عامِ على رحيل محمد السقاف

أعرف أن محمد السقاف لوحة عربية مرسوم عليها كل تضاريس الوطن العربي بلا حدود، وقعت عن جدار الوطن العربي ولن تعوض، وأعرف أن الكلام لا يعيد خسارة الأحباء.

يوم الثلاثاء 17/9/2013 استقبلت مقبرة سحاب في مدينة عمان جثمان الفارس العربي محمد السقاف مطوقاً بحشد من مودعيه، وكان قدري أن أقف في ذلك المشهد الحزين في وداع رفيق الدرب وصديق العمر محمد السقاف.

وداع محمد السقاف ومواراته التراب واختفاء ابتسامته إلى الأبد حقيقة مرة قاسية تضاف إلى الحقائق المرة التي يحياها الوطن العربي الذي يشرب المر والعلقم كل يوم ويقتات اليأس والألم كل يوم.

ما أٌقسى الانقطاع عن منزل الصديق محمد السقاف فصداقته ترادف الصدق والمصداقية التي انفرد بها محمد السقاف.

كان منزل محمد السقاف منتدى عربياً نناقش فيه قضايا الحياة في الوطن العربي ونزداد فهماً لها في حواراتنا عندما يشاركنا محمد السقاف أو عندما يصمت.

وكان سؤال الأسئلة الذي يشغلنا لماذا فشل العرب في بناء تقدمهم!  فكان محصلة جواب الأجوبة أن فشل العرب يتمحور في فشل العرب في تأسيس دولة العرب الواحدة، وأن هذا هو المخرج من هذه النهاية المحزنة لدور العرب في التاريخ.

في القرب من منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين ولد محمد السقاف، وعلى امتداد سنوات عمره كان معطاءً، غاص في أعماق الوطن العربي الذي أحبه محمد السقاف ووهب نفسه له.

انطلق محمد السقاف مبكراً ينشر الوعي القومي في عمان وفي بغداد وفي دمشق وفي القاهرة ثم في عمان وأينما حلت به الركاب في ربوع الوطن العربي.

احتلت قضايا أمته مركز الصدارة في ضميره ووجدانه، وكان محمد السقاف صوت العرب في الأردن وصوت الأردن لدى العرب.

برز محمد السقاف كأحد دعاة المشروع القومي قبل بزوغ الزمن الإقليمي الطائفي المذهبي القبلي الشرق أوسطي …الخ.

كان محمد السقاف منارة صدق ونزاهة، أعطى الوظيفة العامة في الأردن عمره وشبابه، وقاد مؤسسة الضمان الاجتماعي ووزارة التموين وكان يعتبرهما مؤسستي أمن وطني.

كسب محمد السقاف عيشه طول عمره من عمله وجهده وكان متمكناً من محبة الناس تمكناً لا يجاريه فيه أحد.

يصح في أبي خالد قول الشاعر العربي العملاق بشار بن برد وكأنه كان يقصده.

خير إخوانك المشارك في المر                   وأين المشارك في المر أينـا

الذي إن شهدت سرك في الحي                   وإن غبت كـان أذناً وعينـــا

مثل حر الياقوت إن مسه النار                    جـلاه البــلاء فازداد زينــــا

لقد غادرتنا يا أبا خالد فكيف لنا وكيف لشوارع ومجالس عمان وقرى الوطن الذي أحببت أن تطيق رحيلك دون عودة اليها.

فسلام عليك يوم ولدت وسلام عليك يوم رحلت وسلام عليك يوم تبعث حيا.

وستبقى أبا خالد، كما كنا منذ دخولنا في عتبات الدخول إلى الحياة الواعية، نحلم بيوم يكون للعرب فيه دولة العرب الواحدة، فإذا لم يتحقق ذلك حيث أصبحت المسافة شاسعةً بين الواقع والأمل، لكننا سنبقى في أخر مشوار الحياة نغرس هذا الأمل في الأجيال العربية القادمة مدركين أن ذلك لن يتحقق مالم تسقط  البلقنة العقلية قبل البلقنة الجغرافية وبذلك تسقط الحدود والقائمين عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى