السعودية.. من “عاصفة الحزم” الى “عاصفة الندم”

أعلن المتحدث الرسمي السعودي باسم “عاصفة الحزم” أحمد عسيري انتهاء عملية “عاصفة الحزم”، وبدء عملية “إعادة الأمل”.

وقال عسيري في مؤتمر صحفي، مساء امس الثلاثاء، إن انتهاء عاصفة الحزم جاء بناء على طلب الحكومة اليمنية بعد أن حققت أهدافها، مشيرا إلى أن عملية إعادة الأمل ستبدأ اعتبارا من اليوم الأربعاء، لـ”إعادة الأمل للشعب اليمني”.

وقد سارع المراقبون السياسيون والعسكريون المحايدون الى اعتبار هذا الاعلان المفاجئ عن انتهاء العدوان السعودي على اليمن, بمثابة خيبة امل سعودية في تحقيق أي من أهدافها المعلنة وهي: استعادة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي الموجود في الرياض وعودته الی عدن, وخروج الحوثيين والجيش اليمني من المدن التي يسيطرون عليها.

وكان جلياً في بيان وزارة الدفاع و كلام العسيري تخبط سعودي-خليجي واضح للخروج بنجاح ما، بعد هجوم مكلف ضد شعب فقير مستضعف، حيث كانت ومازالت السلطات السعودية تدعي أنها دخلت الحرب ضد اليمن بطلب من الحكومة اليمنية ولإعادة الشرعية في ذلك البلد، لكن وبعد عجز السعودية من إعادة هادي وإجبار الحوثيين علی الإنكفاء، إدعی البيان السعودي عن إنجاز كافة أهداف الهجوم ولخص الأهداف في إزالة الخطر الذي كان يهدد النظام السعودي بسبب ما أسماه البيان “إستيلاء الحوثيين علی أسلحة وصواريخ بالستية”، التي لم يكن يملكها اليمن أصلا وتجاهل البيان الأهداف الأصلية المعلنة.

وهكذا.. وفي اليوم السابع والعشرين، أنهت السعودية «عاصفة الحزم» على اليمن، في ما يؤشّر إلى بلوغها طريقاً مسدوداً، خصوصاً أنّ أهداف الحرب المعلنة، بعودة «الشرعية» واستسلام «أنصار الله»، لم تتحقّق، وهو ما يشير الى ان الحرب لم تضع أوزارها بشكل رسمي، وأن تسوية سياسية جرى طبخها بعيداً عن الأضواء.

“عاصفة الحزم” التي يبدو ان عنوانها قد اصبح “عاصفة الفشل”، بدأت وانتهت بطلب من الرئيس اليمني، المقيم في السعودية، عبد ربه منصور هادي, الذي أكّد على سرعة استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن الدولي والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني.

قبل إعلان وقف الحرب بساعات، كانت إيران قد أشارت بلسان مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إلى “تفاؤل بأنّه، خلال الساعات المقبلة، سنشهد وقفاً للهجمات العسكرية في اليمن، بعد بذل جهود كبيرة.”

وإيران التي كانت أول المعلنين، كانت كذلك أول المرحبين، إذ اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مرضية افخم أنّ “قرار وقف إطلاق النار ووقف المجازر بحق الأهالي الأبرياء والعزّل، يمثّل خطوة إلى الأمام.”

الا ان بداية مؤشرات وقف العملية العسكرية جاءت في بيان وزارة الدفاع السعودية الأول من نوعه منذ بدء «عاصفة الحزم» في 26 آذار الماضي، وبعد ساعات على إصدار الملك سلمان أمراً ملكياً بمشاركة قوات «الحرس الوطني»، إذ أعلنت الوزارة “إزالة التهديد على أمن المملكة العربية السعودية والدول المجاورة من خلال تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية التي استولت عليها الميليشيات الحوثية والقوات الموالية لعلي عبدالله صالح من قواعد ومعسكرات الجيش اليمني.”

وقد عزا عدد من الخبراء العسكريين والمراقبين السياسيين هذا التوقف المفاجئ لعاصفة الحزم الفاشلة, الى خمسة اسباب جوهرية هي :

أولا: اتصالات أمريكية- سعودية مكثفة شهدت تحذيرات أمريكية للرياض بأن الحرب البرية ستشكل بركانا يلتهم المنطقة باسرها، وقد يواكبها هجوم حوثي واسع على حدود السعودية.

الرئيس الأمريكي باراك أوباما هاتف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يوم الجمعة الماضي، واتفق معه على ان التوصل لحل سياسي من خلال التفاوض ضروري لتحقيق استقرار دائم في اليمن، مع التزام الولايات المتحدة بأمن السعودية.

ويرى هؤلاء المراقبون أن الحل المطروح هنا أشبه بصيغة «لا غالب ولا مغلوب»، وهو ما يعني فشل«عاصفة الحزم» وتقليص نفوذ الملك سلمان الذي يتردد أن واشنطن ترغب في تحجيمه لأنه تحرك في اليمن بدون انتظار للإذن الأمريكي.

وقد لوحظ أن تدخّل إدارة أوباما بشأن ما يجري في اليمن بدا ضعيفا نسبيّا، وكان التدخّل العسكري الأمريكي واهنًا في صورة تقديم مساعدة استخباراتية ولوجستية للقوات العربية من خارج الأراضي اليمنية.

ثانيا: تزايد الضغط الدولي من جانب الدول الغربية والأمم المتحدة، والتنسيق الأمريكي- الإماراتي للضغط على المملكة للقبول بدور للرئيس السابق علي صالح ونجله في الحل السياسي، والتخلي عن الاعتماد على إخوان اليمن (حزب الاصلاح)، خشية إخلاء الساحة للإخوان ولتنظيم القاعدة الذي استفاد من الانقلاب الحوثي في تعظيم قواته على الأرض، لو استمرت الحرب وتطورت لحرب برية.

وضمن هذا الإطار، جاء تأكيد صحيفة «العرب اللندنية» المملوكة للإمارات نقلا عن «مصادر» لم تسمها، أن الاتصالات التي أجراها رؤساء الولايات المتحدة وفرنسا والصين بالعاهل السعودي قد «تركزت حول وقف غارات عاصفة الحزم، وإعطاء موافقة سعودية على عودة فرقاء الأزمة في اليمن إلى الحوار على أساس المبادرة الخليجية».

وأكدت الصحيفة «إن اتصال رؤساء الدول الثلاث الكبرى بالعاهل السعودي يكشف رغبة دولية في الوصول إلى حل للأزمة اليمنية، مع مراعاة الموقف السعودي وموقف بقية دول تحالف عاصفة الحزم ذات الثقل السياسي والاقتصادي الإقليمي والدولي»، كما أكدت أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن ستعمل على وقف الحرب، سواء القصف الجوي لدول التحالف أو المعارك البرية بين الحوثيين واللجان الشعبية.

ثالثا: اجتماع ثلاثي يتجاهل السعودية, حيث إعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية الدكتور «بدر عبد العاطي»، أنه تم الاتفاق بين وزير الخارجية «سامح شكري» ووزيري خارجية الولايات المتحدة «جون كيري» والمملكة الأردنية، بعقد اجتماع ثلاثي مشترك بينهم في نيويورك يوم 27 نيسان الجاري في إطار التنسيق والتشاور القائم بين الدول الثلاث حول الأوضاع في اليمن، وذلك في ضوء مشاركة كل من مصر والأردن في «عاصفة الحزم».

الملفت للنظر أن هذا اللقاء الثلاثي العربي حول اليمن مع الولايات المتحدة لا يضم السعودية، صاحبة قرار الحرب، ما يشير لاحتمالات تنسيق حلفاء أمريكا الثلاثة، الذين توجد خلافات مكتومة بينهم وبين الرياض، لحل أمريكي يصب في خانة الضغط على حكام السعودية لوقف الحرب وعدم تمددها لحرب برية وتقديم تنازلات للوصول لحلول سياسية.

رابعا: تصريحات المغرد السعودي “مجتهد”, الذي يعتقد أنه قريب من دوائر صنع القرار التي قال فيها : إن اتصالات سرية تجري بالفعل بين السعودية والحوثيين للتوصل إلى حل يحفظ مكاسبها في اليمن، وبما يُبقي للحوثيين مكاسبهم من دون أن يظهروا بمظهر المنتصر، وأن الترتيب يقضي بإنشاء مجلس رئاسي برئاسة رئيس الوزراء ونائب الرئيس اليمني «خالد بحاح» يضم كل القوى السياسية بما فيهم الحوثيين، وبقاء قوات الحوثيين في الأماكن التي تمدّدوا لها في الشمال فقط (دون الجنوب) ومشاركتهم في إدارتها.

وأشار «مجتهد» إلى أن «ترشيح بحاح يأتي كبادرة حسن نية من السعودية لتسهيل التفاهم لأنه مقبول للحوثيين وكان مرشّحهم في المراحل الأولى بعد دخولهم صنعاء».

وأكد أنه يجري حالياً ترتيب الأمور مع الولايات المتحدة لتوجيه مجلس الأمن باتخاذ قرار بدعم الحل السلمي في اليمن بنفس الخطوط المذكورة أعلاه لإعطائه شرعية دولية، بعدما أبدت القيادة السعودية ليونة فرضها طول مدة القصف (الأسبوع الرابع) من دون إيقاف تمدّد الحوثيين، ورفض الباكستانيين المساعدة، وبعدما تبيّن أن القوة الوحيدة القادرة على مواجهته الحوثيين, هي تنظيم «القاعدة»، ما يعني ان استمرار الحرب يعني تمدد القاعدة.

خامسا: ضغوط المنظمات الإنسانية, حيث صدرت عدة تقارير من منظمات دولية وإنسانية، تتحدث عن كارثة إنسانية تتهدد اليمنيين جراء هذا العدوان، وتؤكد أن الحصار الذي تفرضه السعودية يؤدي لكارثة إنسانية، منها قيام 18 خبيرا وباحثا من أمريكا وبريطانيا يعملون بجامعات هارفارد واكسفورد وكولومبيا، بتوجيه رسالة للعالم يحذرون فيها مما قالوا إنه «احتمالية وقوع كارثة إنسانية، في اليمن» لأن أهداف العملية «عاصفة الحزم» تشمل المدارس والمنازل ومخيمات اللاجئين وشبكات المياه ومخازن الحبوب والصناعات الغذائية.

وقد تزامنت هذه التقارير مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى توقف جميع الأطراف في اليمن إطلاق النار فورا، وهي المرة الأولى التي يوجه فيها نداء من هذا النوع منذ بدأت حملة القصف الجوي السعودية على اليمن.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى