قوة الشعب هي الكفيلة بهزيمة الدواعش.. فلماذا لا نستدعيها ؟؟

العروبة هي الهوية الجامعة، والقومية العربية هي القوة الدافعة والرافعة.

هذا هو المبتدأ والمنطلق والاساس الذي لا اساس غيره، اذا ما اريد لامتنا الجريحة – بل الذبيحة – ان تغادر محنتها، وتتخطى ازمتها، وتسترد عافيتها، وتبرأ من جراحها وتحقن دماء ابنائها.

ففي غياب الهوية العروبية، واستفحال ظاهرة ”الاسلام السياسي”، انحدرت امتنا الى الدرك الاسفل، وتفرقت ايدي سبأ، وتمزقت شيعاً ومللاً وطوائف ومذاهب وقبائل، واحتربت فيما بينها حد الهمجية والجنون، واضاعت البوصلة والشاخص والخارطة والرؤية الصائبة والثاقبة، وتحولت الى العوبة في يد الامم وغنيمة لكل من هب ودب.

لا ضرورة للافاضة والاسهاب في وصف الواقع العربي، فهو ماثل بكل عريه وسفوره وفجوره امام العالم اجمع، وهو بائس ومجلل بالوان الخزي والعار على مختلف الصعد والمستويات، وهو موشك على مخاطر وكوارث فادحة ومدمرة، ما لم يتم تداركه سريعاً وقبل فوات الاوان.

الوضع العربي جد خطير، والدور قادم على ما تبقى من الاقطار الآمنة، والامة بمجموعها تقف الآن امام مفترق طرق حاسم.. فاما ان تثوب الى رشدها العروبي وخيمتها التوافقية والتصالحية ولو ضمن ادنى الحدود، واما ان تغرق في بحار الدم والدمار والفوضى وسوء المصير.. ولا خيار آخر.

لم يعد الانتماء القومي العروبي ترفاً يمكن الاستغناء عنه، او خياراً بين حزمة خيارات، بل اصبح اليوم حاجة ملحة وضرورة محتمة لا غنى عنهما ولا بديل لهما.. فقد اتسع الخرق على الراتق، ولم يعد بمقدور دولة وحدها او جماعة بمفردها ان تتصدى لهذه النازلة الفظيعة التي تجتاح الامة، وان تلم شمل كل هذا الشتات العربي الموغل في الفرقة والتناحر والتدابر العبثي الاهوج.

كم كنا نود ان ينبثق الوازع القومي والعمل العربي التضامني والتكاملي من موقع الاختيار وليس تحت وطأة الاضطرار، وان تتحقق وحدة الصف والهدف والموقف العربي في وقت مبكر وقبل تقاطر المخاطر ووقوع الفاس في الراس، وان تقتدي امتنا بباقي الشعوب والامم التي انجزت استقلالها، وحققت وحدة بلادها، واستجابت لنداء قوميتها، وتبوأت المكان اللائق بها على سطح هذا الكوكب.

انظروا كيف توافق شذاذ الآفاق من اليهود في سائر ارجاء الارض وانحاء العالم على تحويل الديانة اليهودية الى قومية صهيونية استطاعت تحشيد قواهم، وتجميع صفوفهم، وتحقيق خرافات توراتهم، وتسخير دول امريكية واوروبية عظمى لمؤازرتهم في تلفيق وتخليق الكيان الاسرائيلي الغاصب.

انظروا ايضاً الى سلسلة الانبعاثات القومية التي شهدها العالم حديثاً وليس قبل قرون او عقود سحيقة، بدءاً بالقومية الالمانية التي نجحت قبل عشرين عاماً فقط في توحيد الشطرين الغربي والشرقي بمجرد ان لاحت الفرصة وسنحت الظروف المواتية.. ومروراً بدول الاتحاد السوفياتي التي استعادت شخصياتها القومية – وفي مقدمتها روسيا – غداة انهيار ذلك الاتحاد الاممي العابر للقوميات.. وانتهاءً بدول امريكا اللاتينية التي حطمت، خلال العقد الماضي، اغلال التبعية لواشنطن، واتجهت سريعاً صوب الاستقلال الوطني والتكامل القومي والاقتداء بنهج قائدها الوحدوي التاريخي ”سيمون بوليفار”.

اما على الصعيد الاقليمي الشرق اوسطي، فيكفي ان نتمعن مطامح ومشاريع كل من تركيا وايران لندرك انهما تتمتعان باقوى المشاعر القومية، وتسعيان لتوسيع نفوذهما خارج حدودهما، وتتخذان من الاسلام بشقيه السني والشيعي محفزاً وداعماً للهوية القومية، وليس العكس شأن ما يفعل الاسلاميون العرب الذين يضعون اسلامهم في مواجهة القومية العربية، باعتبارها – في رأيهم – هوية عنصرية وعصبوية وجاهلية.. صارخين ليل نهار ومن اعلى المنابر : ”اتركوها فانها منتنة”.

عموماً، لسنا اليوم في وارد الدفاع عن الوعي القومي او الترويج للفكر الوحدوي، ولسنا بصدد المجادلة او المساجلة مع جماعات الاسلام السياسي، بل يعنينا اولاً وقبل كل شيء اطلاق ”نداء العروبة” المترفع عن النعرات والحسابات والاصطفافات الفئوية الضيقة، والموجه الى سائر القوى الوطنية والدينية.. اليمينية واليسارية التي تشعر بفداحة النكبة العربية الراهنة، وترغب بصدق واخلاص في تحمل المسؤولية، واداء الواجب، وبذل اقصى الجهود، لاخراج امتنا من هذه النكبة او الورطة التي تأخذ بخناقها وتُنذر بفنائها.

مطلوب الآن ”ربيع عربي” من نوع مختلف.. ربيع تجترحه النخب القيادية والجماهير الشعبية الواعية والوطنية، بهدف التصدي بالفكر والفعل لعصابات الدواعش الهمجية من جهة، وقوات الامبريالية الناتوية وتحالفها الدولي من جهة اخرى، فليس من المعقول والمقبول ان نستورد الاستعمار مجدداً، ونستجير بامريكا واوروبا واسرائيل كي تحمينا من غائلة الدواعش، وتذود عنا اخطارهم واشرارهم، بل نحن المؤهلون للدفاع عن انفسنا وبلادنا، ونحن القادرون ”بقوة الشعب” على هزيمة وباء الهمجية الداعشية شر هزيمة، بمجرد ان ننظم صفوفنا، ونستنفر طاقاتنا، ونمتشق سيف عروبتنا الجامعة.

ليست الانظمة العربية الهزيلة هي المؤهلة لمصادمة الدواعش والانتصار عليهم، وليست القوى الاستعمارية القادمة من وراء البحار هي الجديرة باستئصال شأفة هذه اللعنة الداعشية الباغية، بل نحن ابناء هذه الامة الكفيلون بتحقيق هذه المهمة الشاقة، وشطب المشروع الداعشي الارهابي من دفتر الوجود.. ذلك لان المنازلة، في جوهرها، منازلة شعبية بين المافيات الداعشية الظلامية التي تعزف باصابع دامية على اوتار الدين، وتستقطب الجهلة والسفلة والمأجورين والمناكحين والمساطيل، وبين القوى والقواعد والقطاعات الوطنية والقومية والاسلامية المستنيرة والطليعية والحضارية القادرة، لدى توحيدها وتفعيلها، على تجفيف منابع المجاميع الارهابية، وتطهير البيئة النجسة المواتية لها، وسحب البساط الشعبي من تحت اقدامها، وازالة غشاوة الدين عن عيون الناس البسطاء المنخدعين بها.

في اية دولة عربية تقبل استضافته، وعلى نفقة اية جهة عربية مستعدة لتمويله.. يتعين الآن عقد مؤتمر شعبي موسع يضم ممثلين عن مختلف الهيئات والمؤسسات والنقابات والاحزاب والشخصيات العربية الرائدة والغيورة على مبادئ وثوابت ومصالح امتنا، والحريصة على انقاذها من ربقة التكفيريين والتغريبيين (الناتويين) على حد سواء.. وذلك بغية التداول المعمق والجدي حول انجع الوسائل والاساليب الكفيلة بتحقيق هذه الاهداف والغايات النبيلة، ووضع الخطط والبرامج والتصورات اللازمة للخروج بها من المجال النظري الى الميدان العملي والتنفيذي.

لا اظن عاقلاً في هذه الامة، سواء اكان مواطناً او مسؤولاً، يمكن ان يقبل بهذا الوضع العربي المفزع، او يمكن ان يطمئن الى غده ومستقبل ابنائه، او يمكن ان يصبر وينتظر حتى يصل الحريق الى عقر داره، او يمكن ان يرفض المشاركة في النضال لانقاذ هذه الامة المنكوبة، وتخليصها من العابثين بامنها من داخلها، او المتكالبين والمتآمرين عليها من خارجها.

مؤكد ان هذه المهمة الانقاذية بالغة الصعوبة وباهظة الثمن، خصوصاً بعد غياب الدولة القائدة بفعل انشغال القاهرة ودمشق وبغداد، وبعد غياب المرجعية القومية الشاملة جراء اختلاط الحابل الطائفي بالنابل المذهبي والجهوي والقبلي.. ولكن الضرورات، لدى الامم العريقة، تذلل المصاعب وتقهر المستحيلات، اذ ماذا امامنا من خيارات غير الاستنفار والاستبسال لصد هذه الهجمة التتارية المدمرة والطالعة من عتم المغاور والمقابر والكهوف ؟؟

لا بديل عن استنفار الكتلة الشعبية التاريخية، وتسليحها بالوعي الوطني والقومي والتقدمي اللازم لتشجيعها وتحريضها على رفض الافكار والطروحات التكفيرية والانتحارية، وعلى محاصرة الجماعات الداعشية دعوياً واجتماعياً وسيكولوجياً لحرمانها من التربة الخصبة او ”خضراء الدمن” التي تنبت وتفرخ طوابير الارهابيين والانتحاريين المغسولة عقولهم، والمقفولة قلوبهم، والمفتوحة قواميسهم على لغة الدم والقتل والذبح فقط لا غير.

نعرف جميعاً ان الحالة الشعبية العربية ليست على ما يرام، فقد اثخنها الحكام الفاسدون والمستبدون بالجراح، وافرغوها على مدى جملة عقود من مضمونها الوطني والروحي، كما صادروا قسراً كامل حقوقها وحرياتها السياسية والثقافية وحتى الانسانية.. في حين ادى ملعوب ”الربيع العربي” الى تفجير الجماهير، وتضليل الشعوب، وضرب مكوناتها بعضها ببعض، واطلاق اشرس موجات الانفلات الامني والاجتماعي والاخلاقي.. الامر الذي اتاح للدواعش ان يتوالدوا ويتكاثروا كما النبات الشيطاني، او يتوافدوا الى الديار العربية من كل حدب وصوب.

غير ان هذا الحال الشعبي المؤسف حال عارض ومؤقت وقابل للتغير والتحول سريعاً وبمجرد ان تبدأ حملات التعبئة والتحشيد والتواصل والتفاعل التي ندعو لاطلاقها دون ابطاء، والتي من شأنها ليس تمكين الكتلة الشعبية من مواجهة الدواعش واستئصالهم وقطع دابرهم فقط، بل تمكينها ايضاً – عبر الممارسة الميدانية – من استنهاض ذاتها، وتنظيم صفوفها، وتطوير طاقاتها وقدراتها، واستعادة ثقتها بنفسها، والمشاركة الواسعة في صنع القرار ورسم صورة المستقبل.

وعليه، اجزم ان ”نداء العروبة” يتردد حالياً في قلوب ملايين الغيارى العرب، وان مشروع تحشيد وتحفيز الكتلة الشعبية لتطويق الظاهرة الداعشية يدور في اذهانهم.. ولكن السؤال المحير هو : لماذا لم تبادر اية جهة او قوة او هيئة نضالية عربية لتنظيم مؤتمر قومي موسع يتولى تشكيل قيادة سياسية مركزية تضم ممثلين عن معظم الاقطار العربية، وتتحرك فوراً لاستدعاء ”قوة الشعب”، ووضع نقاط الافكار على حروف الافعال !!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ليس هناك إسلام سياسي ولا غير سياسي الإسلام هو دين حياة، وليس دين كهنوتي، وإذا فلح العرب بعروبتهم قبل الإسلام سيفلحون اليوم، وفليستمر القوميون على حراثة البحر،وركوب موجة كل طاغية ليوصلهم إلى الحكم

زر الذهاب إلى الأعلى