عريقات يعاتب الغرب وبه يتوعَّد نتنياهو!

بقلم : عبداللطيف مهنا

على وقاحتها وفجورها الاستعماري الزائدين، لم يك ليهمني كثيراً التوقف أمام تصريحات نتنياهو الأخيرة، التي يعتبر فيها مجرَّد فكرة اخلاء المحتلين من مستعمراتهم في الضفة المغتصبة “تطهيراً عرقياً لليهود”، بقدر ما همَّتني فاستوقفتني وضاعة ردود أفعال اوسلوستانيي سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال عليها، وانعدام حتى ما هو على شاكلتها عربياً.

في تصريحاته، لم يزد نتنياهو على تكرار نتنياهو، وبها اثبت لنا ولجمهور مستعمري كيانه، وهؤلاء هم اكثر ما يهمه، بأنه الأصدق والأوضح والأوقح من كل من معارضيْه، ليفني وهرتسوغ، اللذين لا يقلان عنه عدوانية، ولكنهما انتقدا الصراحة في تصريحاته لا جوهرها، وأضف اليهما كل من سبقه من حكام كيانه…لماذا؟

كل ما قاله كان منسجماً تماماً ولا يتناقض مع مبدأ وجوب التقيد الدائم بالتطبيق التام والدقيق للسياسات الخادمة، وعلى اختلاف عهودها وتكتيكاتها، لذات الاستراتيجية الصهيونية منذ أن وضعت أواخر القرن التاسع عشر، أو بداية الصراع العربي- الصهيوني في فلسطين، والقائمة على ركيزتين هما: فرض الوقائع وقلب الحقائق، والانطلاق منهما…كل ما فعله نتنياهو أنه وجد نفسه في مرحلة ولا أنسب منها لزيادة منسوب وقاحته، هذه التي أتاحها له واقعان عربي وفلسطيني يتنافسان في ردائتهما، ويحظيان برعاية دولية.

بدأوا باكذوبة “ارض بلا شعب لشعب بلا وطن”، وليفرضوها واقعاً قاموا بتطهير عرقي للفلسطينيين فطردوا 70% منهم إثر النكبة واغتصاب 78% من فلسطين التاريخية واقامة كيانهم الاستعماري عليه عام 1948، ثم احتلوا ال22% المتبقية منها عام 1967 ومن ساعتها بدأوا في تهويده، وجاءت اتفاقية أوسلو التفريطية لتسلم لهم بما فرضوه سابقاً باعترافها بكيانهم الغازي، بمعنى التنازل لهم عنه، ولتعتبر ما احتلوه مما تبقى لاحقاً أراض متنازع عليها، وصادقت “مبادرة السلام العربية” على ما فرضوه سابقاً بعرضها التطبيع معهم كاملاً مقابل ما هو متنازع عليه لاحقاً فرفضوا مكرمتها هذه واستمروا في سياساتهم التهويدية والحديث عن “السلام”.

والآن، وقد زرعوا في الضفة سبعمئة الف مستعمر، وانتهت فرية “حل الدولتين”، اطلت برأسها حكاية الاعتراف ب”يهودية الدولة”، أي آن اوان قلب الحقيقة الكبرى، وهى جريمة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين التي ارتكبوها ليقيموا كيانهم العدواني على انقاض فلسطين، ليستبدلوها بخرافة “التطهير العرقي لليهود”، وعلى يد من؟! ضحيتهم الفلسطينيين!!!

وعليه، وبفضل من أوسلو الكارثية، ورديفتها انهزامياً “المبادرة العربية”، اصبح الطريق أمام مخططات “الترانسفير، المتعددة الأوجه والوسائل لمن تبقى من الفلسطينيين في ارضهم مفتوحاً، وسواء هذا فيما أُحتل اثر النكبة أو ما بعدها، لذا ما الذي يمنع نتنياهو من التعبير صراحةً عما يطالب به بينت وليبرمان وتضمره ليفني وهرتسوغ؟!

فيما يتعلق بردود أفعال السلطة على تصريحات نتنياهو، فمن اسف انني لم اجد ما أُعقب عليه إلا ما صرَّح به رجل كم تمنيت، بل وكتبت ذات مرة، حبذا لو أنه يسكت، ذلك هو الدكتور صائب عريقات، لأن ما صرَّح به هو الأعلى حتى الأن، ولا أدري إن كان قد تحدث سواه، أما رئيس السلطة فهو قطعاً مشغول هذه الأيام بالضغوط العربية الاعتدالية عليه الرامية لتوريث دحلانها تركته التنازلية وهو حي يرزق بعد، وما قيل في لبنان ولم ينفه عن مراسلته لبوتن مقترحاً رئيساً للبنان الذي اعتاد على خلو هذا المنصب، وحاثاً على “أوسلو سوري”!!!

يقول عريقات معقباً على ما قاله نتنياهو، إن أقواله “إن دلت على شيء فإنها تدل على أن نتنياهو خرج على كل الخطوط الحمراء بتصريحات فاضحة صارخة غير أخلاقية، وضرب بعرض الحائط القانون الدولي، وهدم كيان العلاقات الدولية، ودمَّر كل ما قامت عليه مواثيق ومؤسسات الأمم المتحدة من عدالة”! لم يقل لنا لا فض فوه خطوط من الحمراء هذه وأين تقع حدودها؟! ولم يدلنا أين يمكن صرف “فاضحة وصارخة وغير أخلاقية” في عالمي السياسة وصراع الوجود؟! ومتى كان القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وعدالتها، وهى التي شرَّعت فرض الوقائع العدوانية الصهيونية في فلسطين إثر النكبة وقيام الكيان الغاصب على اطلال الوجود الوطني الفلسطيني، وبعد ارتكابه لفظائع التطهير العرقي المبرمج ضد الفلسطينيين آنذاك وبعده، وغطت على ما سبق ولحق من قلب للحقائق، يوماً في الحسبان الصهيوني؟!

ويسترسل عريقات: “كما أنه يكشف الوجه الحقيقي لنتنياهو وحكومته، وكما قلنا اكثر من مرة، هذه حكومة من المستوطنين وللمستوطنين وبالمستوطنين”…جيد، إنه هنا يعيد اكتشاف المكتشف، أو من فاوضه لربع قرن مضى فأسهم في تغطية وجهه الحقيقي، الذي يتحدث عنه الآن، لكن فقط عن أولئك الذين لا يريدون اكتشافه!

واخيراً، وبعد كل هذا الذي منه على طريقة اوسعتهم شتماً وفروا بالإبل، يطالب عريقات العالم بمسآلة حكومة الكيان، ويخبر عالمه الذي يطالبه معاتباً: “لم تعد التصريحات والإدانات تكفي، والمطلوب المساءلة الحقيقية وبشكل فوري”…ويتوعَّد نتنياهو بأن أبا مازن سيلقي قريباً (في الأمم المتحدة) خطاباً “في غاية الأهمية، يضع فيه العالم بصورة كل المسائل”…المسائل التي هذا العالم ، أو الغرب، من صانعيها، وبالتالي هو في صورتها أكثر من عريقات وسلطته واوسلوستانها!!!

…وآخيراً، خرج عريقات عن الموضوع وأضاف اليه: إن “القول أن لا مؤسسة في منظمة التحرير غير مقبول جملةً وتفصيلاً”…لكنه لم يدلنا بعد أن قبروها في أوسلو ما الذي تبقى لديهم من رميمها؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى