إن الاستبداد والإقصاء وتغييب العدالة في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو في الفرص المتاحة أمام المستثمرين في قطاعات متعدده سواء كانت متعلقة بالخدمات المالية أو صناعة الطاقة ومشتقاتها مسألة أخذت شكل الظاهرة في دول العالم الثالث بشكل عام وتميزت بحضورغير محمود العواقب في الدول العربية على وجه الخصوص.
أن تحقيق العدالة حتى في الدولة المتقدمة التي أرست قواعد سيادة القانون، بقيت نسبية قياساً بحق الإنسان في أن ينال حقوقه الأساسية في الصحة والتعليم، وسلامة المأكل وتوفير النقل بأسعار في متناول الجميع، حيث بقى الصراع الأكثر شراسة هو ذاك الذي سيطر على العالم والمحتدم ما بين القوى الرأسمالية والقوى الأخرى رغم محاولة القوى الرأسمالية جاهدة في الاختباء خلف لافتات الطائفة والعرق وغيرها من المظلات التي استغلتها هذه القوى أبشع استغلال خلال القرن الماضي ومطلع القرن الحالي.
لقد نجحت الإدارة الأمريكية وارثة الإمبراطورية البريطانية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية في تحقيق تقدم كبير في غزوها لأقطارنا العربية بدون عسكر، حيث نجحت عبر تحالفاتها المختلفة مع دول النفط أولاً ولدعمها للدول المستبده في وطننا العربي بالعتاد والمال ثانياً، في تدمير النماذج العربية النازعة نحو تحقيق استقلال سياسي واقتصادي واجتماعي ثالثاً.
لقد تجلت أبشع صور الواقع العربي ما تشهده الذات اليوم من تيه وضياع وغياب الهدف بعد أن نجح هذا الغزو الخارجي العسكري والثقافي في تفكيك علاقة المواطن العربي بوطنه الكبير ووطنه الصغير (الكيان القطري) الذي أنتجه هذا الغرب الذي فكك بنياننا وأوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من دويلات، شكل حضورها وخاصة النفطية منها اداة لتحقيق ما فشلت دول الغرب من تحقيقه بعد ان استخدمت الأموال الفائضة لديها من عوائد النفط في تدمير دول عربية كانت دائماً قاعدة انطلاق الأمة نحو تحررها وتقدمها.
إن الاستبداد السياسي الذي حكم أقطارنا العربية كان البوابة الرئيسية لخلق البيئة الحاضنة للتطرف الذي اجتاح وطننا واشتقاقاً من هذا الاستبداد غابت العدالة على اكثر من صعيد حيث تصاعدت نسب البطالة ونسب الفقر وتحولت هذه الأقطار إلى مزارع يملكها السياسيون على وجه الخصوص بعد أن نجحوا بالتحالف مع أصحاب رؤوس الأموال في أكثر من قطاع وخاصة القطاع الخدمي والمتمثل بالمالي كالبنوك والتأمين والاستشارات والتجارة، مما أدى إلى استثمار الوظائف الحكومية وفي السيطرة على مفاتيح الاقتصاد المختلفة وخاصة منها فروع الاقتصاد الفوقي كما ذكرت وعلى حساب الاقتصاد التحتي (الصناعة والزراعة) الذي يشكل القاعدة الصحيحة للتنمية والتقدم والتحرر من تبعيته للاقتصاد الغربي.
لقد خرب هذا التحالف الغربي/ والنظام الرسمي العربي أكثر من قطر عربي ونجح في استثمار البيئة التي كانت من صنيعه، بإدارة الصراع لصالح الغرب ورأس حربته الكيان الصهيوني حيث دمر العراق الذي شكل قاعدة ومثال للاستقلال السياسي والاقتصادي والأقرب للتطور الاجتماعي باعتماده البعد القومي العربي في تجميع شتان الأمة الذي خيم على وطننا خلال الربع الأخير من القرن الماضي، ولاحق تالياً الدولة السورية التي كانت حاضنة المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية على حد سواء في وقت أصبح فيه الوقوف إلى جانب هذه المقاومات و/أو دعمها أو تشكيل لجان لمساندتها، جريمة يحاسب عليها القانون في أكثر من دولة عربية بعد أن استغلت الولايات المتحدة و/أو صنعت هذه الدولة (الولايات المتحدة) أحداث أيلول، لتسطو على التشريع العربي على وجه الخصوص والعالمي على وجه العموم بوضعها قوانين وتشريعات مكافحة الإرهاب!؟.
إن التطرف الديني الذي أنتجته هذه البيئة التي صنعها الغرب وحلفائه في الأقطار العربية والأكثر تجلياً إشعال فتيل الحرب المذهبية في الدين الواحد، يشكل طلقة الرحمة على الإسلام السياسي الذي لا تريده الغالبية من أبناء امتنا، والتي تعتبر المدخل الحقيقي للسير قدماً نحو الدولة القومية المدينة التي تؤمن بتوفير الأمن والأمان لمواطنيها اللذين من حقهم أن يشاركوا في صنع مستقبلهم من خلال التنظيم وأدواته القومية التي ستبقى هي الحل أولاً ودائماً لمختلف الأديان والأعراق، التي امتد حضورها في الوطن العربي منذ ألاف السنين.