اوباما يفضح حلفاءه ويكشف دورهم التآمري على سوريا
فعلها باراك اوباما.. بق البحصة وفضح الطابق، وهو لا يزال متربعاً على سدة الحكم الامريكي وعرش البيت الابيض.
لم ينتظر انتهاء ولايته وكتابة مذكراته حتى يبوح بمكنونات قلبه واسرار عهده، مثلما يفعل الساسة الاخرون، بل شن، في مقابلة صحفية مطولة، هجوماً انتقادياً لاذعاً على زمرة من الحكام المحسوبين على امريكا والدائرين في فلكها، وقال فيهم ما لم يقله الامام مالك في الخمر.
وسواء تحدث اوباما بفعل “صحوة ضمير”، او لغرض دخول التاريخ من اوسع الابواب، او بهدف دفع هؤلاء الحكام الاتباع اليائسين من امريكا الى الارتباط باسرائيل القريبة والقادرة على حمايتهم من ايران.. فالثابت ان هذه التصريحات الاوبامية قد اصابت هؤلاء المحاسيب والاتباع في مقتل، وقللت هيبتهم وشوهت صورتهم في عيون شعوبهم والعالم.
فقبيل انتهاء ولايته الرئاسية الثانية، أجرى أوباما مقابلة مطولة من 83 صفحة مع جيفري غولدبرغ في مجلة ”ذي أتلانتك”، تحدث فيها بشكل مطول عن أغلب الأحداث المفصلية التي اعترضت ولايته الثانية ولاسيما الحرب في سوريا، وموقفه من حلفاء واشنطن وخصومها.
وقد احتوت الصفحات الـ 83 مقابلات مع أوباما ومع مسؤولي فريقه وغيرهم، ومع سفراء وقادة بعض الدول، تحدثوا عن ”عقيدة أوباما”، في مادة مبنية أيضاً على خطاباته السابقة ومقابلات مع مسؤولي السياسة الخارجية ومستشاريه للأمن القومي، ومع قادة غير أميركيين وسفراء في واشنطن، وأصدقاء لأوباما، كلها من أجل شرح ”خرق” أوباما لـ”كتيّب قواعد” اللعبة المتّبع في السياسة الخارجية الأميركية، والذي عادة ما يلجأ إلى خيار القوة والتدخلات العسكرية في مختلف دول العالم.
وقال جيفري غولدبرغ فيما أسماه ”عقيدة أوباما” ان هذه المادة عن السياسة الامريكية الخارجية كانت خلاصة سلسلة من اللقاءات التي جمعته مع أوباما في البيت الأبيض وعلى متن الطائرة الرئاسية الأولى، وخلال آخر زيارة للرئيس الأميركي إلى كوالالمبور في تشرين الثاني الماضي. بالإضافة إلى مقابلات وخطابات سابقة له.72 صفحة تناول فيها الكاتب أبرز الملفات والتحديات لسياسة أوباما الخارجية في مقدمها سقوط خطوطه الحمراء في سوريا من خلال رفض كل الدعوات الخارجية والداخلية للتدخل العسكري في سوريا، بالإضافة إلى ليبيا وما اعتبره ”خطأ” حمل مسؤوليته لشركائه الأوروبيين وصولاً إلى الاتفاق النووي الإيراني وتطبيع العلاقات مع كوبا والعلاقة مع إسرائيل. تحت هذه العناوين يتحدث أوباما عن نظرته لبعض دول أوروبا والخليج ولرؤساء في العالم مثل الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بدأت الصفحات الـ83 التي تشكل هذه المقابلة بالنقاشات التي سبقت الإعلان عن إمكانية القيام بعمل عسكري في سوريا على خلفية اتهام الحكومة باستخدام أسلحة كيميائية في آب عام 2013. وهي أيضاً تنتهي بسوريا وبرؤية أوباما المتمثلة في الابتعاد عن الحل العسكري فيها، وفي داخل هذه الصفحات حديث عن الرئيس التركي ”الفاشل” رجب طيب أردوغان، وعن تصدير الفكر الوهابي من السعودية إلى دول العالم، ومنها إندونيسيا، وأيضاً عن خيبة الأمل برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي لم يساعد في التوصل إلى حل الدولتين.
الاسد ليس الرئيس مبارك
كان اوباما يعتقد أن الأسد سيرحل بالطريقة التي رحل بها مبارك” ينقل غولدبرغ عن مستشار أوباما السابق للشرق الأوسط دنيس روس، لكن مع تشبث الأسد بالسلطة، يقول الكاتب كانت مقاومة أوباما للتدخل المباشر في سوريا تكبر. يروي غولدبرغ أن مندوبة الولايات المتحدة الأميركية الحالية لدى الأمم المتحدة سمانثا باور كانت من أكثر المتحمسين بين مستشاري أوباما للتدخل في سوريا، كما أنها طرحت باكراً تسليح المتمردين السوريين. تعتبر باور أحد مؤيدي عقيدة ”مسؤولية الحماية” التي تقوم على أنه يجب عدم اعتبار التدخل خرقاً للسيادة حين يقوم بلد بذبح شعبه.
حاولت صاحبة كتاب ”مشكلة من الجحيم.. أميركا وعصر الإبادة” الذي صدر عام 2002 أن تقنع أوباما بإعلان تأييده لهذه العقيدة في خطابه خلال تسلمه جائزة نوبل للسلام عام 2009 لكنه رفض. إصرار باور كان يدفعها أحياناً إلى مناقشة أوباما حول الموضوع أمام مسؤولي مجلس الأمن القومي لدرجة لم يتمكن في إحدى المرات من إخفاء غضبه حيث بادرها بالقول ”سمانثا يكفي.. لقد سبق أن قرأت كتابك”.ينقل الكاتب عن أوباما قوله ”إن فكرة أنه كان يمكننا تغيير المعادلة على الأرض بطريقة نظيفة لا ترتب التزاماً على القوات العسكرية الأميركية لم تكن يوماً صحيحة”.
العدول عن ضرب سوريا
يقول اوباما في هذه المقابلة أنه بالمحصلة قد وجد نفسه تحت ضغوط داخلية وخارجية دفعته إلى إعلان نية التدخل العسكري في سوريا في عام 2013 إثر التقارير التي تحدثت عن استخدام غاز السارين في الغوطة؛ الاجتماعات مع مسؤولي السياسة الخارجية وفريقه الأمني كانت تطلب منه التحرّك عسكرياً. ولكن بحسب غولدبرغ، فإن ”أوباما لم يكن يعتقد بأن الرئيس يجب أن يعرّض الجنود الأميركيين لخطر كبير من أجل تجنّب كوارث إنسانية، إلا في حال كانت هذه الكوارث تشكل خطراً على الولايات المتحدة”. في هذا الإطار يقول الكاتب الأميركي إن أوباما كان يرى أن ”سوريا تشكل منحدراً مثلها مثل العراق”، وهو توصّل، خلال ولايته الأولى، إلى اعتقاد مفاده أن ”التهديدات تبرر تدخلاً أميركياً مباشراً، هي تنظيم القاعدة، والتهديد لوجود إسرائيل، وأيضاً التهديد الذي يشكله السلاح النووي الإيراني والذي يرتبط بأمن إسرائيل”. لذا، ”لم يصل الخطر الذي يشكله نظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى مستوى هذه التحديات”.
آب 3102 كان مهماً جداً في ”عقيدة” أوباما، وفق غولدبرغ. حينها عدل عن القيام بعمل عسكري، بعدما كان قد مهّد لذلك في خطاب ألقاه في البيت الأبيض على خلفية حديث مساعديه ووزير الخارجية جون كيري عن مصداقية أميركا ومستقبل مصالحها وحلفائها الذي أصبح على المحك.
بناءً على خطاب أوباما كان هناك الكثير من المسرورين بقرار التدخل العسكري، ومن هؤلاء السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير الذي أصبح وزيراً للخارجية. يومها، أخبر الجبير أصدقاء له، وأيضاً مسؤوليه في الرياض، أن ”الرئيس أخيراً جاهز لضرب سوريا”. ”أوباما أدرك مدى أهمية هذا الأمر”، قال الجبير لأحد محاوريه، مضيفاً ”هو بالتأكيد سيضرب”.
المتحمّسون لضرب سوريا
ولكن أوباما الذي كان قد طلب من البنتاغون وضع لائحة بالأهداف، ”يؤمن بأن مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية، التي يزدريها سراً، تصنع من المصداقية أمراً معبوداً، خصوصاً المصداقية التي يتم الدفاع عنها بالقوة”، على ما نقل عنه غولدبرغ.
لذا، ”وجد أوباما نفسه يتراجع عن فكرة القيام بهجوم غير مصرّح به من القانون الدولي أو الكونغرس”. ومن أسباب العدول عن ضرب سوريا، قال لغولدبرغ، إن ”الشعب الأميركي بدا غير متحمّس للتدخل في سوريا، وأيضاً عدداً من القادة الغربيين الذين يحترمهم، مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ثم جاء رفض البرلمان البريطاني السماح لكاميرون بالهجوم على سوريا”.
إضافة إلى ذلك، ساهم مدير الاستخبارات الوطنية في تردّد أوباما في ضرب سوريا، عندما زاره وأخبره بأنه على الرغم من أن المعلومات عن استخدام غاز السارين في سوريا تعتبر ضخمة، إلا أنها لا تشكل ”ضربة مضمونة”. كلابر الذي يترأس مجتمعاً استخبارياً مصدوماً من فشله في ما يتعلق بالحرب على العراق، حرص على استخدام مصطلح ًَل ٍفٌ، وهو لم يطلق وعوداً كبيرة لأوباما، كما فعل سابقاً مدير وكالة الاستخبارات جورج تينيت الذي ضمن للرئيس الأسبق جورج بوش ”ضربة مضمونة” في العراق.
من هنا، يقول غولدبرغ إنه ”بينما كان البنتاغون وفريق أوباما الأمني يستعدان للحرب، كان الرئيس قد توصل إلى اعتقاد بأنه كان يسير الى فخ ــ يقوده إليه حلفاؤه وأعداؤه ــ”. عندها، أخبر أوباما مساعديه بعدوله عن الضربة العسكرية.
وفيما بعد قال اوباما : انا فخور بتلك اللحظة، لقد كان التصور السائد ان مصداقيتي ومصداقية امريكا على المحك، وبالنسبة لي فان الضغط على زر التوقف في تلك اللحظة كان من شأنه ان يكلفني سياسياً.. لقد كنت اعرف ذلك.
الحلفاء غاضبون
القرار أغضب حلفاء كثيرين، ومنهم وليّ عهد أبوظبي محمد بن زايد، ”الذي كان غاضباً من أوباما لتخلّيه عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك”.
ابن زايد قال لزائريه الأميركيين إن ”الولايات المتحدة يقودها رئيس غير جدير بالثقة”، وهناك حاكم عربي اخر كان مقتنعاً بفكرة أن أوباما يبتعد عن حلفائه التقليديين وينشئ تحالفاً جديداً مع إيران. وقال لأحد المقرّبين ”أؤمن بقوة أميركا أكثر ممّا يفعل أوباما”. السعوديون أيضاً غضبوا من العدول عن الضربة، حينها عاد الجبير وقال للمسؤولين في الرياض ”إيران هي القوة الكبرى الجديدة في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة هي القوة القديمة”.
إلا أن طريقة الخروج التي لاحت أمام أوباما كانت خلال قمة العشرين التي عقدت في سانت بيترسبرغ، والتي عقدت بعد أسبوع على النقاش بشأن سوريا. يومها انفرد أوباما بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين جانباً، وقال له ”إذا أجبرت الرئيس الأسد على التخلص من الأسلحة الكيميائية، فإن هذا الأمر يلغي الحاجة لقيامنا بعمل عسكري”. خلال أسابيع، كان كيري يعمل مع نظيره الروسي سيرغي لافروف من أجل هندسة ”إزالة” ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية.
نتنياهو مخيّب
بعض أكبر خيبات أمله، وفق غولدبرغ، كان سببها بعض القادة في الشرق الأوسط أنفسهم. نتنياهو يدخل من ضمن هؤلاء، إذ إن أوباما كان ”يعتقد أن نتنياهو يمكن أن يوصل إلى حل الدولتين”. وفي ”إحدى الزيارات التي قام بها نتنياهو لواشنطن، عام 1102 ، بدا كأنه يعطي أوباما محاضرة بشأن التهديدات التي تحيط بإسرائيل”، فكان ردّ أوباما وهو غاضب ”أنا أجلس هنا في البيت الأبيض، لكني أفهم جيداً عمّا تتحدث، وما هي مشاكل الشرق الأوسط”. ولكن من جهة أخرى، عبّر أوباما عن إعجابه بـ”صمود الإسرائيليين في وجه الإرهاب المتواصل”.
السعودية مصدر الارهاب والتطرف
واتهم الرئيس الامريكي السعودية بشكل مباشر بنشر التطرف والارهاب في المنطقة والعالم بنشرها للمذهب الوهابي، وضرب مثلا بكيفية استخدام المال السعودي والخليجي في تغيير طبيعة الاسلام المعتدل في اندونيسيا،على سبيل المثال، التي تحجبت نساؤها من تأثيره، وقال ذلك صراحة لرئيس وزراء استراليا الذي التقاه في مؤتمر بالعاصمة الاندونيسية التي عاش ودرس فيها اوباما اربع سنوات، وعندما سأله تيرنبول ”لماذا يحصل هذا الأمر؟”، فأجابه أوباما ”لأن السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين (لإسلاميين) إلى البلد”. وأضاف ”في عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة”. عندها سأله تيرنبول ”أليس السعوديون أصدقاءكم؟”، فأجابه أوباما بأن ”الأمر معقد”.
وعقب جيفري غولدبرغ بالقول ”في البيت الأبيض، يمكن سماع المسؤولين يقولون لزائريهم إن العدد الأكبر من مهاجمي 11 أيلول لم يكونوا إيرانيين”. حتى إن أوباما نفسه يهاجم السعودية في الغرف المغلقة قائلاً إن ”أيّ بلد يقمع نصف شعبه، لا يمكنه أن يتصرّف بشكل جيّد في العالم الحديث”.
وأشار الكاتب إلى أن أوباما ”غاضب من العقيدة السياسية الخارجية التي تجبره على معاملة السعودية كحليف”.
ويرى أوباما ، وفق غولدبرغ، أن ”الحروب والفوضى في الشرق الأوسط لن تنتهي، إلا إذا تمكنت السعودية وإيران من التعايش معاً والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام”.
اردوغان فاشل وديكتاتور
وحول العلاقة بين بلاده وتركيا، هاجم الرئيس اوباما بشدة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ووصفه بـ”فاشل وديكتاتور”، واعتبر أوباما اردوغان أحد مصادر أحباطه، والذي كان ينظر إليه أوباما في البداية على أنه ”قائد مسلم معتدل يمكن أن يكون جسراً بين الشرق والغرب”، ولكنه اليوم يعتبره ”فاشلاً واستبدادياً، يرفض استخدام جيشه الضخم من أجل المساهمة في إعادة الاستقرار إلى سوريا،”بناءً عليه، ينقل عنه غولدبرغ قوله بـ”أسلوب ساخر”، ”كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو عدد قليل من الاستبداديين الأذكياء”.
التناقضات لدى أوباما كثيرة. ووفقاً لوزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا، أوباما كان يطرح الكثير من الأسئلة، ومنها ”لماذا على الولايات المتحدة أن تحافظ على التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي مقارنة بالحلفاء العرب؟”. هو أيضاً ”تساءل عن الدور الذي يلعبه حلفاء الولايات المتحدة العرب في دعم الإرهاب المعادي لأميركا”.
واعرب عن اعتقاده بأن السعودية لا يمكن ان تتقدم مطلقا باضطهادها لنصف تعداد سكانها، اي النساء، ولمح الى مصر عندما قال ان على مصر والسعودية ان تتوقفا عن التسامح مع الفساد واضطهاد شعوبهما، وقمع معارضيهما اذا ارادت ان تحقق الرخاء والاستقرار لشعوبها.
الاوروبيون حرضوا على ليبيا
وفي الملف الليبي ألقى بقدر من اللوم في الأزمة الليبية على حلفائه الأوروبيين. وقال: ”حين أرجع بالزمن وأسأل نفسي ما الخلل الذي حدث، تكون هناك مساحة للنقد، لأنني كانت لدي ثقة أكبر في ما كان سيفعله الأوروبيون في ما بعد، نظراً إلى قرب ليبيا”، وأضاف: ”هناك دول فشلت في توفير الرخاء والفرص لشعوبها. هناك أيديولوجيا عنيفة ومتطرفة أو أيديولوجيات تنشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي… هناك دول فيها القليل جداً من العادات المدنية، وبالتالي حين تبدأ الأنظمة الشمولية بالتداعي، فإن المبادئ المنظمة الوحيدة الموجودة تكون الطائفية”.