من حق الشباب استرداد احلامهم من سارقيها

عشية الذكرى 57 لميلاد الجمهورية العربية المتحدة، جمهورية الوحدة بين سوريا ومصر، يلتقي في بيروت اكثر من 150 شابا وشابة عربا، ليتداولوا فيما بينهم، ومن خلال اوراق يقدمونها  الى ندوة التواصل الفكري الشبابي العربي الخامسة وعنوانها لهذا العام “الحراك العربي بعد أربع سنوات:  رؤى شبابية”.

قد يبدو الامر عادياً حتى الان، خصوصاً ان العواصم والمدن العربية والعالمية حافلة بندوات ولقاءات للشباب حول موضوعات تهمهم وتتناول مستقبلهم، لكن الجديد في الأمر ان هذه الندوة هي تعبير عن إرادة الشباب في استعادة حراك  أطلقوا شراراته الأولى، وحققوا انجازاته الرئيسية، فإذا بهم يفاجأون بمن يصادر دورهم، بل يصادر التحرك بأسره ويحرفه عن مساره الأصلي كصحوة عربية ليتحول في اغلب الأقطار كابوساً دموياً جاثماً على صدور الناس.

فمن حق الشباب الذين تغنى بدورهم كثيراً سياسيون ومثقفون في مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات، وأمتدحوا شجاعتهم وتلقائيتهم وعفويتهم وتواصلهم وعصريتهم، ليدخل معظمهم فيما بعد بصمت يشبه صمت القبور، بل أن بعضهم الذي لم يكن يرى إلا الايجابيات في بداية هذا الحراك، لم يعد يرى إلا السلبيات اليوم، فقد نقلنا هؤلاء السياسيون والمثقفون من “أمل كاذب إلى يأس غير مبرر”، فيما المطلوب مطاردة اليأس وتحصين الأمل.

من حق هؤلاء الشباب، ومن واجبهم تجاه أمتهم، أن يتناقشوا بكل صراحة، وبكل تحرر من موروثات وحساسيات وحسابات وعصبيات تعيق النقاش المستمر،في المسار الذي اتخذه الحراك العربي، وفي سبل استنقاذ الأهداف الكبرى التي خرج بسببها الناس إلى الساحات والميادين لمواجهة الفساد والاستبداد والتبعية.

من حق هؤلاء الشباب، ومن واجبهم تجاه أمتهم، أن يتساءلوا عما إذا كانت نتائج الحراك جاءت مخيبة لأمالهم، محبطة لطموحاتهم، وان يتداولوا في سبل تجديد نضالهم لتحقيق مطالبهم المشروعة.

من حق هؤلاء الشباب، ومن واجبهم تجاه أمتهم، أن يوضحوا مدى اقترابهم أو ابتعادهم في ظل هذا الحراك من صيانة الأمن الوطني لأقطارهم، والأمن القومي لأمتهم، رغم استحالة الفصل بين ما هو أمن وطني وما هو أمن قومي، كما رأينا في الآونة الأخيرة مع انتقال الفتنة الظلامية المتوحشة من قطر إلى آخر.

من حق هؤلاء الشباب، ومن واجب أمتهم عليهم، أن يكشفوا إذا ما كان الحراك الدائر منذ أربع سنوات، وخصوصاً الدموي منه، قد جعلهم أقرب إلى فلسطين، أم القضايا، أم أبعدهم عنها، لان في هذا الكشف تترتب نتائج ومواقف.

ومن حق هؤلاء الشباب، ومن واجب أمتهم عليهم، أن يجاهروا فيما إذا كان هذا الحراك، لا سيما الفتنوي والعصبوي منه، قد قرّب مجتمعاتهم إلى الحرية، وأوطانهم إلى الديمقراطية أم انه أبعد هذه المجتمعات عن هاتين القيمتين الساميتين اللتين تتعطش إليهما جماهير امتنا ، بل شعوب العالم قاطبة.

من حق هؤلاء الشباب، ومن واجب أمتهم عليهم، أن يعلنوا بكل وضوح وجرأة، إذا ما كان هذا الحراك، لا سيّما الذي انزلق منه إلى مهاوي وعصبيات التفتيت والتقسيم ، قد جعل من التكامل بين أبناء الأمة، بل وحدتهم، أهدافاً قريبة المنال أم انه جعل منهما أكثر بعداً من أي وقت مضى.

إن من مهام “ندوة التواصل الفكرية الشبابية العربية الخامسة” التي انعقدت دورتها الأولى عشية اندلاع الحراك العربي في أيلول 2010، وتنبأ بعض المشاركين فيها من الشباب بأن أمر جللا يعتمل في مجتمعاتهم،  أن تقف اليوم لتطلق نداءات واليات تستنقذ الأهداف الكبرى التي حركت الشباب العربي من أيدي العابثين والفاسدين والمفسدين والمجرمين وخصوصاً من أيدي أعداء الأمة ممن خططوا لمصادرة هذه الأهداف، ووضع مطالب الناس المشروعة في خدمة أجندات القوى المشبوهة.

بل إن من مهام هذه الندوة (التي خرج من بين المشاركين في دورات سابقة منها،  قادة شبابيون لأكثر من حراك في أكثر من قطر، كما خرج قادة من مخيمات الشباب القومي العربي على مدى 25 عاماً)، أن تناقش بنضج ومسؤولية، بعيداً عن الانفعال والارتجال والأفكار المسبقة، والتهم الجاهزة، سبل وآليات إخراج امتنا من الوحول الدامية التي تغرقونا فيها الوحوش المتجولة في صحاري الوطن الكبير وبواديه وجباله.

لا بل من مهام هذه الندوة، وفيها منتمون إلى مشارب وبيئات وتيارات متنوعة ومتعددة، أن تقدم نموذجاً للحوار الهادئ المسؤول المتحرر ليس فقط من مساجلات الكبار “الممنوعين من الكلام في الندوة”، بل أيضاً من حساسياتهم  وموروثاتهم السلبية، على قاعدة التكامل الضروري لكل نهضة، بين حكمة الشيوخ وحيوية الشباب بين تجارب الكبار وبراءة الشباب.

فهل تكون “الندوة الفكرية الشبابية العربية الخامسة” وخصوصاً بالتحامها مع “منتدى فلسطين للعدالة الدولي” الذي ينعقد فوراً بعد انتهائها، خطوة أخرى في رحلة الألف ميل التي تخوض امتنا غمارها فلا تحلّق مع آمال غير واقعية ولا تغوص في غياهب اليأس المدمرّ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى