ضرورة وضع خطة شاملة لتحصين المجتمع ومضاعفة مناعته الوطنية
كتب ساطع الزغول
عقب المراقبون على الفتوى الشرعية التي اصدرها مؤخراً الشيخ عبد الكريم الخصاونة لحسم الجدل الذي دار عبر وسائط التواصل الاجتماعي، اثر وفاة الشاب المرحوم شادي ابو جابر، بالقول : حين تضطر دائرة الافتاء لاصدار فتوى تجيز تعزية ”غير المسلمين”، يتعين علينا ان ندرك حجم الاذى الذي لحق بمجتمعنا من قبل تيار الجهل والتكفير الذي لاينظر الى اتباع الديانات السماوية الاخرى نظرة المواطنة المتساوية، ساعياً الى هدم بنيان التعايش، باعتباره النموذج الذي ميز هذا البلد منذ القدم.
وقالوا ان احترام التنوع جزء اساسي من اي خطة ناجعة لمكافحة التطرف والقضاء على خطاب الكراهية، وهذه الحقيقة لا بد للمتغافلين عن مواجهتها ان يكفوا عن تغافلهم فوراً، اذا اردنا بناء مجتمع مسالم مزدهر غير متطرف، وان يبادروا الى معالجة الاسباب الحقيقية التي تحول دون تحقيق هذا الهدف، وعدا ذلك لن يتعدى الجهد المبذول بيع الاوهام، وفق تعبير نائب رئيس الوزراء الاسبق مروان المعشر.
وباعتبار ان خطاب الكراهية الذي يحاول البعض الصاقه بالمسلمين دون غيرهم من الشعوب والاديان – مع ان للاوروبيين صولات وجولات معه – يستدعي وضع النقاط على الحروف وتنقية الدين الاسلامي مما يحاول بعض الموتورين دمغه به من خلال فهمهم الخاطئ للنصوص، فقد انبرى الازهر الشريف الى اصدار فتوى توضح المسألة، وذلك بالتزامن مع الفتوى الاردنية او بعدها بايام قليلة.
هذه الفتوى وردت على لسان الامام الاكبر احمد الطيب شيخ الازهر في كلمته امام شباب الملتقى الاول المسيحي المسلم الذي انعقد في رحاب الازهر في الثلث الاخير من الشهر الماضي، والتي قال فيها ان الاسلام يوجه اتباعه الى الانفتاح على اتباع موسى وعيسى، عليهما السلام، الى درجة الزواج والمصاهرة، وعلاقة البر والمودة والرحمة، كما امرهم الاسلام بذلك، ويقرر القرآن ان الله جعل في قلوب اتباع عيسى عليه السلام رأفة ورحمة الى يوم القيامة.
وبالتوازي مع هذه الفتوى قال د. كمال بريقع استاذ المواد الشرعية بكلية الدراسات الاسلامية بجامعة الازهر، امام ذات الملتقي، ان من الشروط الاساسية لمن يفتي في الدين ويفسر القرآن ان يكون على دراية كاملة بمعاني اللغة العربية والادب، حتى يكون تفسيره مطابقاً للمعاني واللغة.
واضاف د. بريقع يقول : يجب ان يكون المتحدثون باسم الدين على معرفة جيدة، بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وان يكونوا على معرفة جيدة بالقرآن الكريم والمواضيع الصحيحة التي نزلت فيها الآية، والحكمة من نزولها على النبي.
واشار الى ان الضمائر في اللغة العربية تعبر عن المعنى وتجعله احياناً غير واضح، لذا فالمعيار الاول في الفتوى بالدين ان يكون المفتي على دراية باللغة العربية، وتفسير القرآن، والطرق والقوانين الاساسية في الاسلام، واستنتاج القانون الضمني في النص، لان نصوص القرآن لها قوانين تحكمها، بل هي شيء ضمني يتماشى مع الحدث والواقع.
وفي تعقيبهم على هذه الفتاوى قال المراقبون ان الكراهية هي الخطر الحقيقي، مؤكدين انها نشأت وتتم رعايتها من جانب دول وحكومات وبتمويل منها، وانها اصبحت الحاضنة الخصبة لتنامي خطاب الكراهية بين الناس، الامر الذي ادى الى ظاهرة التجييش والتحريض والاقصاء، ثم الاتهام، وصولاً الى التكفير ثم التفجير والقتل، مبينين انها شعور هدام، ولها تأثيرات فتاكة، خاصة على مجتمعاتنا، ومن اسبابها الاختلاف العقائدي او الفكري، والسياسي والعرقي والقومي، وتسييس القوانين، وعمليات التهميش والاقصاء.
ويرى المراقبون ان النقاش الحاد حول الكراهية وخطابها الذي هيمن على المواقع الالكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي الشهر الفائت قد جاء صادماً بالنسبة لاغلبية الاردنيين الذين خبروا العيش المشترك بابهى تجلياته بين ابناء المجتمع بخلفياتهم الدينية والاجتماعية كافة.
ورغم انه كان صادماً، الا انه – حسب المراقبين- لم يكن مفاجئاً، وقد كشف بلا مواربة عن ان المجتمع الاردني الذي شكل جوهرياً حالة استثنائية للعيش المشترك والتآخي، قد تغير كثيراً، ذلك ان التطرف والطائفية والمذهبية التي ترخي بظلالها وضلالها على العالم العربي وتهيمن على خطابه، بدأت تظهر اثارها على البيئة الفكرية والسياسية والدينية في المجتمع الاردني، حيث لم تعط الجهات الرسمية الاهتمام الكافي للتطرف الفكري والايديولوجي، ولم تنظر بشكل جدي وفاعل الى الدراسات والابحاث التي كانت تنبه لتصاعد التطرف في المجتمع الاردني، رغم نجاح تلك الجهات في رد المخاطر الامنية والسياسية للتطرف الارهابي الجارف في المنطقة.
المراقبون الذين يسمون الاشياء باسمائها، وينظرون الى الامور بعيون فاحصة ومدققة، دعوا الجهات المعنية الى ادراك خطورة ظاهرة الفكر المتطرف والاقصائي الذي يتبنى خطاب الكراهية، واعتبارها حالة قائمة فعلياً وليست شاذة او معزولة، فالمتطرفون موجودون في كل مفاصل ومؤسسات المجتمع- المدارس والمساجد والجامعات والمؤسسات العامة والقطاع الخاص، مبينين ان هذه المؤسسات مسؤولة عن انتاج الوعي والمعرفة، وحمل رسالة الدولة والعمل ضمن دستورها، لكنها – بصورة ما- اصبحت مرتعاً لفئة ليست قليلة تمارس قناعاتها الشخصية الاقصائية والمتطرفة دون ان يرف لها جفن، ودون ان يفطن اي من القائمين على هذه المؤسسات الى خطورة ما يجري، بدعوى ان كل شخص مسؤول عن قناعاته، وهؤلاء انما يمارسون حريتهم الشخصية، لكن هذه الحرية او تلك الممارسة عندما تتجاوز المعقول والمتعارف عليه، وتتعدى على قناعات الناس وترابطهم ووحدة عيشهم المشترك تتحول الى اعتداء على القانون والمجتمع، وتخرج عن اطار الحريات والممارسات الشخصية، لتندرج في خانات التعصب والكراهية والتطرف، مؤكدين ان العلاقة التي تربطنا مع بعضنا البعض في الاردن، ليست بأي حال من الاحوال علاقة دينية بل هي علاقة وطنية ومدنية يقوم من خلالها المواطن بواجباته بكل امانة، ويحصل على حقوقه بكل عدالة وفق ما شرعه الدستور الاردني، وما سنته القوانين المعمول بها.
ولفتوا الى ان التعصب والتطرف الفردي او الشخصي موجود في كل المجتمعات، حتى المتقدمة منها، لكن – في تلك المجتمعات والدول- اذا تم تحويل ذلك الى سلوك وممارسة فانه يصبح تمييزاً، وهنا تنتهي حرية الرأي والمعتقد، تماشياً مع القاعدة التي تقول ”تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الاخرين”.
وتأسيساً على ما سبق، فان الدولة الاردنية التي لا تستطيع منع الناس من ان يفكروا بطريقة مخالفة لماهو متعارف عليه لان حرية الرأي مكفولة في الدستور، لكنها لا بد ان تتدخل عندما يتعدى البعض على قيم المجتمع واسس ومبادئ الدستور، حيث يصبح ذلك شأناً عاماً لا بد ان تتدخل الحكومات بالوسائل القانونية والدستورية كافة لوضع حد لذلك وحماية الدولة والمجتمع.
على صعيد ذي صلة نقلت وسائل اعلام الكترونية عن ما اسمته ”مصدراً وزارياً رفيعا” اغفلت ذكر اسمه، قوله ان مجلس الوزراء ناقش في جلسته المنعقدة بتاريخ 17 آب الفائت مظاهر التمييز والكراهية وتهديد الوحدة الوطنية، وخلص الى ضرورة وضع حد لذلك، فأوعز رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي الى نوفان العجارمة رئيس ديوان التشريع والرأي لتقديم عرض يوضح التشريعات المعمول بها للحد من المظاهر السابقة الذكر، وتقديم الاقتراحات اللازمة، بما في ذلك وضع تشريع يقيّد ويحدّ من المظاهر التي يراها المجلس خطرة، ولا بد من وقفها بقانون.
المراقبون توقفوا عند هذه التوجيهات وقالوا ان حكومة الملقي بصدد اهتبال هذه الفرصة لوضع قوانين وتشريعات جديدة تضيق فيها على الحريات ووسائل التعبير علاوة على ما هو موجود وموضوع قيد العمل والتنفيذ.
موقف النائب السابق المحامي محمود الخرابشة تقاطع مع مخاوف المراقبين بصورة ما، فقال ان قانوناً او تشريعاً مثل هذا لن يسمح مجلس النواب بمروره لعدة اسباب، لافتاً الى ان هناك مواد قانونية كثيرة في قوانين العقوبات، والمطبوعات والنشر، والجرائم الالكترونية تكفي للحد من خطاب الكراهية، ومعاقبة مرتكبي مثل هذه الاخطاء، ولا مبرر اطلاقاً لسن تشريع يخصص لكل خطأ على حدة، مكتفياً بالقول : ”لن يمرّ اذا قُدّر لنا ان نكون في المجلس القادم”.
في الختام.. نعيد التأكيد على ان مواجهة الخطاب الديني المتشدد تحتاج الى تشخيص المشكلة وفهم الخطاب الاسلامي الذي لا بد ان يستند الى النص القرآني والحديث النبوي- اي التشريع ومصادر التشريع، لوضع حد للاختلافات والتأويلات التي اوصلت المجتمع الى ما هو عليه، ولا بد من وضع استراتيجيات لتحصين المجتمع الاردني ضد خطاب الكراهية، والى تطوير ثقافة الحوار، وقبول الاخر، وتجديد الخطاب الديني، من خلال خطة وطنية شاملة تتناول كافة القضايا.