اقتراح عاجل بين يدي العقل السياسي الاردني

المكابرة والانكار والتجاهل بدفن الرؤوس في الرمال.. مظاهر ومفردات مسلكية لم تعد مقبولة او معقولة في التعامل مع الحالة الاردنية الراهنة، بعد ان تغولت الجماعات الارهابية على حدودنا الشرقية والشمالية، وتفاقمت الحروب الاهلية والتهبت الجبهات الداخلية في المحيط القريب (سوريا والعراق) والمجال البعيد (اليمن وليبيا وسيناء).

لم يعد الاردن يملك ترف الانتظار، او الادعاء بانه ”المستثنى بإلا”، فقد سبق لكل الاقطار العربية التي تكتوي حالياً بنار الارهاب والاحتراب، ان ادعت ذلك، بدءاً من مصر التي قال رئيسها المخلوع حسني مبارك انها ليست مثل تونس.. ومروراً بليبيا وسوريا واليمن والبحرين، وانتهاء بالعراق.
حتى الذين يعتقدون منا ان ارتباط الامن الاردني بالامن الاسرائيلي والرعاية الامريكية يمكن ان يوطده ويثبت اركانه، هم واهمون ويبيعون الخداع لانفسهم وللشعب الاردني، والشواهد كثيرة، فقد اندلعت النيران بالامس القريب في بيت حسني مبارك رغم انه كان ”كنزاً استراتيجيا” للامن الاسرائيلي، وها قد اندلعت النيران حالياً في بيت نوري المالكي رغم انه ”كنز استراتيجي” لامريكا وايران معاً.. علاوة على ان هذه الاسرائيل قد استطاعت فرض لوازم امنها بنفسها وبقوتها الذاتية على حدودها المضطربة مع قطاع غزة وجنوب لبنان وشبه جزيرة سيناء، دون الاعتماد على الآخرين في دول الجوار.
بعدما سيطرت داعش والنصرة وباقي الفصائل الارهابية والتكفيرية على محافظات كاملة في سوريا واليمن والعراق وليبيا، لا يجوز لاحد منا في الاردن ان ينام على حرير الاطمئنان، وان يقلل من حجم القلق والتحسب والترقب لما يأتي به الغد من فجائع ومفاجآت، وان يسترخي ويتقاعس عن الاعداد الجدي والاستعداد الفعلي لاي طارئ قد يداهمنا من حيث لا نحتسب.. فالنار تحت الرماد، والخلايا الارهابية النائمة موجودة في غير مكان، ورياح العدوى تهب علينا بقوة من درعا والرمادي وسيناء.
نعلم ان لدينا جيشاً قوياً ومتماسكاً ومتأهباً، ولدينا اجهزة امنية محترفة ومتمكنة وذات خبرة واسعة في مقارعة الارهاب، غير ان ذلك وحده لا يكفي لتحصين البلاد والعباد من الاخطار الارهابية والفوضوية المحدقة بنا من كل جانب، وربما الموجودة بشكل ساكن داخل بيتنا انتظاراً للحظة المواتية.. ذلك لان مصر وسوريا واليمن لديها جيوش قوية واجهزة امنية كفوءة ولكن هذه الدول الشقيقة لم تنج من الطوفان.
لقد تغيرت الاوضاع العربية والمعادلات الاقليمية والمفاهيم الاستراتيجية خلال السنوات وربما الشهور القليلة الماضية، فلم تعد الدولة قادرة على حماية امنها وصون وحدتها الوطنية وحدودها الجغرافية، ولم يعد التغني بالامجاد القديمة، والتفكير من ”داخل الصندوق”، والركون الى دعم الحلفاء والاصدقاء يجدي فتيلاً، ويغني عن اجتراح الجديد، والتفكير من خارج الصندوق والاطر التقليدية والمقاربات الهلامية والعمومية التي عفا عليها الزمان.
وعليه.. فاننا في ”المجد” ندعو، من واقع مسؤوليتنا الوطنية، الى رسم – بل صناعة – خارطة طريق جادة وعاجلة وجماعية تتوخى – اولاً – تثبيت قواعد الامن وركائز الاستقرار الحاليين باقصى درجات الحرص والحيطة والحذر، ثم توفير افضل الوسائل والسبل للعبور بالدولة الاردنية، في هذه المرحلة المخيفة، من مهاوي التعثر ومخاطر الانزلاق التي تهددها من كل جانب، الى بر السلامة والامان.
ندعو لتفعيل مفهوم ”المشاركة الشعبية” من خلال عقد مؤتمر وطني شامل يترأسه الملك عبدالله الثاني ويضم ممثلين عن سائر القطاعات الشعبية والمجتمعية على اطلاقها ودون اية استثناءات، وذلك لاستعراض مختلف جوانب الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية القائمة، وتقديم الاراء والافكار والمقترحات المناسبة لسد الثغرات المحتملة ومعالجة الاختلالات والمشكلات المتفاقمة، وتشكيل لجنة متابعة رسمية – شعبية للسهر بشكل دائم على اطلاق وادامة اوسع حملة تعبئة وطنية للحفاظ على الامن العام وتعزيزه وترسيخه والحيلولة دون اختراقه او العبث به تحت اي ظرف وضمن اي سبب على الاطلاق.
لم يعد الامن من اختصاص الانظمة الرسمية وحدها، ولم يعد يصب في صالح الحاكم دون المحكوم.. بل اصبح من مسؤوليات الشعوب بالدرجة الاساس، واصبح غيابه يؤذي المواطنين باكثر مما يؤذي الحاكمين.. فباستثناء العقيد القذافي، ها هم كل الحكام العرب الصامدين والساقطين جميعاً ما زالوا على قيد الحياة، فيما تحولت الشعوب العربية المنكوبة الى دماء واشلاء ونزوح وجوع واغتصاب وحرق اعصاب.. الامر الذي يحتم علينا في الاردن اعتبار الامن ”فرض عين” على كل مواطن، من خلال اشاعة وتعميم ثقافة الامن والامان والسلم الاهلي، بوصفها ضرورة جماعية ومجتمعية قبل كل شيء.
لا نحب استباق المؤتمر العتيد، او وضع جدول اعمال له، ولكننا نود التأكيد ان الصراحة والجرأة والمكاشفة والبعد عن الغمغمة واللفلفة والمجاملة، يجب ان تتسيد الاحاديث والحوارات التي سيشهدها هذا المؤتمر.. فلا مناص من الحديث عن المصالحة الوطنية الشاملة، والاصلاح السياسي والاداري الحقيقي، والتمسك الحازم بالهوية الجامعة، والمساواة التامة في المواطنة والعزم والغنم، وتشكيل جيش شعبي تطوعي، وضبط الحدود البرية ذهاباً واياباً، وتقديم التعاون الامني مع الدول الشقيقة في مصر وسوريا والعراق على التعامل بصورة او اخرى مع فصائل المعارضة المسلحة العلمانية منها والاسلامية التي لا يؤتمن جانبها حين ترجح كفتها ويشتد ساعدها.. والامثلة كثيرة وماثلة للعيان.
ليس من الحكمة والحصافة والعقل السياسي، التظاهر الرسمي بالسكينة والطمأنينة وقلة الاكتراث بما يجري من كوارث حولنا، وايهام الشعب بان هذا الجاري حولنا لا يخصنا او يعنينا او يؤثر علينا، بل لعل العكس هو المناسب والمطلوب.. فلا بد من وضع الناس في صورة المحاذير والتهديدات المحدقة بنا، وحفزهم على التنبه والتحوط واليقظة والمشاركة في تحمل المسؤولية، لكي يتحول كل مواطن الى خفير لحراسة البيت الاردني، وليس الى مخرب شرير ينخر في كيانه ويعيث فساداً في جنباته واركانه.
قد يستهين الكثيرون بهذا الطرح والمقترح، وقد لا يلتفت له صناع القرار البتة، وقد يتصدى له البعض بالنقد والتفنيد.. ولكننا نؤمن، في هذا الظرف العربي العصيب وغير المسبوق، ان اهم واجبات الصحف والاقلام المحترمة قرع اجراس الانذار قبل وقوع الاخطار.. وقديماً قال الاديب الفرنسي الشهير اميل زولا : ”فن السياسة، ان ترى قبل الآخرين”.

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. كلام في منتهى الحس بالمسؤولية والوطنية الصادقه ونرجو من اصحاب القرار الاسترشاد به واعتبارة نقطة في اول السطر نحو الحكومة الوطنية التي تجمع كافة الاطراف من اجل تصليب الجبهة الداخلية فالوطن لايحميه الا ابنائه المخلصين وابو المظفر احد هولاء .

  2. لا قلق علينا بالاردن فالكل يعرف طريق الهروب نحن لا نواجه الا بعضنا ولا نقتل الا بعضنا ولا ندمر الا بعضنا اما اعداؤنا فهم في امن وامان سنهرب من اول مواجهة وسيصطف بعضنا ضد بعض بشكل مهين ومخزي وسيستهزئ عدونا فينا ..(ويقول ما هذا البلد الكاره لبعضه بعضا اكاد اندم على احتلالكم .)

زر الذهاب إلى الأعلى