سمير الرفاعي مرشح وهمي وناصر اللوزي هو الاقرب لتشكيل حكومة جديدة

من ابلغ حكم ومأثورات المفكر الاشتراكي المعروف كارل ماركس قوله ”ان التاريخ لا يكرر نفسه الا في احدى صيغتين : مهزلة او مأساة”، ولكن يبدو ان التاريخ الاردني سوف يتكرر، بخصوص جدلية ناصر اللوزي وسمير الرفاعي، في الصيغتين معاً ضمن تركيبة عجيبة تندرج تحت مسمى ”مهزاة”.

بدأت هذه الجدلية الثنائية اوائل شهر كانون الاول من عام 2009 حين نشرت الزميلة رندة حبيب، مراسلة اذاعة مونت كارلو ووكالة الصحافة الفرنسية في عمان خبراً مفاجئاً قالت فيه ان ناصر اللوزي، رئيس الديوان الملكي آنذاك قد تلقى تكليفاً ملكياً بتشكيل حكومة اردنية جديدة، خلفاً لحكومة نادر الذهبي التي تعتزم الاستقالة بين ساعة واخرى.
وبقدر ما فوجٌّئ الرأي العام الاردني، الذي يجري تشكيل وترحيل الحكومات من وراء ظهره، بخبر تكليف اللوزي، فقد فوجئ بعد وقت قصير بحصول العكس تماماً، حيث اتجهت بوصلة التكليف باسلوب درامي مثير نحو سمير الرفاعي الذي تولى بالفعل تشكيل حكومته الاولى عند منتصف شهر كانون الاول عام 2009.
انشغل المراقبون والمحللون واصحاب الصالونات السياسية المسترئسون والمستوزرون يومذاك بتحليل وتعليل اسرار واسباب هذه النقلة الانقلابية بين ناصر وسمير، وهذا الاختلاف القاطع بين ما جرى بالقول وما تم بالفعل، حيث زعم ”العليمون ببواطن الامور” ان ناصر اللوزي قد تكلف فعلياً بالتشكيل، ولكن والده المرحوم احمد اللوزي قد صادر هذه الفرصة – بحسن نية- حين سرّب هذه المعلومة الى الاعلام قبل صدور التكليف الرسمي عن الديوان الملكي.. غير ان ”المراقبين الخبثاء” سرعان ما شككوا في هذه الرواية، وزعموا ان التكليف قد اتجه منذ البداية الى سمير الرفاعي، وما ”همروجة” اللوزي الا ساتر دخاني يستهدف ذر الرماد في العيون، وصرف الانظار عن المكلف الحقيقي حتى لا يتم التشويش عليه، ووضع العصي في دواليب مشروعه.
هؤلاء المراقبون الخبثاء انفسهم يحاولون، بعد نحو ستة اعوام، اعادة انتاج التاريخ في صيغة تجمع بين المهزلة والمأساة، حيث يزعمون ان هناك لعبة ”تبادل ادوار” بين ناصر اللوزي المعتصم بالصمت والمتواري عن الانظار، رغم انه المرشح الارجح والاوفر حظاً للتشكيل، وبين سمير الرفاعي الذي يضع نفسه طوال الوقت تحت الاضواء، وينهمك حالياً في القاء المحاضرات وحضور الولائم وزيارة المحافظات وكل ما يلزم لصناعة الشعبية والالمعية والتواجد بين الناس، ويوحي للجميع بانه ”المبَشر” بتشكيل حكومة، بعد عيد الفطر، تخلف حكومة النسور المنتهية الصلاحية والطاعنة في العمر والعجز معاً.
الرفاعي يتنفل من اجل تلميع نفسه وتسويق شخصه من مدينة الى اخرى ومن منبر الى آخر، ولم تعد الساحة الداخلية باقتصادها المرهق الذي استغله الرجل باعتباره ”كعب اخيل” الذي سيعجل بنهاية حكومة النسور، بل تحول الى التنظير والحديث في الشؤون العربية والاقليمية، واسداء النصائح ”الاستراتيجية” للاطراف المختلفة.
ففي محاضرة القاها مساء يوم الثلاثاء الماضي في منتدى الفكر العربي بعنوان : ”الثوابت الاردنية والمتغيرات الاقليمية” قال : ”ان استقرار المنطقة يتطلب بناء علاقات متكافئة مع الدول الاقليمية المركزية، واخص هنا ايران وتركيا، وعلى قاعدة اساسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للاخرين، وقد برهنت الدول العربية عدم تدخلها في شؤون جيراننا الداخلية، والمطلوب هو المعاملة بالمثل، وان تتحول الاختلافات في الرؤى والمصالح والتوجهات الى مادة للحوار والتفاهم، وليس للمواجهة والصدام”.
الرفاعي في تلك المحاضرة، شرّق وغرّب، تحدث في القضية الفلسطينية وقال انها واجهت خطر التهميش خلال سنوات ما يسمى الربيع العربي، وانتقد الشكل الذي خرجت عليه الحكومة الاسرائيلية الاخيرة، لافتاً الى ان اليمين المتطرف سيدفع اكثر فاكثر باتجاه تعطيل التسوية وتجميد المفاوضات.
ثم تطرق الى جهود مكافحة الارهاب، وقال هذه الحرب فرضت علينا ولا يحمينا من تبعاتها الهروب من خوضها ببسالة واقدام، بل على العكس من ذلك، فان التردد في اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح وباختيار الشكل الصحيح هو ما يعرض الوطن واستقراره للكلف الباهظة.
وفي اطار تسويق مواقفه ونظرته الى مشاكل الاقليم ودول الجوار قال ان الازمة السورية، ازمة ضاغطة على الاردن، باكثر من مستوى، وللاردن مصلحة كبرى بحلها ودعم المبادرات الدولية، وبما يضمن وحدة سوريا الشقيقة وسلامة مؤسساتها وحماية شعبها، وان تستعيد عافيتها على قاعدة من التوافق ووقف نزيف الدم.
كما تطرق الى الملف العراقي، ممتدحاً دور الاردن الوطني والقومي تجاه اشقائه العراقيين، وتجاه حماية حدوده، وصون الامن القومي، ومنع تمدد الارهاب الى دول الخليج، مشيراً ايضاً الى ان امن الخليج هو ملف امن وطني اردني بالدرجة الاولى.
ورغم ان الرفاعي قد شعر بالخسران لدى خروج صديقه ونسيبه (شقيق زوجته) حسين المجالي من المشهد السياسي الحالي، الا انه لا يزال يهمس في مسامع اصدقائه واصفيائه واعضاء شلته المقربين منه، انه قاب قوسين او ادنى من العودة الى اكتاف الدوار الرابع واحضان رئاسة الحكومة، ليس لانه سوف يأتي بما لم يستطعه الاوائل، كما يقول الشاعر.. ولكن لان المراجع العليا تحرص على رفع معنوياته ورد الاعتبار له، بعدما كان قد جرى خلع حكومته، تحت ضغط الحراك الشعبي، في اليوم الاول من شهر شباط عام 2011.
المهم ان سيناريو التعتيم على اللوزي المرشح المرجح للتشكيل وابعاده عن الاضواء، مقابل توجيه الانظار والسهام الى الرفاعي المرشح الوهمي، قد اثبت نجاعته حتى الآن، ففيما يزاول اللوزي مهماته في الكواليس وخلف الستار وبدعم شديد من صديقه الوزير السابق باسم خليل السالم، تدور رحى التشاحن والتطاحن بين الرفاعي وحكومة النسور التي ردت على نيرانه بالمثل، واعادت نبش قضية بيع شركة توليد الكهرباء الاردنية الى شركة دبي كابيتال، ايام كان الرفاعي رئيساً لها عام 2007، ثم عمدت شركة دبي بعد ذلك الى بيعها لشركة كويتية بربح وفير.
الجدير بالذكر ان موجة من الهمس كانت قد انطلقت بترشيح اللوزي لتشكيل حكومة جديدة، لدى تقديمه الاستقالة اواخر شهر تشرين الاول من العام الماضي من رئاسة مجلس ادارة الخطوط الملكية الاردنية، ولكن هذه الموجة سرعان ما خمدت، ربما بفعل فاعل اراد عدم استباق الامور.
ختاماً.. هل لدى ”المجد” تأكيد ان هذا المخطط او السيناريو المرسوم سوف يتحقق على ارض الواقع قريباً خصوصاً عقب التغييرات الامنية الاخيرة؟؟ والجواب : كلا، فليس لدينا اي تأكيد او يقين قطعي، فبعد ان اكتسبت عمليات التشكيل والتبديل الوزاري صفة الاحاجي والالغاز، تحولت الصحافة الى بصّارة وبراجّة مهمتها التنجيم ومعرفة الحظ وقراءة الابراج وفناجين القهوة !!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى