ادارة ترامب تناصر محمد بن نايف وتتجاهل ابن سلمان

قبل أشهر قليلة وتحديدًا في شهر حزيران الماضي، استقبلت الإدارة الأمريكية وصناع القرار في واشنطن، ولي ولي العهد السعودي الأمير الشاب محمد بن سلمان، استقبالاً ملكيًا عده كثير من المراقبين وقتها نوعًا من التلميع للأمير الشاب لتجهيزه لخلافة والده الملك سلمان سواء بالتراضي أو عبر النموذج القطري بتعديل بسيط، وانقلابًا على الحليف الأمريكي المفضل لسنوات محمد بن نايف، خصوصًا أن هذه الزيارة صحبتها تسريبات، ربما من المخابرات الأمريكية أو من معسكر الأمير الشاب عن إصابة ولي العهد الأمير محمد بن نايف بمرض خطير يهدد حياته وبالتالي يمنعه من خلافة سلمان في قصر الحكم بالرياض!

وكان ابن سلمان قد التقى خلال الزيارة صناع القرار في أمريكا، ابتداءً من الرئيس باراك أوباما، مرورًا بوزير خارجيته جون كيري، وانتهاءً بوزير الدفاع أشتون كارتر، علاوة على قادة أجهزة المخابرات الأمريكية وكبار رجال المال والأعمال.

الحكم الأمريكي الأولي على محمد بن سلمان كان يراه شخصية متهورة، ولا بد من العمل على تقويمها، بحسب تقرير نشرته وقتها شبكة NBC الأمريكية التليفزيونية الشهيرة، كونه أقدم على الكثير من السياسات المكلفة ماديًا واستراتيجيًا وعسكريًا من بينها خوض حرب “غير ناجحة” في اليمن، فشلت في تحقيق معظم أهدافها وكلفت خزينة الدولة 200 مليون دولار يوميًا، علاوة على قرار إغراق الأسواق العالمية بنحو مليوني برميل من النفط، وإفشال اتفاق توصل إليه مؤتمر الدوحة النفطي لتجميد الإنتاج بهدف رفع الأسعار، والوقوف خلف قرار إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر، الذي زاد من توتير العلاقات مع إيران، ورأته الأجهزة الأمريكية يقارب في صفاته الأمير بندر بن سلطان آل سعود، رئيس جهاز الاستخبارات السعودية السابق، المعفى من منصبه، الذي ورط المملكة قبلاً في الأزمة السورية.

وعلى الرغم من ذلك مهدت واشنطن المجال خلال الأشهر الأخيرة للأمير الشاب محمد بن سلمان، للإطاحة بالأمير ابن نايف من ولاية العهد، وتولي المنصب بدلاً منه، ليقفز بعدها إلى كرسي العرش خلفًا لوالده بعد تنحيه لأسباب صحية تم الترويج سرًا لها، لكن استمرار أزمة اليمن ووقوف الأمير الشاب وراء توتير العلاقة بين المملكة ومصر والتخوف من رد فعل للأمير محمد بن نايف مغاير لما قام به سلفه الأمير مقرن بن عبد العزيز عندما تم إعفاؤه من ولاية العهد في أبريل 2015 وانسحب بهدوء، خاصة أن بن نايف يتربع على واحدة من أهم المؤسسات الأمنية في المملكة وهي الداخلية، التي نجحت إلى حد كبير في تأمين داخل البلاد ضد المحاولات الإيرانية والإرهابية لاختراقها، في مقابل فشل كبير للجيش السعودي تحت إمرة الأمير الشاب محمد بن سلمان في تأمين حدود البلاد التي باتت ملتهبة ومخترقة.

كل هذه المخاوف دفعت الولايات المتحدة للتراجع عن فكرتها مؤخرًا – كما يرى عدد من المراقبين -، وهو ما تمثل مؤخرًا في زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الجديد مايكل بومبيو، للسعودية، وهي زيارة غير عادية في توقيتها وأحداثها، حيث تعتبر الأولى من نوعها التي يجريها مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة، وتأتي في وقت تسود فيه أجواء ضبابية بشأن السياسية الأمريكية الجديدة تجاه السعودية.

والمتابع الجيد للزيارة يمكن أن يقرأ بين سطورها أمرًا ما يتم الإعداد له، فبعيدًا عن المباحثات السياسية التي لا جديد فيها والمصافحات والابتسامات البروتوكولية، حدثت بعض المواقف التي تستحق الوقوف عندها وتحليلها، والتي يأتي أولها تكريم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “CIA” لولي العهد السعودي وزير الداخلية محمد بن نايف، في حضور ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وثانيها أن بن نايف تسلم ميدالية “جورج تينت” التي تقدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب، وكان يجلس بجواره الأمير محمد بن سلمان، دون أن يعيره بومبيو أي اهتمام، عكس ما كان سائدًا خلال الأشهر القليلة الماضية، التي كان فيها ابن سلمان بالنسبة لصناع القرار الأمريكي المتحكم والمُحرك الرئيس لجميع شؤون المملكة، سواء داخليًا أو خارجيًا، خاصة مع الأنباء التي تتوارد عن تدهور الحالة الصحية لوالده سلمان بن عبد العزيز.​

وأمر ما إذًا يحاك في دهاليز العلاقة بين المملكة وواشنطن، ربما تحكمه تداعيات الأزمة السورية التي سمحت بوجود روسي أكبر بالمنطقة لم يكن ليحلم به بوتين، بالإضافة لتأزم موقف المملكة مع اليمن، ثم لبنان – قبل أن تحل الأزمة بانتخاب عون للرئاسة اللبنانية -، ثم مصر، وهي أزمات تورط فيها تباعًا الملك سلمان، بإيعاز من المحرك الأول له نجله الأمير محمد ولي ولي العهد، مما يعني أن التهميش الأمريكي الأخير لمحمد بن سلمان – الذي لم يذكر اسمه خلال ساعة كاملة من التصريحات بين بومبيو وبن نايف سوى مرة واحدة من الجانب الأمريكي كنوع من البروتوكول -، يمكن تفسيره بأنه شبه انقلاب سياسي أمريكي بالبيت السعودي الحاكم.

وهنا يبرز تساؤل مهم عن الثمن الذي ستحصل عليه الولايات المتحدة مقابل هذا السيناريو في حال تم، مع الوضع في الاعتبار أن رد الفعل من الأمير محمد بن سلمان لا يمكن توقعه في هذه الحالة، فهو – باعتراف صناع القرار بواشنطن نفسها – شاب طموح ومندفع وليس بالصعب على من اتخذ قرار الحرب في اليمن أن يفاجئ الجميع باتخاذ أي قرار آخر دون تردد!

يدعم التصور السابق توقعات بعض المحللين بأن تعيد الأجندة الأمنية التي يتبناها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب كفة الميزان لصالح بن نايف، في ظل كونه شريكًا كبيرًا للأجهزة الأمنية الأمريكية في موضوع مكافحة الإرهاب خصوصًا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي تعتبره أجهزة الاستخبارات الأمريكية أقوى ذراع للقاعدة في العالم.

وفي المقابل، فإن الأمير محمد بن سلمان فاقم بسياساته ما يعمل ترامب على التصدي له أو له أولوية لديه، وهو تأزيم منطقة الشرق الأوسط بحرب اليمن، كما أن موضوع الأمير محمد بن سلمان في داخل المملكة، قد يؤدي لزعزعة استقرار السعودية، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة، لأن عدم استقرار المملكة سوف يؤدي إلى حالة من تفاقم مشكلة الفوضى الأمنية في المنطقة بأسرها، ولن يساعد على حل المشكلة اليمنية بالشكل الذي يضمن التصدي للتنظيمات المصنفة إرهابية من وجهة النظر الأمريكية، إضافة إلى أن سياسات ترامب في هذه النقطة مركزة على وقف إطلاق النار في اليمن، وبدء حل سياسي للأزمة، وهو ما يتعارض مع خطط بن سلمان بطبيعة الحال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى