الى متى يبقى الاردن واقفاً على قدم واحدة في محطة الانتظار ؟؟

تهيمن على بلادنا هذا الاوان، حالة من الترقب والتمكث والضجر، جراء طغيان المناخ الضبابي واللون الرمادي على الاوضاع السياسية، والخيارات الحاضرة والمستقبلية التي اوشكت، في غياب الوضوح والشفافية، ان تتحول الى الغاز واحجيات تحيل الى عوالم التكهن والتنجيم وقراءة الطالع والفنجان، وليس الى مراكز البحث والتحليل والاستنتاج والاستخلاص المنطقي.
هذا الضباب يشي بالغياب.. غياب الاجوبة الناجعة والمقنعة عن الاسئلة الحائرة والمعلقة.. غياب صناع القرار عن اهم واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه وطنهم الواقف على قدم واحدة، والمطحون بين شقي رحى سياسية واقتصادية فظيعة.
في غياب المبادرة والمبادأة والمكاشفة والوضوح، تهتز بوصلة الرأي العام، وتكثر التخيلات والمبالغات والاراجيف، وتستشري الشائعات وحملات الهمس والدس وإفساد ذات البين، وتتهيأ الفرصة لنشر اباطيل واضاليل عناصر “الطابور الخامس”، ودواعش الجماعات التكفيرية الذين نجحوا جداً في توظيف مختلف وسائل الاعلام لترويج بشاعات القتل والذبح والاجرام.
بلادنا باسرها اصبحت اليوم غابة اسئلة وعلامات استفهام عطشى للردود عليها، فما ان يلتقي احدنا بالآخر، او يغشى جماعة او ندوة حتى تهاجمه ادوات الاستفهام حول واقع الحال وموضوعات الساعة وخفايا الامور.. وما ان يتضح ان المسؤول ليس اعلم من السائل، حتى تبرز سريعاً على الوجوه امارات الحيرة والاحباط واللا جدوى.
قبل يومين طرحت “المجد” سؤال المرحلة الراهنة علٌّى احد “قرامي” الحكم المعتبرين، فقال بامانة وشرف، انه قد وجه هذا السؤال الى الدكتور عبدالله النسور، رئيس الوزراء “الخالد”، فاقسم له بالله انه لا يعرف حتى الآن شيئاً عن “خارطة الطريق” الى الغد، ولا يعلم ان كانت حكومته باقية او راحلة، ولا موعد الرحيل او مدة البقاء.
طيب، هل هذه علامة صحة سياسية، ومؤشر مسيرة ديموقراطية؟؟ ام اننا عدنا الى آثام الزمن العرفي والنهج الفردي والقرار الفوقي التي توهمنا اننا قد تجاوزناها، ليس بعد “الربيع العربي” المزعوم، بل منذ انتفاضة نيسان المجيدة التي وضعت، قبل نيف وربع قرن، حداً للفساد والاستبداد والاستكبار، قبل ان تغتالها معاهدة وادي عربة.
ليس في صالح الحاكم او المحكوم ان يستمر الحال على هذا المنوال، وتتسع رقعة التباعد والقطيعة وسوء الفهم بين الجانبين، وينفتح المجال واسعاً امام القوى المتربصة للنفاذ الى عقر بيتنا الاردني، والعمل على تخريبه وترهيبه وضرب ركائز امنه واستقراره، شأن ما جرى ويجري في اقطار شقيقة اخرى.
لم تكن وحدة الصف والهدف مطلوبة اردنياً او عربياً في اي وقت مضى اكثر منها الآن، ولم تكن فضيلة المشاركة الشعبية والتراضي العام مهمة وضرورية في اي وقت اكثر منها الآن، ولم تكن خطيئة التدابر والتشاحن والانقسام خطيرة وملعونة في اي وقت مضى اكثر منها الآن.. فالاجواء العربية والاقليمية والدولية مسمومة باكثر مما تحتمل، والاوضاع السياسية والاقتصادية والطائفية والاخلاقية مأزومة الى اقصى الحدود، والدماء المتعددة الجنسيات تسيل غزيرة ورخيصة في سائر انحاء العالم.
يقول لك بعض هواة التنجيم السياسي، ان هذه الحالة الضبابية والانتظارية مقصودة ومتعمدة، نظراً لانها تتلاءم تماماً مع لعبة المفاجآت، ودراما المبني للمجهول، ومزاج العزف المنفرد الذي يأبى مشاركة الآخرين.. ويقول لك هواة اخرون ان هذه الحالة الضبابية نتاج رهانات سياسية على متغيرات وانقلابات اقليمية وعربية وشيكة الوقوع.. ويقول لك هواة غيرهم ان المسألة برمتها مرتبطة بالمطابخ والمراكز الاجنبية التي سبق لها ان طبخت قانون الانتخابات النيابية، والتي تعكف حالياً على استكمال ما تبقى من تعليمات وتوجيهات سوف تمليها علينا بمجرد الانتهاء من طهيها على نار هادئة.
ايها السادة.. ليكن في معلومكم ان هذه الحالة المموهة والملتبسة ليست مجانية بلا ثمن، وانما هي باهظة الكلفة والخسران، سواء على الصعيد الاقتصادي المتعثر، او السياسي المتأرجح والمترنح، او حتى السيكولوجي والمعنوي الشديد الهبوط والانخفاض لدى السواد الاعظم من ابناء الشعب.. فمتى تعثر الاسئلة العطشى على ما يروي الظمأ ويشفي الغليل ؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى