هل نقوّض أركان الدولة بحجة الاصلاح ؟

بقلم: م. محمد يوسف الشديفات

شهد الاردن خلال الفترة الماضية زخماً سياسياً تمثل بإقرار عدة قوانين ناظمة للحياة السياسية، كان أهمها قانون الانتخابات النيابية، كما تم تعيين رئيس ومفوضين جدد للهيئة المستقلة للانتخابات، ثم تعديلات دستورية جديدة، تبعها تعديل حكومي طال الداخلية والشؤون السياسية.

ومما لا شك فيه ان الضغوطات الاقتصادية التي تزداد وطأتها يوماً بعد يوم على كاهل المواطن الاردني، وتراجع الدور الفاعل للسياسة الخارجية الاردنية، ومسلسل توطين اللاجئين، كل هذا يحتاج الى “تنفيس” من نوع آخر، والى تغييرات ظاهرها نقلة نوعية في كيفية إدارة الدولة، وباطنها كسب المزيد من الوقت وترحيل الأزمات وتسجيل المزيد من الانجازات على الورق وأمام محطات التلفزة العالمية.

لم يعد سراً ان مراكز صنع القرار السياسي تتجه اليوم الى تشكيل حكومات برلمانية، لكن هذه الحكومات يجب ان تبقى مقيدة الحركة على خطى سابقاتها، كما يجب ان تبقى توجهاتها متسقة مع مصالح الطبقة المنتفعة من الوضع القائم، ولأن الغاية النبيلة تحتاج الى وسائل نبيلة والعكس صحيح، فقد جاء قانون الانتخاب مبنياً على قوائم هلامية، يسهل التعامل مع مخرجاتها في وقت لاحق، طالما انها متعددة الاطياف والقواعد.

بعد إتمام الوصفة السحرية والمضمونة لقانون الانتخاب، عمد صناع القرار الى تجهيز الفرقة التي ستضبط ايقاع العملية الانتخابية، ومن اجل ذلك تم إجراء عدة تغييرات طالت المواقع المنوط بها إدارة العملية الانتخابية، حيث تم “نقل” الوزير خالد الكلالدة من الحكومة ليرأس الهيئة المستقلة للإنتخابات، ولم يراع عقل الدولة المركزي حساسية دور الهيئة المستقلة التي تُعتبر باكورة انجازات لجنة الحوار الوطني، وتم العبث باستقلالية الهيئة ومكانتها والانقلاب على قانونها من قبل السلطة التنفيذية (جرى تغيير رئيس وأعضاء الهيئة المستقلة للإنتخابات ثلاث مرات خلال أربع سنوات في حين ان المدة القانونية لعمل اعضاء الهيئة هي ست سنوات)، فمن سيقنع المواطن الاردني بنزاهة الانتخابات النيابية القادمة وشفافيتها بينما يرأس الهيئة المستقلة للإنتخابات نفس الشخص الذي يُعتبر “مهندس القانون” الذي صاغته الحكومة؟؟!! ولماذا تكبدت الموازنة العامة مخصصات “هيئة مستقلة” جديدة طالما ان طاقم عمل الهيئة الحالية ولد من رحم الحكومة؟؟!!

كي تكتمل حلقة إدارة الانتخابات وفق الخطط المرسومة، تمت الاطاحة بوزير الداخلية السابق سلامة حماد، فالمرحلة القادمة تتطلب وزير داخلية أقل حماسة وأكثر مرونة، ولأن وزارة الشؤون السياسية يجب ان تكون حاضرة في هذا المشهد لغاياتٍ “بروتوكولية”؛ تم تسليم حقيبتها لمعالي يوسف الشواربة القادم من مجلس أمانة عمان، ولا ندري ماذا سيضيف الى السياسة وأهلها رجل قانون ينتمي الى قطاع الخدمات؟!

بالرغم من ان الحكومة القادمة سوف تكون “طفل خداج” بحاجة الى رعاية حثيثة في ظل مديونية تاريخية وعجز ثقيل في الموازنة العامة للدولة وعلاقات خارجية بحاجة الى اعادة ترميم، الا ان التعديلات الدستورية “المقترحة” جاءت تحسّباً لأية خروج عن الطريق المرسوم للحكومة القادمة، ومن يرفضون توسيع صلاحيات جلالة الملك هم أحرص على الدولة وعلى الدستور وعلى النظام ممن ينادون بعكس ذلك، فنظام الحكم في الأردن هو نيابي ملكي وراثي (المادة 1 من الدستور)، ومعنى نيابي ان الشعب ينتخب من ينوب عنه لممارسة السلطة والسيادة، والأمة هي مصدر السلطات (المادة 24 الفقرة 1)، وجلالة الملك يتولى السلطة التنفيذية بواسطة وزرائه (المادة 26)، حيث ان أوامر جلالة الملك الشفوية او الخطية لا تخلي الوزراء من مسؤوليتهم (المادة 49)، وبناءً على ذلك تم إعفاء جلالة الملك من كل تبعة ومسؤولية (المادة 30).

لن اخوض كثيراً في جدلية التعديل الذي يمنح الحق لمزدوجي الجنسية بتقلد المناصب العليا في الدولة، ولكنني أود هنا ان أقتبس –على سبيل المثال لا الحصر- من نص قَسم الحصول على الجنسية الامريكية، يقول النص: “أعلن يمينا مطلقاً أنني أنبذ وأتخلى عن الولاء لكل أمير وملك ودولة والسيادة التي تأتي منها المواطنة” انتهى الاقتباس، هكذا يقسم كل من أراد الحصول على الجنسية الامريكية، في حين ان نص المادة 43 من الدستور الاردني يقول: ” على رئيس الوزراء والوزراء قبل مباشرتهم أعمالهم أن يقسموا أمام الملك اليمين التالية: اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للملك ، وان أحافظ على الدستور وان اخدم الأمة وأقوم بالواجبات الموكولة إليّ بأمانة”.

وهنا أطرح تساؤلات مشروعة على اهل الاختصاص، ألا يُعد ذلك تناقضاً وحنثاً باليمين؟! ألا يستطيع المواطن الاردني ان يخدم وطنه الا اذا كان نائباً أو وزيراً؟! كيف تؤتمن الحكومة الحالية ومجلس النواب الحالي على تعديل الدستور, وهم الذين توافقوا على انتهاك المادة (22 الفقرة 2 من الدستور) التي نصت على ان ” التعيين للوظائف العامة من دائمة ومؤقتة في الدولة والإدارات الملحقة بها والبلديات يكون على أساس الكفاءات والمؤهلات”، من خلال تعيين 109 موظف في مجلس النواب من الابناء والاقارب؟؟.

المواطن الاردني، القابض على جمر حب الوطن وأمنه، ما زال ينتظر تحقيق الوعود التي تم قطعها على الصعيدين السياسي والاقتصادي إبان أحداث الربيع العربي، فهل ذهبت تلك الوعود أدراج الرياح؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى