لدى توقيف الشيخ زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين ليل الخميس الماضي، تصاعدت وتيرة الاسئلة وعلامات الاستفهام حول مستقبل العلاقة بين الحكومة والجماعة، وطبيعة المآلات التي يمكن ان تؤول اليها هذه العلاقة المتوترة اصلاً، ومدى تأثير حالة العداء المصرية – الخليجية للاخوان وانعكاسها على الساحة الاردنية، وتحديداً بعد قمة الرياض الخليجية التي انعقدت الاسبوع الماضي، وافضت بموجب ”اتفاق الرياض التكميلي” الى نوع من التهدئة والمصالحة مع مشيخة قطر.
وقد عقب سياسي حسن الاطلاع ”للمجد” على توقيف بني ارشيد بالقول، يبدو ان الفريق المتشدد في دائرة صنع القرار الرسمي الذي يدعو منذ مدة ليست قصيرة لملاحقة صقور الاخوان وكسر شوكتهم، وتحديداً همام سعيد وبني ارشيد، قد تغلب اخيراً على الفريق المعتدل الذي طالما حبذ استخدام ”القوة الناعمة” ضد جناح الصقور، وضربه من داخل الجماعة بايد زمزمية وحمائمية، وليست مجابهته صراحة ومباشرة لئلا يتحول قادته في اعين الناس الى ابطال بواسل ومشاريع شهداء.
وقد لاحظ المراقبون ان اعتقال بني ارشيد جاء على خلفية خليجية، وليس لمسوغات اردنية، حيث سبق للرجل ان وجه انتقادات متعددة للجهات الرسمية دون ان تجري محاسبته، ذلك لان انتقاداته الحادة لدولة الامارات حول قرارها الاخير الخاص بالجماعة شكلت القشة التي قصمت ظهر البعير، ما يعني ان الحكومة اصطادت عصفورين بحجر واحد، فهي من جهة استرضت دولة الامارات، واكدت لها من خلال عملية الاعتقال حرص الاردن الرسمي على متانة العلاقات بين البلدين، ومن جهة اخرى رفعت الكرت الاحمر بوجه الجماعة، واوحت لها انها مرصودة ومحسوبة عليها انفاسها، وليست بعيدة او كبيرة على اي اجراءات رسمية تعطل هرولة الجماعة باتجاه التنظيم الدولي، والمخططات والاحابيل الاردوغانية.
وكانت الجهات الرسمية، وما زالت، تأخذ على الاخوان انهم يقدمون انتماءاتهم الحزبية وتحالفاتهم الدولية وارتباطاتهم بالتنظيم الدولي للجماعة على كل اعتبار، وانهم من هذا المنطلق لا يقيمون وزناً لارتباط الاردن بتحالفات اقليمية ودولية من شأن الاخلال بها ان يعرض المصلحة الوطنية للخطر.
وتوجه هذه الجهات اصابع الاتهام تحديداً الى جناح الصقور في الجماعة، وتقول انه الاشد ارتباطاً بالاجندات الخارجية واستهانة بالمصالح الوطنية الاردنية.. مشيرة الى ان ضرب هذا الجناح من شأنه تقوية الاجنحة المعتدلة داخل الجماعة، والعودة بها الى سابق تعاونها مع الدوائر الاردنية بدل الانصراف لخدمة مشاريع الآخرين خارج الحدود.
وتقول هذه الجهات الرسمية ان صقور الاخوان الذين يريدون تعكير صفو العلاقة مع دولة الامارات والمحور المصري- الخليجي كله، لا يتورعون عن محاباة تركيا والوقوف بحزم الى جانب قيادتها الاردوغانية الاخوانية، رغم انها تخوض صراعاً سرياً وتنافسياً مع القيادة الاردنية، حول حقها في الولاية على المقدسات الاسلامية في القدس المحتلة.
فالقيادة التركية دخلت – بعد خلافها العلني مع مصر وسوريا والسعودية – في خلاف ما زال مكتوماً وسرياً مع الاردن، حول موضوع الولاية على المقدسات الاسلامية في القدس المحتلة.
وقال مصدر دبلوماسي حسن الاطلاع ”للمجد” ان القيادة التركية الاردوغانية تعتبر نفسها اقدر واجدر من الاردن في رعاية هذه المقدسات والحفاظ على حقوق المسلمين فيها، نظراً لتفوق تركيا على الاردن في قوة الحضور الاسلامي العالمي، ولنفوذها الكبير والقديم لدى الدولة العبرية المحتلة.
وافاد المصدر ان الرئاسة الاردوغانية قد سعت، ولا تزال تسعى لدى المحافل الدولية واليهودية واروقة الامم المتحدة لحملها على تهميش دور الاردن والسلطة الفلسطينية في القدس، مقابل توسيع الحضور التركي في المدينة المقدسة عموماً، والوصاية على المسجد الاقصى بشكل خاص.
ولم يستبعد المصدر وجود تواطؤ تركي – اسرائيلي لمصادرة الدور الاردني في رعاية هذه المقدسات الاسلامية الذي كفلته معاهدة وادي عربة، وهو الامر الذي دفع القيادة الاردنية الى اثبات وجودها من خلال بذل اقصى جهودها مؤخراً لتأكيد ولايتها على المقدسات، وتخفيف القبضة الاسرائيلية عن المسجد الاقصى وتمكين ابناء الشعب الفلسطيني من مختلف الاجيال من الصلاة فيه.. ولكن مقابل ثمن باهظ لا بد ان يدفعه – وربما يكون قد دفعه – الاردن لحكومة نتنياهو الليكودية.
واشار هذا المصدر الدبلوماسي الى ان التنظيم الدولي للاخوان المسلمين الذي يتخذ الآن من اسطنبول مقراً له بعد طرده من القاهرة، ضالع في هذا المخطط الاردوغاني، ومنخرط باقصى طاقته في الترويج له والاسهام في تنفيذه، انطلاقاً من كراهيته لكل من الاردن والسلطة الفلسطينية، باعتبارهما طرفين في المحور العربي المعادي للاخوان المسلمين، والذي يضم ايضاً كلا من مصر والسعودية والبحرين ودولة الامارات العربية.
موقف التنظيم الدولي للاخوان المسلمين انعكس على الساحة الاردنية في صورة خلاف اضافي جديد بين جماعة الاخوان المسلمين (الاردنيين) وبين الدوائر الحاكمة التي تتهم الجماعة بلعب دور ”حصان طروادة” والتحطيب في الحبال التركية على حساب المصلحة الوطنية الاردنية.
فقد نقلت يومية ”الدستور” عن مصدر سياسي رسمي قوله ان ادعاءات اجنحة الجماعة معروفة ببرغماتيتها في تشكيل سياساتها، كانت بمثابة ايجاد تحالفات خارجية مع دول اقليمية كتركيا مثلاً، ومحاولة اذابة الدور الاردني الهاشمي والوصاية على القدس، تحضيراً لتقوم هذه الدول بأخذ دور الاردن في خدمة غير مباشرة لاجندة تستهدف زيادة الخلافات حول ملف القدس بين مختلف الدول الاقليمية، وبالتالي ترك القدس في براثن اسرائيل.
واضافت ”الدستور” تقول : المحزن ان هذه الشعارات التي ترفعها بعض اجنحة الجماعة هي كلمات حق يراد بها باطل، اذ ان هناك صندوقاً هاشمياً مخصصاً لدعم واسناد القدس وجمع التبرعات لها، ولم تقم قيادة الجماعة واذرعها بالتبرع لهذا الصندوق، بل سعت الجماعة عبر اطار اقليمي تقوده تركيا وفق قرارات للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين، الى تشكيل صناديق موازية خدمة لاهدافها واجنداتها التي تستهدف اساساً الدور الاردني الهاشمي في القدس.
قبلها كانت يومية ”الغد” قد تطرقت الى هذا الموضوع عبر مقال بتوقيع الزميل جهاد المحيسن حمل عنوان ”اردوغان يغمز بالوصاية على القدس”.
وقال المحيسن في مقاله : آخر صرعات اردوغان انه يطرح وبوقاحة عبر حكومته محاولتها الحصول على حق الوصاية والدفاع عن المقدسات الاسلامية في القدس بعد كف يد العائلة الحاكمة في الاردن، وانهاء وصايتها عليها كما يدعي، وبحسب مصادر موثوقة فان مسؤولين اتراك التقوا في الآونة الاخيرة وزراء اردنيين، والمحوا الى رغبة الرئيس رجب طيب اردوغان في الحصول على حق الوصاية على القدس.
اما على صعيد ردود الفعل الاخوانية على عملية الاعتقال فقد ركزت على الاستهجان والرفض والمطالبة باطلاق سراح بني ارشيد وباقي المعتقلين المنتمين للحزب والجماعة، حيث دعا مجلس الشورى لحزب جبهة العمل الاسلامي الحكومة للمسارعة في الافراج عن كافة المعتقلين السياسيين واصحاب الرأي وعلى رأسهم الشيخ زكي بني ارشيد، مؤكداً ان اعتقال بني ارشيد يفتقر الى ادنى المعايير (الاخلاقية والانسانية) وحقوق المواطنة، فضلاً عن مخالفة هذا الاجراء للقانون واحترام الدستور.
من جانبها اصدرت عشيرة الشيخ زكي بياناً مغفلاً من التواقيع، طالبت فيه باطلاق سراح ابنها، وهددت بالتصعيد ما لم تستجب الحكومة لطلبها علاوة على الاعتذار عن عملية الاعتقال امام الرأي العام.
وبرغم الخلاف السياسي المعروف بين ”المجد” وجماعة الاخوان، الا انها تضم صوتها الى اصوات الرافضين لاعتقال بني ارشيد وعدد من الكوادر الاخوانية، والمطالبين بالافراج الفوري عنهم، بل واغلاق باب الاعتقال ومصادرة الحريات لاسباب سياسية، مقابل فتح ابواب التحاور والتهدئة والتوافق الوطني بين سائر المكونات السياسية والايولوجية والاجتماعية داخل البيت الاردني، وذلك حفاظاً على مرتكزات الامن ومقومات الاستقرار ووشائج الوحدة الوطنية والسلم الاهلي والتراضي العام.
1 تعليق
عرابي محمد
المجد تصطاد في الماء العكر وتخلط السم بالدسم وهي معادية للإخوان المسلمين وهذا الموقف من الخلاف بين الجماعة والحكومة الأردنية الذي يظهر بمظهر الداعي إلى التفاهم بين الطرفين بينما في الواقع يدل بشكل قاطع على هذا العداء خاصة وأنها تحرض على الجماعة من خلال تضخيم موضوع الوصاية على القدس والدور الذي تصوره المجد بأن الإخوان يلعبونه بسعيهم لتجريد الأردن من هذا الدوروكأن هذا الدور يخدم القضية الفلسطينية مع أن هذا الدور يساعد العدو الإسرائيلي في إدامة الإحتلال عن طريق مساعدته في إدارة الصراع مع الفلسطينيين وإبقاء وضع الإحتلال المريح له كما هو عليه