سَــمّْوهـا ما شــئتم

سَمّْوها ما شئتم، هبَّةً جماهيريةً، بشائر انتفاضة شعبية شاملة، حراكاً شعبياً مواجهاً، انفجاراً في مواجهة بطش…إلخ كل هذه المسميات والتوصيفات التي هى قيد التداول الإعلامي الآن وباتت تخلع بالجملة والمفرَّق على راهن المحطة النضالية الفلسطينية الحالية، هذه التي تجاوزت ساحات الأقصى المنتهكة، واسوار القدس المقهورة، لتعم الضفة المستباحة، فتصل الى المحتل المنسي من فلسطين في العام 1948، ويتردد صداها الذي له ما بعده في غزة الصامدة والمقاومِة والمحاصرة.

سَمّْوها ما شئتم، فليس هذا هو المهم بالنسبة للحظة شعب مناضل معطاء ديدنه على امتداد الصراع العربي الصهيوني، واشدد على  العربي الصهيوني، الصمود الأسطوري، والتضحيات البطولية المذهلة، وابتكار المبدع والمستجد والمتغيِّر من مختلف اشكال النضال المناسب لشتى المراحل النضالية المقاومِة، أو التي ليس بالضرورة أن تتكرر نسخها، أو تتشابه محطاتها المتوالية المستمرة، وإنما موائمتها ، وبالضرورة، لتبدُّل ظروفه الموضوعية والذاتية البالغة الصعوبة والشديدة التعقيد.

سَمّْوها ما شئتم، لكن لا تطالبوا شعباً حياً وعنيداً شديد المراس، قرر منذ لحظة الصراع الأولى أن يقاوم غزاته وأن يطردهم، أي حتى قبل أنهم لم يتركوا له خياراً سوى أن يقاومهم ليطردهم، واثبت ويثبت أنه في نهاية المطاف أهل لذلك، لأنه الجاهز أبداً لأن يقدِّم ما لا تتخيلوه من اثمان للحرية والانعتاق، أو بلغة أخرى تحرير فلسطينه، ومهما بهظت…لا تطالبوه بما هو فوق طاقته، أي بما هو مهمة أمة بأسرها، ولا أن ينوب عنها في مهمتها، إذ هو ليس إلا رأس حربتها المقاومة، وما مهمته  إلا إدامة الاشتباك واستمرارية المواجهة مع عدوها، بانتظار افاقتها وعودتها لذاتها وتصحيحها لبوصلتها وقيامها بغائب دورها، هذا الذي هو أولاً وأخيراً واجبها تجاه نفسها وحمايتها لوجودها.. أمة سنظل نقول إنه إن تعثَّر راهنها فقيامها قادم لا ريب فيه.

سَمّْوها ما شئتم، لكن تذكَّروا أنكم ازاء شعب المفاجآت النضالية، والرافض ابداً للتعايش مع عدوه، والذي لم يأخذ وهو يبتدع مختلف اشكاله النضالية المتتابعة، حين يدشِّن ثورة من ثوراته، أو هبَّة من متوالية هبَّاته، أو انتفاضة من انتفاضاته، إذناً من أحد، وإنما كان شأنه دوماً أن يتيح لمن يلتحق به من قياداته أن يفعل. وإنه الآن، إذ يتجاوز المقاوم والمساوم والقاعد من تنظيماته، ويدفع على مدار الساعة ما تجهد وسائل الإعلام في متابعة احصاء اعداد من يترجَّل من شهدائه وشهيداته، ومن يصاب من جرحاه، ويؤسر من مناضليه، وما يهدم من بيوته ، ويشُرَّد من بنيه، فإن هذا الأبي الذي لايركع، وكبداية فحسب، قد حقق راهنه رغم كل هذا حتى الآن ما يلي:

أعلن عن وحدة انسانه وترابه الأزلية. اشهرها في تردد اصداء ما يترى في قدسه في جنبات الخليل ونابلس وجنين وطول كرم وبيت لحم والناصرة ويافا وغزة والمنافي. وهو إذ فعل، اربك عدوه وافقده صوابه وارعبه…ازرى بفرية القدس عاصمةً ابديةً للغزاة، وسخر من سياسة “ادارة الصراع” النتياهوية، فأخرج اعدائه عن طورهم…فماذا هم فاعلون؟!

ليس في جعبتهم مزيداً من اساليب القمع والبطش وفنون التنكيل لم يجرِّبوها، بحيث لم يجدوا ما يزيدوه سوى تكثيفها وتسريعها والمبالغة فيها، والذي إن كشف عن شيء، فعن هشاشتهم ورعبهم من مجرَّد تصوُّرهم لإمكانية خروج الأمور في فلسطين المغتصبة عن السيطرة تماماً…أو هذا المطلوب الآن، والآن قبل غداً، من شعب المفاجآت والإبتكارات النضالية…المطلوب هو أن تخرج الأمور عن سيطرة العدو وتحكُّم أمن سلطة “اوسلوستان”، وعندها فقط تقلب الطاولة ويكون ساعتئذٍ جديدنا النضالي المنتظر…

وإذ هذا هو ما في جعبتهم، هدد نتنياهو بحرب على الفلسطينيين لاهوادة فيها كان يمارسها من ذي قبل، وزاد فهدد ب”سور واق2″، أو ما سبق وأن فعله سلفه شارون…هو هنا لا يهدد شعباً بما لم يتبق لديه مما لم يهدده به، أو بما لم يفعله، كما أن شتى صنوف اسواره الواقية وغير الواقية لم تتوقف ضد هذا الشعب، وإنما يتوعَّد بسوره الملوَّح به سلطة “اوسلو ستان” إن هى لم تقم بالدور الذي يرى أن عليها القيام به في كبح جماح شعبها…لم تني رسالته وأن وصلت، إذ دعى رئيس السلطة اجهزته الأمنية إلى “اليقظة والحذر وتفويت الفرصة”…على ماذا؟ّ! على احتمالات “تصعيد الوضع وجره إلى مربع العنف”، وحث حكومة المحتل المتوعِّد على أن “تتوقف وتقبل اليد الممدودة لها”، مكرراً ذات لازمته التليدة، “نريد الوصول إلى حل سياسي بالطرق السلمية وليس بغيرها اطلاقاً”!!!

ولأنه “ليس بغيرها اطلاقاً”، يتحدث الصهاينة عن تنسيق أمني ميداني مستمر وعلى ارفع المستويات مع أجهزة السلطة ويصفونه بالجيد، وويقولون إنه من ساعدهم على السرعة القياسية في اكتشاف خلية فدائيي عملية مستعمرة “ايتمار” البطولية بالقرب من نابلس واعتقال ابطالها الخمسة…من طرائف السلطة أن اللواء الضميري، الناطق باسم اجهزتها الأمنية، يتهم الصهاينة ب”دعم المستوطنين”، غافلاً عن كون كيانهم هو اصلاً كيان استعماري استيطاني احلالي، وإن أُس سياساته العملية التهويدية، والتي بفضل من “اتفاقية اوسلو” وفي ظلها زرعت سبعماية الف مستعمر في الضفة وتزمع زيادتهم إلى المليون في الأعوام القليلة القادمة!!!

…ونعود للقول سَمُّوها ما شئتم، لكن لا تنسوا أنها واحدة مما يتسم به ديدن شعب مكافح وأبي ولا ينكسر، ومن عادته إن حلكت غاشيات المنعطفات المصيرية مفاجأة عدوه وصديقه بمبدع  ابتكاراته النضالية ومستجدها، والتي على اختلافها تقول: إما فلسطين أو فلسطين.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى