كاتب يدعو إلى الحداثةِ وهو مستغرقٌ في التقليد

لقد وجدتُ كثيراً من الناس يعزفون عن قراءة الأفكار التي تقوم على التغيير والتجديد- المنبثقة, أصلاً, من فكر صاحبها. ولكن يُقبلون إقبالاً أكبرعلى الأفكار التي هي ردود على أفكار أخرى . مثلاً : القراء يقبلون على قراءة كتاب – تهافت التهافت- لابن رُشد.. أكثر مما يقبلون على قراءة كتاب – تهافت الفلاسفة- لأبي حامد الغزاليّ- لأن الأول كان ردّاً على الثان. ولكن ,إذا لم يفهم بعضُهم شيئاًممانقد به ابنُ رشد- الغزالي.. عادوا إلى كتاب الغزالي, لكي يفهموا نقد ابن رشد له, أو ما يعسر فهمه, بدْءاً, عليهم. وإني أقوم بالأمرين: أحياناً يكون ما أكتبه جديد اً , منبثقاً من ذاتي, وأحيا ناً يكون تعليقاً على أفكار أخرى.

تعليق ٌ على مقالة : -وفي هذه المرة سيكون ما أكتبه تعليقاً على مقالة –للأستاذ عمار بنحمودة ( عمار ابن حمودة)- عنوانُها : (المسجد وإشكالية الحداثة ).

وقد نُشِرت في جريدة –المجد- التي تُعنـَى بالفكر, بتاريخ-5/ 9/ 2016م ×- يبد أ هذ ا الكاتب الجاد المتطلع إلى نهضة أمته مما هي فيه من تأخّر – يبدأ بداية مستقيمة ,إذْ يقول : ( … ولئن سعت بعض المقاربات إلى حداثة الإسلام [ أي: اعتبار الإسلام حديثاً متماشياً مع هذا العصر] فقد سعت مقاربات أخرى إلى أسلمة الحداثة [أي: تطويع الحداثة للإسلام] – ولكن – لا الحداثة قامت في المجتمعات الإسلامية,, ولا استطاع المسلمون إقناع العالم بمشروع حداثيّ نابع من الإسلام وتعاليمه.

بل.. على العكس من ذلك- ظهرت منظومات فكرية أكثر انغلاقاً, صارت ترى في الحداثة استهدافاً للدين الإسلامي, وتأبيداً لضعف المسلمين.ولعل أكثر المؤسسات الدينية التي وقع إهمالهافي الجد ل القائم بين المدافعين عن الحداثة, والمتشبثين بالأصول,هي مؤسسة المسجد … وفي المجال العربي, هناك من يرى أن الذي حصل عندنا هو تحديث بلا حداثة ).أقول : هذا كلام جيّد يأ تي في صميم المشكل العربي , بل التأخر العربي. صورة المسجد عند الكاتب : – لكن الكاتب عندما أخذ يرسم صورة للمسجد- هذا الذي أشار إليه ,آنفاً.. رسم صورة مهزوزة, إن لم نقل رجعية ,إن لم نقُلْ : لم تع ِ ما جدّ على الحياة الإسلامية, بعد عهد الرسول –الحكيم المعصوم- صلى الله عليه وسلم- وبعد زمن خلفائه الأربعة- رضي الله عنهما – يقول , مقارناً بين صفوف المسجد, وصفوف المحاربين : ( … فالمسجد يجسد المجتمع, بكل عناصره ومكونا ته. وينقسم إلى محراب يمثل القيادة الروحية, ومنبر للخطابة يجمع بين القيادتيْن: الدينية والسياسية, وصفوف من التابعين يجسدون بِنْيَةَ المجتمع-… والمحراب, في الأصل, فضاء لمحاربة الشيطان¸,وهو بطبيعته كا ئن رمزي يمكن أن يتجسد, واقعياً, جيشَ كفار يحاربه المسلمون ينقاد لقائد واحد ورؤية واحدة …)*.أقول: صحيح أن المنبر , في عهد الرسول الحكيم المعصوم- كان يجمع بين القيادتين : الدينية والسياسية. وفي عهد خلفائه الأربعة الراشدين.وأعني بسياسة الرسول المعصوم, وخلفائه.. هي السياسة التي تتوخى النهج الذي رسمه القرآن – الذي يُراد منه مصلحة الدولة جميعها- لا مصلحة الحاكم وأتباعه .. ولكن –للأسف- انقلب الحاكم إلى نهج منحرف عن الإسلام – مئة وعشرين درجة- منذُ زمن معاوية ابن أبي سفيان- الذي كان نهجه مدمّراً لدولة الإسلام المترامية الأطراف, بثلاثة قواصم- الأولى: أنه جعل بيت ما ل المسلمين –بيت ما ل الخليفة- يمنح ويمنع منه- كما يشاء, فليس للكافة حقوق معلومة في أموال الدولة الغزيرة, وإنما معاوية يعيّن الحقوق, فيعطي أتباعه, ويحرم مناوئيه . وهذه ليست حقوقاً,بل سلوك يخلّف مظالم لا تنتهي!! والقاصمة الثانية: أنه جعل كلمته هي –الوُحْدى- لا معقّب َ عليها, وهذا لجم للعقول والأفواه!! والقاصمة الثالثة: أنه جعل ولاية العهد بالإكراه, وليست بالشورى…!!

وهذه القواصم الثلاثة- مد مّرة للعقول والأخلاق , ولبِنْيَة الاقتصاد , ومـُفـْشيه للكذب والنفاق , وبيْع الضمائر, عند كثير من الناس.وقد سار على نهجه – للأسف والألم – كلّ من جاء , بعده, في دولة يني أميّة( نستثني عمر ابن عبد العزيز).

وكذلك.. سار الحكام على هذا النهج,في دولة بني العباس, ومثلُهم الهمج الأعاجم الذين غزَوْهم من الشرق: البويهيون , أولاً, منذ منتصف القرن الرابع الهجري,ثم السلاجقة , ثم المغول والتتار.. وكذلك مشى هذ االنهج في دولة يني عثمان. بحيثُ ترادف الظلم, خلال العصور, على الناس,حتى تحوّرت جينات كثير من أهل الإسلام, فأضحت ذات قابلية لاستمراء الظلم. ونفوراً من ممارسة الشكّ والنقد , والتحليل,ومن السعيِ للتغيير أو التجديد… – إذن- المنبر كان يجمع بين القيادتين- لا في كل عصور الإسلام, وإنما انتهى جمعه بين القيادتين مع آخر خليفة راشد. فأين هذا الكاتب الجادّ من أن يعيَ .. بأن المسجد لم يصبح- فقط- في العصر الحاضر لا يمثل الحقيقة السياسية, وإلى حدّ ما- ولا الحقيقة الدينية . وإنما أُبعِد عن الأولى, وضعفت فيه الثانية, منذُ زمن معاوية.

والحق ّأن الإشكالية – ليست فيما انتهى إليه أمرالمسجد ..لأن الحياة, منذ زمن معاوية , بدأت تتحضر, بعض الشيء, وتتعقد الأمور فيها, بحيث أصبح مقبولاً أن تكون –إدارة الحكم- من قصر الحاكم , وتنفيذها من قصور وُلاة الأقاليم – الأقاليم التابعة للدولة المركزية, أو الأقاليم التي انفصلت عن الدولة. أجلْ.. ليست الإشكالية, هنا..وإنما الإشكالية أن الحاكم تخـلّى عن نهج الرسول الحكيم,في إدارة الدولة – التي كانت تقوم على مصلحة سائر الدولة, ونهج خلفائه الأربعة,وأصبح يدير البلاد, بمستوياتها العليا: السياسية والاقتصادية والعسكرية, بعيداّ عن منهج الإسلام. ودليل ذلك الضخم ما أوردناه, آنفاً من القواصم الثلاثة التي دمّر معاوية, بها, نهج الإسلام , واستقامة الإسلام, ومقاصد وغايات الإسلام. فأصبح الحاكم [ ولا أقول :الخليفة, لأنهم لبسوا ثوب الخلافة, شعاراً, لا دثاراً]– سواء أكان الحاكم معاوية أومن تبعوه, حتى آخر حاكم عثما ني.. يديرون البلاد- لا كما يريد الإسلام , بل بمنهج يـُبقي على حكم الحاكم ويوطّده- له ولعشيرته من بعده!! تصوّرغير واع ٍ يفارق روح العصر: – ثم.. إن تصور الكاتب لجيش كفار يحاربه جيش مسلمين.. هو تصوّر غير واع ٍ – لأهداف الحرب في عهد الرسول الحكيم وخلفائه الأربعة,وتصور, من ناحية أخرى- لا يتماشى مع وعْيِ الإنسان المعاصر, بشكل غالب, ومع رغبته في طيّ صفحة الماضي , وفتح صفحة جديدة لتغيير طبيعة التعامل بين الشعوب.. أما الحرب في عهد الرسول المعصوم, وخلفائه الأربعة, فقد كانت-إما حرباً استباقية , لما كان يـُعدّ ه الروم في الشام , والفرس في العراق, من غزوِ الجزيرة العربية والقضاء على الإسلام, أو كانت دفعاً لعدوان واقع. كما قال تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله ِ الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا. ‘ن الله َ لا يُحبّ ُ المعتدين ) ؟=البقرة-190= فالإسلام يكره العدوان, ويرفضه ويجرّمه . الإسلام –منذُ معاوية شعار لا د ثار: ولكن , بعد ذلك.. منذُ حكم معاوية أصبح الإسلام – شعاراً, لا د ثاراً- أصبح الهدف الأول – توسيع مملكة السلطان , وجمع الأموال ,لإنفاقها على شراء المحاسيب,وعلى شيء من البذخ, في دولة بني أمية,لقربهم من البساطة. وعلى البذخ, أولاً- وشراء المحاسيب, ثانياً, في دولة بني العباس, ودولة بني عثمان, بسبب استبحار العمران.

وهكذا كان سلوك الحكام الآخرين الذين انفصلوا عن دولة بني عباس, في الأطراف!!- لأن الحضارة الماديّة استبحرت, فأدّت إلى الاستغراق في البذخ والنعيم.. إذن.. لماذا هذا التعبير الذي سكّه الكاتب الذي لم يعُدْ مقبولاً في هذا العصر (جيش كفار!!). إن العا لم المتمدن, اليوم, لا يعبّر بهذه الفظاظة عن الآخرين,وإنما سيادة روح عصرنا تستدعي أن نؤمن بأن ( كلا ً على دينه الله يهديه للحقّ أويُعينه ) . وما عليّ وعليك كمسلمين إلا أن ندعوَ لديننا باللين والرفق والموعظة الحسنة- كما أرشد القرآن الرسول الحكيم : ( ادعُ إلى سبيل ِ ربّـِكـ, بالحكمة والموعظة الحسنة, وجادلْهم بالتي هي أحسنُ )= النحل- 125= وللناس أن يدعوا إلى أديانهم بمثل ذلك , وليس لي عليهم أن يقبلوا ما أدعوا له- كما أنهم ليس لهم عليّ أن انّبع ما يدعون إليه. بل إن الله العليم القدير الخبير وجّهَ رسوله الحكيم بأن لا يحاول أن يجبر الناس على الإسلام, فقال, جلّ وعلا: ( ولو شاء ربـّـُكـ لآمنَ من في الأرض- كُلهم , جميعاً, أفأنت تُكره الناس َ حتى يكونوا مؤمنين ؟) =يونس-99= ثم, بعد هذ ا.. علينا أن نؤمن أن الحقّ في نهاية المطاف هو الذي يسود : ( فأما الزبد ُ فيذهبُ, جُفاءاً, وأما ما ينفع الناسَ , فيمكثُ في الأرض ) =الرعد-17= كلّ ما أطلبه ممن معي ومن الآخر- أن نعمل بالأخلاق العالية, من صدق, واحترام للناس, ورفق بهم , ومساواة بينهم ,وحب الخير والصلاح للناس جميعاً…ولذ ا- أنا أنصح شيوخ المساجد عندما يدعون لبلادهم وحاكمهم في كل بلد, ولكل بلاد العرب والمسلمين, أن يدعوا بالصلاح والرشد والتعاون والفلاح- للعالم كلّه, لأن الإسلام نزل للعالم كلّه , يقول الله العليم الخبير- لرسوله : ( وما أرسلناك إلا كا فـّـَـة ً للناسِ, بشيراً ونذيراً ) = سبأ- 28= ولأن العالم الآن أصبح –مدينة ذات ضواح ٍ – فما يصيب الشرق أو الغرب يتردد صداه في الطرف الآخر. نظرٌ متخلف لنتائج الحرب: – ويقول الكاتب: ( وإذا كانت الغنيمة في الصلاة رمزية- فالغنيمة في الحرب مادّية ورمزية ). أقول : ما هذه المقارنة الفِجّة التي تعيدنا القهقرى , تعيدنا , إلى ماض ٍكانت الغنيمة فيه مبررة, لأنها كانت معاملة – بالمثل- ليس أكثر,إذ ْ كان العدوّ , إذ ا تغلب لا يـُبقي في أيدي المسلمين شيئاً. فيعامله المسلمون كما يعاملهم ..

أما اليوم , وقد ما ت هذ ا من حياة الناس في الحروب, فالإسلام لم يَعُدْ ينتظر أو يفكّر , لو استردّ بلاده فلسطين, أن يأخذ غنائم من إسرائيل, وإنما هي الحقوق, ليس أكثر!! عوْد الكانب إلى دوْر المسجد : – ثم..يعود الكاتب الكريم إلى دور المسجد في الحاضر, بنظرٍ بعيد ٍعن الصواب.. إنه ينتظر من المسجد أن يقوم (بمهمة تدارس السياسة, الأخلاق, التربية,أحوال المجتمع, أحوال الاقتصاد. ), ثم.. يرد ف 🙁 ألا يحتاج كل موضوع إلى خبير له القدرة إلى توجيه الناس توجيهاً علمياً دقيقاً؟ وهل يظل المسجد إلى اليوم فضاء يعزل المعارف الدينية التي يحتكرها المتمرسون بحفظ القوانين الفقهية- عن المعارف العلمية التي تؤثر, مباشرة با لوعي الإنساني, كعلم الاجتماع وعلم النفس,وعلوم التربية والاقتصاد والسياسة…؟ ).

أقول: أخونا الكاتب.. سمع من بعض الذين يدّعون الحداثة ولا يفقهونها, أو قرأ لهم.. أن المسجد يجب أن يعود لدوره القديم, فلقد كانت كل أمور الدولة تُسيـّـر من المسجد. ولكن الكاتب لم يعمل عقله بمضمون هذا الكلام, وهو أن هذه الأدوار –كما أسلفنا- لم تـُنَطْ بالمسجد إلا في عهد الرسول المعصوم , وخلفائه الأربعة, بحكم أن الحياة كانت بسيطة لا تعقيدَ فيها,وبحكم أن قلوبهم كانت معلقة بالمساجد.

ولذا لا يستدعي هاذان السببان السابقان إلى تقسيم المصالح إلى تخصّصا ت, ووووووعلى مواقع مختلفة . ولقد فارقت هذه الأدوار المسجد, منذ زمن معاوية –كما أسلفنا . أولاً- لاتساع الدولة, وثانياً- لأن الحكام , قلوبُهم رحلت عن المساجد إلى التشبّث با لسلطان, ونعيم الدنيا…وإن الإشكالية ليست بمفارقة كل هذه المصالح للمسجد, وهي مفارقة معقولة , وإنما لأمور أخرى أشرنا إليها.وهي إدارة الحاكم لكل هذه الأمور من قصره, لتوسّع هذه المصالح,ولأن الحكام فارقت قلوبهم المساجد- و من أجل مصلحته, وبقائه في الحكم , ومصلحة أبنائه وعشيرته × هذه العلوم والمهامّ لم يعُدْ يتسع لها المسجد :

– كما ذكرنا فإن هذه العلوم والمصالح التي أشار إليها الكاتب الكريم – لم يعدْ يتسع لها المسجد, بعد أن تطوّرت الحياة وتعقّدت , وبعد أن رحل قلب الحاكم عن المسجد. لقد أصبحت لها وسائل أخرى , ومعاهد أخرى , هي أوْلى بها, لأن المسجد( كما نصف دوْره , لاحقاً, بعد أن تعقدت الحياة.. لم يَعُدْ يتسع لكل هذه العلوم وهذه الأدوار).

هذه العلوم والتخصّصات أصبحت تدرّسها مدارسُ ومعاهدُ وجامعاتٌ , وتعرض أطرافاً منها محطاتُ الإذاعة وقنواتُ التلفازات, والكمبيوتر والإنترنت, والمسجلات والكاستـتات , وكذلك تقوم بشيء من هذا النوادي الثقافية والعلمية , والمجامع العلمية والأدبية والفقهية.. وهي أولى بها وأكثرملاءمةً لها- أم تريد, با أستاذ عمار, أن يجلس قُرابةَ مئة مليون طالب, في المراحل التعليمية المختلفة , في العالم العربي, وخمسمئة مليون طالب , في العالم الإسلامي- أن يجلسوا في المساجد, كل يوم خمس ساعات , وأكثر .. فتتقوّس ظهورهم, وتُرهق أعصابهم, ويحدث لديهم مشكلات صحية ,هم في غنىً عنها !! إن الحق عندي أن للمسجد دوراً آخر جليلاً سنتكلم عنه, تالياً..وإن الذي يريد أن يُدخل كلّ هذه العلوم في المسجد, في العصر الحاضر, كالذي يريد أن يدخل الجمل في سَمّ الخِياط!! ولكن, أين النهضة من وراء كلّ ذلك ؟ -ولكن للحق-فإن كلّ هذه المعاهد, والجامعات والوسائل في العا لم العربي والإسلامي ( والعا لم الثالث جميعه ).. لم تُفلحْ في تحويل هذه الموضوعا ت من – معلومات إلى علم – إلى علم يتضمن فكراً , وآراء تجديدية أو جديدة.[ وهذه هي الإشكالية الحقيقية ] – فنحن , في العالم الثالث,مشطورون شطريْن: المتديّنون يرَوْن أن القدامى لم يتركوا –لا شاردة ولا واردة إلا أحصَوْها وأشبعوها درساً وعلماً وتمحيصاً..!! فما علينا إلا أن نغرف حاجتنا من هذا البحر الزخار,وأن نمتطيَ –بعْدُ- الفلك الدوار !! والحداثيون- يحجون نحو الغرب, ويرون أن كل ماتفتق عنه عقل مفكر غربي أو ناقد غربي هو العلم – كلّ العلم وهو الفكر- كلّ الفكر..فما علينا إلا أن نحمل حقائب عقولنا فنملأها من هذ ا العلم -الذي كلّه حقّ لا باطل َ فيه!!- وإذن.. لماذا نتعب ونبحث , ونشغـّـل عقولنا– نحن الجاهلين بمصيرنا ,مقلدين للقدامى ,أو مقلدين لجماعا ت- أوباما- ؟!

– إن الحقّ أننا لن نفلح ما دمنا هكذا.. فلا بُدّ من أن نأخذ من تراثنا , ومن الغرب ما يقوم على العقل, وتقبل به الفطرة, وأن نطّرح كلّ ماليس كذلك, فما السابقون ملائكة, وما الغربعلّمه الله العليم القدير ,مباشرة, كما علو رسوله الحكيم المعصوم !!ولكن , أقول : ما ذنبنا , ونحن قد تحوّرتْ –جيناتنا- ابتداءاً من زمن معاوية – الطيّب الذكر, وإلى يوم الناس هذا, نتيجة الظلم والاستبداد واغتصاب الحقوق ؟؟ والآن – ما مهمة المسجد, اليوم,؟ للمسجد ثلاث مهمات جليلات , هي : – الأولى- أن تكون الخطبة تعا لج قضية واقعية , من وجهة نظر شرعية . وبعد الخطبة والصلاة يكون من واجب الخطيب أن يجلس ساعةً كاملةً يستمع لأسئلة من يريدون أن يسأ لوا, ويجيب عليها. وأن يستمع إلى آراء الذين لا يقتنعون بشيء من خُطبته, وأن يناقشهم ويناقشوه, حتى يبين الحقّ , أو حتى يرجع الطرفان إلى حـَكـََم أعلم من الخطيب. وهذا أمر سهلته الهواتف الخلوية : رسائلَ ومكالمات. أو يرجع من يشاء إلى مرجع يوثق رأيه منه, أما الخطيب فملزم أن يرجع إلى مرجع, لأن الجواب الصحيح مطلوب منه.إن خطباء المساجد وأئمته, الآن, في كل البلاد العربية والإسلامية, قد ترسّخت لديهم ثقافة, فهم يسابقون المصلين على الخروج من المسجد , بعد أداء الصلاة, وكثير منهم لا يصلى السنّة في المسجد, بذريعة أن ثــَمّـةَ حديثاً يقول : ( اجعلوا من صلاتكم شيئاً لبيوتكم) .

وهذا الحديث – كما ترى- لا يمنع الخطيب أو الإمام من أن يصلي َ بعض صلاته في المسجد , لأنه يقول ( من صلاتكم ) أي: اجعلوا بعضاً من صلاة السنّة في البيت, وبعضاً في المسجد لمن يشاء, خاصّةً أن الإمام قدوة : لا يجدر به أن يغادر المسجد, فوْر انتهائه من الصلاة.ومثل الخطيب ..الإمام الذي يقدم الدروس . فلا يصحّ أن يقدّم الشيخ درسه, ثم لا ينتهي منه إلا عند الأذان التالي, تجنّباً أن يسأ له بعض الحضور. ولو كان الدرس, مرّة في الأسبوع, أو كان كلّ يوم. – الثانية- أن يكون في كل مسجد مكان لترتيل القرأن وحفظه, أما المساجد الكبيرة,فيكون فيها, إضافةً إلى هذا..دروس في التجويد , ودروس في الفقه, وأخرى في التفسير, ورابعة في إعجاز القرأن, وخامسة في النحو العربي, وفي مطالعة نصوص أدبية جيّدة , لأن قراءة النصوص العالية وحفظ بعضها هو الذي يقوّم اللسان.

ولهذا.. سُمّيَ كتابُ الله تعالى- قرأناً- توجيهاً للمسلم أن يكثر القراءة فيه, كل يوم, ولو في اليوم, صفحتيْن. ويجري في هذه الدروس العلمية ما يجري في الخطب والدروس الخفيفة, من حيثُ تخصيصُ نصف الوقت أو ثلثه للنقاش, لأن العلم والفكر لا يتمكّنان في النفس إلا بالمدارسة والنقاش والحوار. – الثالثة- عقِب كل ّصلاة يجلس الإمام نصف ساعة , يجيب على أسئلة من يبقى من المصلين, ويـتـناقش معهم فيما يطرحونه من أفكار وآراء. =كلُّ ذلك ,في الأرقام الثلاثة ,يكون من وظيفة الخطيب و الإمام, والمدرّس ..لا يجوز أن يتركه, مرة أو أكثر, إلا –لعذر.

وهذه مهمات جليلة, وليست ضئيلة. وهي التي تناسب المسجد , وما يُتوخّى منه من أهداف. وهي أهداف جليلة. ولا يجوز أن نحمّل المسجد ما لا يحتمل, خاصّةً, بعد الخلفاء الراشدين, إذْ أضحى الحـُكـّام- كما وصفنا , أنفاً…وذلك, منذ زمن معاوية. ثم اتسع الخرق على الراقع في زمن العباسيين الذين جلب لهم الفرس الذين أتَوْا مع المأمون ابن هارون ,من الشرق, فقتل أخاه الأمين , واستولى على الحكم – جلبوا لهم ألْواناً وفنوناً من الطرب وأدواته, ومن ألوان النعيم الدنيوي , في المأكل والملبس والمسكن … فاستبحر العمران, وطغا الفساد.وأصبح –الحاكم- وحدَهُ, طبقة, والأمراء والوزراء وكبار الضباط طبقة, دونه. أما الشعب فكان حسَنَ الإسلام, على العموم, ولكن كان يعيش- معظمُهُ- حياة شقاء وبؤس :يدفعون الزكاة والضرائب للحاكم , ليظلّ غارقاً في نعيمه. ثم , عند الحروب .. يساق المقاتلون منه إليها ,مذعنين, لتظلّ خزائن الحاكم مترعةً بالمال الذي ينفقه على لهوه, وبذخه, ولهو حاشيته وبذخهم, ويشتري به الضمائروالمحاسيب !! يلامسون السطوح,فحَسْبُ, ويحدّقون في الهوامش: – على هذا.. فالأستاذ عمار, ومثلُه ما يقرب من –تسعين بالمئة – تقريباً – من الدارسين , في العالم العربي والإسلامي, هم يلامسون السطوح ولا يلامسون الأعماق. أو هم يلامسون الجزئيات المبعثرة, ولا يلامسون –الأسباب الكلّيـّةالحقيقية التي تضمّ هذه الجزئيات. والتي تؤدّي إلى إخفاق مشاريعنا, وخططنا , وتدمّر أخلاقنا, وتقود إلى كلّ أنواع –الفساد…والأسباب الكلية الحقيقية –متسلسلة: فأمريكا ( ومن ورائها الغرب)- تضغط على حكام العالم الثالث با تّباع ديمقراطية شكلية , ولكنها تحول بينهم وبين الديقراطية الصحيحة – ولكن – الصحيحة إلى حدّ – في بلادهم ! إذْ تُصر على هؤلاء الحكام وتلزمهم أن يطبعوا في نفوس شعوبهم وعقولهم- عن طريق وسائل الاتصال والتواصل المتنوعة- كالأعوان والمحاسيب ..أنهم – ملهمون-لا يجوز مناقشة أرائهم وما يقررونه, بل على الأعوان والإعلاميين , والمحاسيب- أن يلهجوا بمدحهم وتزيين ما يقولونه للناس !!! ومن هنا.. يأتي الداء الوبيل , ومن هنا لا تنجح في العالم الثالث الخُطط ,..والمشاريع المنبثقة منها !؟لأنه, وقد حُرم المثقفون والمفكرون , من إبداء الرأي فيما يقوله الحكام , وحرم الوزراء من أن يقولوا رأيهم في قرارات رئيس الوزراء ,وحرم الموظفون من أن يقولوا آراءهم في آراء وقرارات الوزراء, أوقرارات المديرين…إلخ– فقد أصبح التفكير مقطوع الرأ س.. وهل يحيى كائن قُطِع رأسُهُ ؟؟ ومن هنا.. لا تنجح دراساتهم ولا خططهم ولا مشاريعهم – كما أسلفنا – لأن الذي لا يشارك حقاً في الرأي بالمهامّ التي يقوم بها لا يجتهد في تنفيذها . وهم يخالفون بهذا ما كان عليه الرسول الحكيم المعصوم , وخلفاؤه الراشدون .

لقد كان الرسول يستشير أصحابه , بتوجيه ربّه له. قا ل تعالى : ( فبما رحمةٍ من اللهِ لِنْتَ لهم , ولو كنت فظّاً غليظَ القلبِ لانفضوا من حولِكَ. فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر…) = آل عمران- 159= بل إن عدم فسْح أيّ مجال لإبداء الرأي, في العالم الثالث, جعل البيئة – جاذ بة للفساد: عدم الإخلاص في العمل, وعدم الاهتمام بقول الصدق والحق وعدم الالْتفات إلى المساواة والإنصاف.

وبالتالي : عدم العمل بكل ذلك, ومن الطرف الآخر: يكثر الإقبال على الانتهازية والوصولية, وأكل المال الحرام, بطرق شتى وذرائع شتى…إلخ- أجلْ.. أمريكا والغرب عامّة- يلزمون حكام العالم الثالث بذلك, أو يـُلبـّون لديهم رغبة كامنة في النفوس- على حين يسمحون لشعوبهم أن يقولوا فيهم ما يقولون: موافقةً , ومخالفةً .بل إن شعوبهم لا تمكّنهم من الاستئثار بالقرار , وكتم الأنفاس… إذن — المسجد, يا أستاذ عمار- لن يحيا, ولو منحته دوْراً فوق طاقته ولا تحتمله أهدافه- ما دام الأمر , في العالم الثالث على ما هو عليه : الفكر فيه يعيش في الحفر, لا على القمم.! وأخيراً.. فالأستاذ عمار, ومثلُهُ تسعون بالمئة – تقريباً- من الذين يدْعون للحداثة, هم قرأوا لكـُتـّاب الغرب عن الحداثة, فحصّلوا معلومات محفوظة في عقولهم, وآمنوا بكل كلمة فيها, ولكن ما قرأوه لم يتحول إلى أنساغ تشرّبتها عقولهم ونفوسهم وخلايا أجسامهم – بحيثُ تكون قد تحوّلتْ في كيانهم إلى – بِـنْـيـَة حـيـّة- توجّه: تصوّراتهم , وأفكارهم وأراءهم وتصرّفاتهم ,بل بقيَ ما حصّلوه- معلومات يمكن التحدّ ث بها وعنها ,و لكن يصعب استثمارها . ولذا.. جاء كلام الاستاذ عمار, في معظمه,يعيدنا إلى الوراء, الذي لم يعُدْ ممكناً. إنه يقدح بزناد, في زمن الكهرباء, وينفخ في رماد, في زمن ارتياد الفضاء!!. والله المستعان, ومنه العون وعليه التكلان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى