التطرف وتقويض اركان بيئته الحاضنة له، عبر نشر ثقافة التسامح والتكاتف والانفتاح على الآخر المختلف.
اغتيال الزميل حتر ليس بداية او نهاية لعبة الدم والتخريب والارهاب، وانما هو حلقة في سلسلة شيطانية ما زالت حلقاتها السابقة في اربد والموقر والبقعة والركبان ماثلة في الاذهان، ولسوف تبقى احتمالات تكرارها واردة في اي وقت، ما لم نواجهها بمنتهى الجدية والحزم، وقبل فوات الاوان.
وعليه.. نحن في ”المجد” نقرع اليوم جرس الانذار، وندعو- من واقع مسؤوليتنا الوطنية- الى تجاوز حالة الاسترخاء الراهنة، من خلال تشكيل حكومة نوعية استراتيجية مؤهلة لمجابهة التحديات القائمة والقادمة، بعيداً عن حكومات تصريف الاعمال الباهتة والبيروقراطية التي قد تتدبر امرها في الاوقات العادية والاحوال الطبيعية، غير انها ستبوء بالفشل والاخفاق في الظروف الصعبة والحالات الاستثنائية.
وليس من شك ان حكومتي هاني الملقي- التوأمين السياميين – تشكلان اوضح الامثلة على الحكومات الضعيفة والمنزوعة الدسم والمحدودة الفاعلية والتأثير، والعاجزة بحكم هزال تركيبتها وصلاحيتها عن الارتفاع الى مستوى التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية التي تواجه البلاد.
وقد اعرب الكثير من المراقبين عن استغرابهم وخيبة املهم من التشكيلة الوزارية الجديدة التي خرجت الى حيز الوجود يوم الاربعاء الماضي، والتي تضم 42 وزيراً من اعضاء الحكومة السابقة التسعة والعشرين، رغم ان الرئيس الملقي كان قد اعلن لعدد من اصدقائه، لدى تشكيل حكومته الاولى، انها لا تمثل رغبته ولا تعكس خياراته، ولكن في حال تكليفه بتشكيل حكومة اخرى- بعد الانتخابات النيابية- فلسوف يتولى اختيار اعضائها بنفسه ووفق رأيه ورؤيته.. الامر الذي يبدو انه لم يتحقق لدولته على الاطلاق.
اغتيال الزميل حتر شكل ضربة ثقيلة، ليس لحكومة الملقي فحسب، بل لهيبة الدولة واجهزتها ومؤسساتها، واحدث صدمة قوية ليس للمكون المسيحي فقط، بل لسائر القوى والتيارات المدنية والعلمانية والحداثية، وقد حمّل آل حتر وابناء بلدة الفحيص الرئيس الملقي جانباً من المسؤولية عن اغتيال الفقيد ناهض، ورفضوا استقباله او اي من وزرائه في بيت العزاء بالفقيد، وهو ما اضطره الى الانتظار للذهاب بمعية الملك الى بيت العزاء يوم الخميس الماضي.
اما النكسة العاجلة التي منيت بها الحكومة الجديدة – القديمة، والتي سرعان ما اعتبرها الرأي العام الاردني مؤشراً واضحاً على عشوائية التشكيلات الوزارية، وضعف آليات الفرز والتدقيق والاختيار، وتراجع معايير النزاهة والكفاءة والمثابرة، لحساب اعتبارات الشللية والمحسوبية والتوريثية والتزكية الامنية.. توزير ثم اقالة مالك حداد، وزير النقل لاقل من 42ساعة، بعدما اتضح انه صاحب خلفية جرمية قديمة، كان يمكن كشفها بسهولة لو ان هناك مسؤولية جدية في اختيار الوزراء.
المطلعون على نوايا وتوجهات كوكبة متحمسة من النواب الجدد يتوقعون – بل يؤكدون- ان حكومة الملقي سوف تواجه معارضة نيابية شرسة لاتفاقية استيراد الغاز الاسرائيلي التي تم توقيعها الاسبوع الماضي قبل الانتخابات النيابية، والتي سيجري عرضها – حكماً- على مجلس الامة خلال دورة انعقاده العادية في اليوم السابع من الشهر القادم.
ويقول هؤلاء المطلعون ان حكومة الملقي ستتعب كثيراً قبل ان تنال ثقة المجلس النيابي، فالملقي لا يملك دهاء سلفه ”الثعلب” عبدالله النسور، ولا تماسك حكوماته التي استطاعت مقارعة البرلمان لما يقارب اربع سنوات، وليس من المستبعد ان تستهلك حكومة الملقي ذاتها خلال الدورة البرلمانية العادية المقبلة، ثم تلملم اذيال الرحيل مع نهاية مدة هذه الدورة البالغة ستة اشهر.