الانتخابات النيابية.. بدايات متعثرة ورهانات متضاربة وعواقب قد تأتي مزعجة

كتب ساطع الزغول

يبدأ رسمياً صباح يوم غد الثلاثاء وحتى نهاية دوام يوم الخميس المقبل الترشح لانتخابات مجلس النواب على اساس القوائم، وليس الترشح الفردي، بحيث يتم حضور جميع المترشحين في القائمة، ولمرة واحدة فقط، ليقوموا بالتوقيع امام رئيس لجنة الانتخابات لتفويض احدهم ليتولى تمثيل القائمة امام الهيئة.
وقد اشترطت التعليمات ان لا يقل عدد المترشحين في القائمة عن ثلاثة اشخاص، ولا يزيد على عدد مقاعد الدائرة، وان تكون اسماء المترشحين في القائمة مرتبة حسب الحروف الابجدية، موضحة ان المرأة لا تعتبر ضمن الحد الاعلى لعدد المرشحين في القائمة، اي ان بامكان المترشحين اضافة اسم سيدة الى القائمة فوق الحد الاعلى.
وتقول التعليمات ان القوائم الانتخابية تسجل حسب الدور، وبالاعتماد على وقت تسجيلها بالساعة والدقيقة والثانية، ويشمل تسجيل القوائم، الاسم والرمز.. وفي حال حدث نقص في الاوراق المطلوبة لقبول طلبات الترشح للاشخاص، فان لجنة الانتخاب لن تقبل الطلب، وستعيده لاصحابه لاستكمال جميع الوثائق، وفي هذه الحالة لا تحتفظ القائمة بأحقية الدور والتوقيت.
اما الشرط الاساس الذي يجب ان يتوفر في طالب الترشح، فهو ان يكون مسجلاً في احد الجداول النهائية للناخبين، وعند التقدم بطلب الترشح، يجب ان يتضمن الطلب ايصالاً مالياً يثبت ان المترشح دفع لخزينة الدولة مبلغاً وقدره خمسمئة دينار، في حين يتوجب على كل قائمة دفع مبلغ ألفي دينار للبلدية التي تقع ضمن الدائرة الانتخابية التي تترشح فيها القائمة، وهذا المبلغ مسترد، ويدفع لغايات تأمين الالتزام بالاحكام المتعلقة بالدعاية الانتخابية.
الى ذلك، قدر خبراء اقتصاديون حجم انفاق المترشحين المتوقع على الانتخابات النيابية للعام الحالي بنحو 75 مليون ديناراً تشمل الانفاق على الحملات الانتخابية، وعلى وسائل الاعلام، والمطاعم، وقطاع الاتصال، ووسائل النقل، وبعض القطاعات الاخرى التي تساعد وتدعم العملية الانتخابية.
كما بينوا ان انفاق المترشحين على الانتخابات النيابية يقدر بمتوسط 50 الف دينار لكل مترشح، تشمل جميع المصروفات التي تدعم العملية الانتخابية، لافتين الى ان هناك بعض القطاعات الاقتصادية التي ستنتعش حركتها خلال فترة الانتخابات، ومنها الصحف ووسائل الاعلام، والمطاعم، وقطاع الاتصالات، ووسائل النقل، وبعض القطاعات الاخرى.
معروف ان الدولة بقضها وقضيضها وتلاوينها واطيافها قد بذلت ولا تزال تبذل كامل جهدها لحفز الناخبين على الاشتراك في العملية الانتخابية، والتصويت لمن يريدون، في الوقت الذي تتصاعد فيه النغمة الرسمية التي تتعهد بنزاهة هذه الانتخابات، ما دفع الخبراء الى القول ان عدم الانخراط في العملية الانتخابية، سواء بالترشح او الانتخاب، يعني ان الكثير من التيارات والجهات غير مقتنعة بالرسالة والكفالة اللتين تضعهما الدولة اليوم لضمان نزاهة الانتخابات.
وفيما يسود كثير من الاعتقاد بعدم وجود نوايا للعبث في الانتخابات، باعتبار ان هذا العبث في الوقت الراهن باهظ التكاليف في ضوء وجود الهيئة المستقلة للانتخاب، والتقارير التي تشيد بجهودها، فان خبراء في مجال الانتخابات اعتبروا ان فتح المجال امام الهيئات والمؤسسات الدولية لمراقبة سير تحضير الانتخابات واجراءاتها وصولاً الى مراقبة العملية الانتخابية بحد ذاتها، هي خطوة موفقة خطاها الكلالدة رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، وفيها من الدهاء السياسي الشيء الكثير، باعتبار ان الرجل يحصن نفسه والهيئة التي يقودها من احتمالات تدخل مراكز القوى في مخرجات التصويت.
مسألة اجراء الانتخابات من عدمها كانت محل تجاذب ما بين مروّج للتأجيل وسوق الاسباب الموجبة له، وما بين داع الى اجرائها في الوقت المحدد بصرف النظر عن اية معيقات قد تعترض الطريق، وهو ما دفع د. خالد الكلالدة الى اطلاق تصريح صحفي دعا فيه الى عدم الالتفات الى “الشائعات” التي تصدر بين حين وآخر وتتحدث عن تأجيل الانتخابات، وهو ما لا يستند – بحسب الكلالدة- الى اي مرجع سليم، داعياً الجميع الى اخذ المعلومة من مصدرها، وذلك من خلال التواصل والاتصال المباشر مع الهيئة، والابتعاد عن الشائعات ومروجيها.
وسائل الاعلام الورقية والالكترونية دخلت على خط الحديث عن التأجيل، سواء في صورة اخبار او مقالات او تحليلات، وبشكل يوحي بان الحكومة ذاهبة الى التأجيل لا محالة.
وفي هذا السياق تطرق موقع “عمون” عبر تحليل اخباري نشره مؤخراً الى الاسباب الداعية الى التأجيل وحصرها في ثلاثة اسباب، اولها : عدم فهم المواطنين وكثير من المرشحين للقانون الجديد، بدليل عدم قدرة المواطنين على التعاطي مع القانون وآليات الانتخاب، وبالتوازي مع ذلك صعوبة تشكيل القوائم الانتخابية من قبل الراغبين في الترشح، ما سينعكس على حجم المشاركة في هذه الانتخابات.
اما السبب الثاني : فهو وجود اجواء ملموسة من قبل الناخبين في مختلف مناطق المملكة تتجه لمقاطعة الانتخابات لاسباب منها ما يتعلق بالثقة بالعملية الانتخابية، واخرى لها علاقة بضعف ثقة المواطن بالمجالس النيابية.
وثالث هذه الاسباب هو عدم مشاركة مليون مواطن مغترب- بحسب تصريحات مدير دائرة الاحوال المدنية مروان قطيشات التي نقلتها عنه وكالة بترا مؤخراً- والذي اكد فيه ان ما يزيد على 800 الف مواطن يعملون خارج البلاد، اضافة لعشرات الالاف ممن يغادرون المملكة لاسباب عديدة، منها الدراسة في الجامعات، وهذه الفئة تقع ضمن دائرة من هم مسجلون في سجلات الناخبين، ويحق لهم الاقتراع، الا ان قانون الانتخاب لا يوفر الاليات التي تمكنهم من القيام بواجبهم في حال وجودهم خارج البلاد، وبالتالي فان ما يقارب المليون ناخب لن يتسنى لهم المشاركة في الانتخابات.
وفي التعقيب على هذا التصريح قال المراقبون ان هكذا خبر لا ينشر عادة في الاعلام الرسمي في ظل اجواء الانتخابات النيابية، ما يعني وجود توجه الى سوق اسباب واضحة ومبررة لتأجيل الانتخابات النيابية العتيدة، وزادوا على ذلك توجيه اصابع الاتهام للدكتور الكلالدة وقالوا (انه ورط الدولة في القانون، ولم يستطع ادارة الملف وشرح آلية الانتخاب والنتائج، ما يجعل احتمالات التأجيل حقيقية).
هذه الاشارة و>الاشاعات< حول التأجيل اعتبرها جهاد المومني الناطق للهيئة مجرد دعوات فردية، ولا تنتمي لاي جهة نقابية او حزبية او هيئات ومؤسسات مجتمع مدني، معتبراً ان تلك الدعوات ما هي الا اراء شخصية ومصالح فردية للبعض، مشيراً الى ان الهيئة تعمل بكل طاقتها وبأعلى معايير النزاهة والشفافية بهدف اجراء الانتخابات في موعدها المقرر، والتي يبقى قرار تأجيلها دستورياً بيد الملك.
من جانبها قالت عبلة ابو علبة، امين عام حزب حشد، ان هذه الشائعات حول تأجيل موعد اجراء الانتخابات النيابية تأتي في سياق سياسي في ظل وجود تيارات ترغب في عرقلة مسيرة الانتخابات ولاهداف خاصة.
اما العين بسام حدادين فقال، انه بالرغم من تناثر الشائعات حول تأجيل الانتخابات سواء بسوء نية او حسنها، فان الرهان يتأتى بالدرجة الاولى على وعي المواطن وقدرته على تجاوزها وفهم الرسائل، ولن تخرج من محيطها الضيق، ولن تؤخذ بمحمل الجد في ظل مساعي الحكومة باهمية المشاركة بالانتخابات لجميع فئات المجتمع.
وفيما يخص الاحزاب اوضح “مركز راصد” في دراسة نفذها بهدف تقديم معلومات اولية للمواطن عن توجهات الاحزاب تجاه الانتخابات النيابية هذا العام، ان 21% من الاحزاب المحلية لا تثق بادارة الهيئة للعملية الانتخابية، وان 45% من الاحزاب ترى ان القانون الحالي لا يساهم في تعزيز التمثيل الحزبي في البرلمان، وان 33% من الاحزاب تعتقد ان هناك حالة ركود انتخابي لا تلبي الطموحات التي كانت ماثلة عند تعديل قانون الانتخابات.
وبينت الدراسة كذلك ان 86% من الاحزاب منخرطة في تحالفات وائتلافات حزبية، وان 57% من هذه الاحزاب لديها قوائم مترشحة خارج المحافظات المركزية (عمان، واربد، والزرقاٌّء).
وقالت الدراسة التي شملت 49 حزباً، ان هذه الاحزاب المستطلعة قد اوردت 16 تحدياً وتخوفاً سترافق العملية الانتخابية، منها ان عقلية الصوت الواحد ما زالت راسخة لدى كل من المرشح والناخب، وان قانون الاحزاب الحالي يعد تحدياً للعمل الحزبي، وعدم وجود ضمانات النزاهة للعملية الانتخابية، وكذلك انتشار المال الاسود، وعدم تكافؤ القدرة المالية للاحزاب، واستخدام العاطفة الدينية لاستقطاب الجمهور، اضافة الى ضعف ثقة المواطن بالانتخابات وبأداء البرلمان.
ووفقاً للدراسة، فان الاسباب التي تحد من تشكيل قوائم حزبية من اعضاء الحزب فقط تتمثل في ضعف الامتداد الجغرافي للاحزاب، كما ان قانون الانتخاب اجبر الاحزاب على تشكيل قوائم غير حزبية، كذلك لا يمكن للاحزاب ان تشكل قوائم دون تمثيل عشائري، وان المواطن يفضل التصويت للمرشحين الفرديين على التصويت لمرشحي الاحزاب، اضافة الى ان الارث الاجتماعي لا يساعد في تشكيل قوائم حزبية منفردة.
في خضم هذا الجدل حول ضعف التحضير للعملية الانتخابية او شدته، وتجاوب الناس مع الرسائل الحكومية من عدمه، حذر الدكتور علي الدرابكة الامين العام للهيئة المستقلة للانتخاب من دور المال الاسود في الانتخابات، لافتاً الى ان هذا المال بدأ يأخذ شكلاً جديداً، وذلك عن طريق عملية شراء القوائم، حيث من الممكن ان تشكل العشيرة الكبيرة قائمة واحدة من ابنائها ليضمنوا مقعداً واحداً، ويشكل آخرون قائمة ضدهم مقابل آلاف الدنانير لتشتيت اصواتهم وتغيير اراداتهم او حجبها، معرباً عن خشيته من توسيط المرشح لوسيط بينه وبين الناخب لابعاد الشبهة عن نفسه، داعياً المواطنين الى الحذر من المتصيدين للفرص والانتهازيين الذين يستغلون حاجات الناس، او يسعون لافساد عملية الانتخاب بالتأثير على ارادتهم مقابل المال.
سياق الجدل والتجاذبات حول آلية الانتخابات وافرازاتها وقانونها وكل ما يتعلق به كشف عن مدى الفجوة بين افتراضات قانون الانتخاب وواقع المجتمع، حيث عانى المرشحون من ازمة تشكيل القوائم، اذ ان كثيرين منهم لم يروا فرقاً واضحاً بين القوائم النسبية المفتوحة ونموذج الدوائر الوهمية التي اجريت بموجب انتخابات عام 2010، وغالبية المرشحين كانوا يبحثون عن شركاء في القوائم من اشخاص اقل شهرة وشعبية لكي لاتتأثر فرصهم في النجاح، كما يتحدث البعض علناً عن انه يتوقع من مؤيديه ان يصوتوا للقائمة دون ان يصوتوا لشركائه فيها، الامر الذي يجعل من القائمة ضرورة اجرائية ينضوي تحتها مرشحون لا رابط ايديولوجياً او برامجياً بينهم.
خلاصة القول.. في المشهد الانتخابي الراهن لا يظهر ما ينفي سيطرة الشك والبلبلة وغياب ثقة الناخبين، وهو ما ينعكس على اتجاهاتهم ومواقفهم حيال العملية الانتخابية ومخرجاتها، علاوة على “مشكلة” تشكيل القوائم التي عسكت تبايناً واضحاً بين النظرية والتطبيق، وتدني تأثير البرامج التوعوية والاصلاحية في احداث التغيير المطلوب المتمثل في اجراء انتخابات برلمانية على اسس برامجية وحزبية تمهد الطريق لحكومات برلمانية معتبرة !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى