”المجد” تجدد العهد وتراهن على الغد
بخطى متعثرة، وانفاس متقطعة، وخيارات صفرية، واصدارات متباعدة وغير منتظمة، تختتم ”المجد” اليوم دورة العام الثاني والعشرين من عمرها الوعر والزاخر بالنجاحات والاخفاقات معاً، والمحكوم بالمراوحة بين طرفي معادلة صعبة يتمثلان في ضخامة التحديات من جهة، وضآلة الامكانات من جهة اخرى.
ففي مثل هذا اليوم (الاثنين 4/11) من عام 1994 تفتحت، مع براعم نيسان واغصانه وازهاره، صفحات هذه المطبوعة الكادحة والمكافحة، وعبقت سطورها بعبير فصل الربيع، واشرقت مفرداتها بدفئه وابتسامات شمسه، وتحققت على ارض الواقع امنية شخصية ورومانسية غالية طالما داعبت خاطري منذ زمن بعيد.
كانت الصحافة، ولا تزال، توأم روحي وصبابة حياتي، فقد تعاطيتها هاوياً في مقتبل العمر، ودرستها طالباً في جامعة القاهرة، واحترفتها مهنة وحيدة وقفت عليها شبابي وكهولتي والشيخوخة، وتوغلت في شعابها وابوابها واقسامها كاتباً وناشراً ومراسلاً ومحرراً يطيب له السهر بين يدي لياليها الطويلة، ومطابعها الهادرة والمنهمكة في عقد قران الحبر على عرائس الورق.
غير ان منادمة الصحافة وملازمتها، والاقامة الدائمة في بيتها، والصلاة الحميمة في محرابها، ليست غاية في حد ذاتها، ولا تأتي طلباً للشهرة الشخصية وسعياً لتحصيل المتعة والمسرة، وانما الصحافة -عندي- امانة ورسالة ومسؤولية وطنية وقومية واخلاقية.. فهي كاميرا المشهديات اليومية، وهي دفتر الاحوال الشعبية، وهي صوت الاغلبية الصامتة، وهي وكيل الدفاع عن الغلابى والمظلومين والكادحين، وهي المقدمة الاولى لكتاب الحرية وفصول الموسوعة الديموقراطية.
بفضل انتفاضة نيسان المجيدة عام 1989 هبت نسائم الاصلاحات السياسية والتحولات الديموقراطية.. تقلصت مساحة الاستبداد، وتنازلت الدوائر الحاكمة عن خطيئة انكار الرأي الآخر واحتكار المنابر الصحفية والاعلامية، وتولى البرلمان الوطني آنذاك تشريع قانون مطبوعات عصري اهال التراب على الاعلام الاحادي الجانب، وافسح المجال واسعاً امام ركب الحرية والتعددية في سائر مجالات الميديا ووسائل الاتصال والتواصل.
اذن، فقد لاحت الفرصة، وحانت اللحظة المناسبة لاخراج مشروع ”المجد” من تلافيف الحلم والامنيات الى حيز الحقيقة المجسدة والوجود الفعلي.. وهكذا كان، فقد تقدمتُ بطلب ترخيص مطبوعة اسبوعية باسم ”المجد” اواخر عام 1993، وما لبثت الحكومة ان استجابت بتباطؤ لهذا الطلب في الشهر الاول من عام 1994.
فوراً ودون ابطاء واجهنا تحدي الصدور، ودخلنا في صلب التجربة وعمق الامتحان، حيث باشرت ثلة من الزملاء والاصدقاء عملية العد العكسي، ومهمات الاعداد والاستعداد لعرس اول مطبوعة قومية ناصرية في تاريخ الاردن، وقد تخيرنا يوم 1994/4/4 موعداً لانطلاقتها، ولكن المطبعة التجارية التي تكفلت بطباعة ”المجد” خذلتنا، واحبطت رهاننا، واضطرتنا الى تأجيل هذه الانطلاقة اسبوعاً كاملاً، وبما ادى الى بزوغ فجر هذه المطبوعة في 1994/4/11.
يومذاك كان الحماس شديداً لبناء منبر ناصري تعبوي ونهضوي ومعارض لمسيرة الصلح والتطبيع في اوسلو ثم وادي عربة، وكان جمع المتطوعين والمتبرعين لنصرة هذا المنبر ومؤازرته والالتفاف حوله يفوق كثيراً عدد افراد طاقمه وجهد العاملين المحترفين فيه، وكان اقبال القراء والاحباء عليه في عمان ودمشق وبيروت- والقاهرة احياناً- مدهشاً وكبيراً، ولا يدانيه في الضخامة سوى حجم المصاعب والعراقيل والعقبات الجمة التي اصطنعتها الحكومات الاردنية المتعاقبة، لمحاصرة هذا المنبر وانهاكه وارهاقه واستنزاف قواه، وصرفه عنوة عن القيام بواجبه الوطني والوفاء برسالته القومية.
بادئ الامر كانت العقبات والعقوبات امنية وسياسية وقضائية (اعتقالات ومصادرات ومحاكمات دورية)، ولكن صمود ”المجد” واثبات موجوديتها الوازنة، وتعاطف قطاع واسع من الرأي العام معها، اضطر الحكومات واجهزتها القمعية الى مواصلة الحرب عليها ولكن بوسائل اخرى، حيث جرى استبعاد العقوبات الامنية والقضائية لحساب العقوبات المالية والاقتصادية (منع الاعلانات وقطع الاشتراكات ومضاعفة الضرائب) وهو ما ادخلنا في غياهب ازمة حادة وقاصمة للظهر، خصوصاً وانها قد تقاطعت مع ازمة الصحافة الورقية في مختلف دول العالم.
منذ نيف ونصف قرن، اعتاد الجمهور العربي ان ينظر للصحافة كمصدر رزق وفير، او حتى باب ارتزاق غزير، ذلك لان صحافة الدول النفطية ورجال المال والاعمال التي شوهت دنيا الصحافة، ومنحتها صورة الدكاكين والبازارات وشركات المقاولات، قد زرعت هذا الانطباع في اذهان الناس، وحملتهم على الاعتقاد ان الصحافة اضحت تجارة وشطارة، ولم تعد موقفاً ورسالة.. ولهذا فليس من السهل عليهم الاقتناع الوافي بان ”المجد” قد خسرت، خلال السنوات الخمس او الست الماضية، ما فوق طاقتها المالية، ووقعت غير مرة في حبائل الافلاس، ولكنها واصلت صدورها المتقطع بتمويل شخصي من قبيل اداء الواجب القومي، وبدعم فردي ومحدود من لدن خيرة الاصدقاء الاوفياء، وبتدابير وترتيبات مرهقة ومحرجة وخادشة للكبرياء وماء الوجه في بعض الاحيان.
اطلاق ”المجد” وادامتها والحرص على استمراريتها، لم يأت -اصلاً- لاسباب شخصية، ودوافع نفعية وربحية، بل جاء لاهداف واعتبارات سياسية مبدئية وعقائدية.. فاول شعار طرحته هذه المطبوعة كان : ”المجد.. عقيدة في جريدة”، نظراً لان اول واسمى مهماتها كانت المساهمة في احياء الوعي القومي واعادة الاعتبار للمشروع الناصري، فضلاً عن التصدي الحازم لحالة التهافت الرسمي العربي على مفاوضة العدو الصهيوني تحت خيمة مؤتمر مدريد عام 1991، ثم مصالحته بعد ذلك في اتفاقيات اوسلو ووادي عربة وغير ذلك من بروتوكولات سرية تكشفت تباعاً فيما بعد.
لقد شكلت ”المجد” اضافة نوعية، وليست كمية، للبيت الصحفي الاردني وربما العربي، وقد جاءت استجابة لدور ينتظرها، وتلبية لنداء يتردد في مسامعها، وتحملاً لمسؤولية جسيمة تبحث عمن يؤدي امانتها، وتعهداً للرسالة الخالدة المنوطة بالامة العربية الواحدة.. واذا كان هناك من لم يدرك، بعد 22 عاماً، حقيقة هذه الجريدة، ويعرف مبرر وجودها وجوهر غاياتها وتطلعاتها ومراميها الجليلة، فالعيب فيه وليس فيها، والذنب ذنبه وليس ذنبها، والخلل في فهمه وليس في خطابها.
لقد ولدت ”المجد” في الهواء الطلق وليس بلاط السلاطين، وقدمت اوراق اعتمادها الى الرأي العام وليس زمرة الحكام، واكتسبت صفة ”بنت الشعب” التي تناسبت اهميتها ومكانتها ومصداقيتها طردياً مع كفاحها الباسل في التعبير عن اشواق الناس، واخلاصها الدائم لقضاياهم وهمومهم واهتماماتهم، ومجهودها التثقيفي والتعبوي في شحذ هممهم ورفع معنوياتهم وتعزيز ثقتهم بانفسهم.
شأن معظم الصحف الورقية، ومثل اغلب المنابر القومية العربية، قد لا تعمر ”المجد” طويلاً، فهي شقية واشكالية لا بواكي لها في هذا الزمان اللا قومي واللا عروبي الذي تهيمن على اعلامه – في غيبة القاهرة ودمشق وبغداد- مراكز خليجية وايرانية وعثمانية شعوبية واعجمية قد تختلف في كل شيء الا في العداء للقيامة العربية والتجربة الناصرية والمشروع النهضوي.
مؤسف ان تغيب ”المجد” وباقي الاصوات القومية والوحدوية في عز لزومها، وقمة الحاجة والاعتياز اليها، فقد اتضحت بالملموس ضرورات الوحدة العربية، وتأكدت نجاعتها وجدواها بدلالة نقائضها القطرية والمذهبية والقبلية والعرقية المدمرة التي اوصلتنا الى الحال الراهن، بعدما سقطت الدولة القطرية سريعاً في مستنقع عجزها وهزالها، فيما تكشفت الجماعات الاسلامية السياسية والجهادية عن مذابح دموية وفضائح كونية مخزية.
وفي النهاية، قد لا يكون لائقاً ومناسباً التلويح بنعي ”المجد” في عيد ميلادها، والانخراط بالبكاء والعويل وسط الاحتفال بعرسها، واعتبار باقات التهاني والتبريكات بذكرى انطلاقتها كما لو انها اكاليل عزاء في جنازتها.. فرب قومة بعد عثرة، ورب بهجة بعد كربة، ورب فرج بعد ضيق وشدة، وقديماً قال الامام الشافعي :
ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتها فرجتْ، وكنتُ اظنها لا تفرجُ
الف مبروك ل ”المجد” بمناسبة عيد ميلادها و عاش الاستاذ فهد الریماوی
مبارك عيد ميلاد بنت الشعب صحيفة المجد 22 ويليق المجد بالفهد ابا المظفر النسرالمجرب الحكيم الذي لم يمل التحليق في سماء القومية والعروبة .
جاء هذا المقال الكاشف لاماطة اللثام عن هوية المجد الحقيقية وصيرورتها ونهضتها عبر 22 ربيعا في زمن ارادوا الا يكون زمنها فلا تحقق لهم ما ارادوا ابا المظفر وحلق بالمجد نسرا عربيا قوميا خالدا يأبى الهوان .
للجريدة العربية التي قرأت بوعي وعمق الأحداث والتحديات ومؤامرات (( الحلف الصهيوسعودي )) على العروبة ولم تستوحش التمسك بالخط القومي العربي والقضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين رغم كثرة تاركي هذا الخط نقول أجمل التهاني واطيب التمنيات لرئيس تحريرها العربي الشجاع الاستاذ فهد الريماوي ولجميع العاملين بها بعيدها الثاني والعشرين وكل عام والمجد وأسرتها وقراؤها والعروبة بألف خير .