اعتقال صحفية تركية شبّهت اردوغان بثور دَخَل قصراً ملكياً فلم يصبح مِلكاً، بل تحول القصر الى حظيرة

على مدى الأيام الأربعة الماضية تتصدر واجهات مواقع وسائل الإعلام التركية قصة سيدتين، الأولى مغنية تدعى سيزين أكسو، والثانية الصحفية صدف كباش، المعروفة جيدا داخل الأوساط الإعلامية والشعبية.

وفي الوقت الذي احتدم فيه النقاش حول القضية التي أثارتها أكسو بـ”أغنية”، تحول السياق مباشرة إلى “كباش”، التي أقدمت السلطات على اعتقالها امس الاول السبت.

وكانت المغنية أكسو قد أثارت غضبا داخل البلاد، بسبب كلمات أغنيتها التي أعادت نشرها على موقع التواصل “يوتيوب” قبل أيام، حيث تضمنت عبارة: “سلموا على الجاهلة حواء وآدم”، وهو ما اعتبره كثيرون “إساءة للنبي آدم وزوجته حواء”.

أما الصحفية كباش فقد فُسرت كلماتها في مقابلة تلفزيونية على قناة “تيلي 1” على أنها “إهانة للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان”، بقولها: “هناك مثل شهير جدا يقول إن الرأس المتوج يصبح أكثر حكمة. لكننا نرى أن ذلك ليس صحيحا. فالثور لا يصبح ملكا بدخول القصر، بل إن القصر يصبح حظيرة”.

ورغم أن القضيتين منفصلتين عن بعضهما البعض، إلا أن ما جمعهما هو حضور اسم “إردوغان”.

وفي القضية الأولى رد الرئيس التركي على أكسو بقوله: “لا يمكن أن يتطاول أحد على سيدنا آدم وأمنا حواء. من واجبنا قص هذه الألسنة عند الضرورة”.

بينما كان للقضية الثانية أثرا أكبر من التي سبقتها، حيث اعتقلت كباش على الفور من قبل السلطات، ولاقت هجوما من المسؤولين الكبار في البلاد، على رأسهم الناطق باسم إردوغان، فخر الدين ألتون، الذي قال: “إن هذه التي تسمى صحفية تهين رئيسنا بشكل صارخ على قناة تلفزيونية لا هدف لها سوى نشر الكراهية”.

وأضاف “أدين هذه الغطرسة، هذا التصرف غير الأخلاقي بأشد العبارات الممكنة. هذا التصرف ليس فقط غير أخلاقي، بل إنه غير مسؤول أيضا”.

من جهته كتب وزير العدل التركي، عبد الحميد غول، على “تويتر” السبت: “أنا ألعن الكلمات القبيحة التي تستهدف رئيسنا”.

وكان لافتا، خلال الأيام الماضية، حالة الانقسام التي أثارتها هاتين القضيتين، وفي الوقت الذي اعتبر فيه مسؤولون أتراك وشخصيات محافظة أن مواقف كلا السيدتين لا يمكن تفسيرها إلا ضمن “إطار الإهانة والإساءة”، ذهب آخرون إلى اعتبار ذلك نوعا من “حرية التعبير”.

 

وفيما يتعلق بالصحفية كباش، فقد تقدمت المحامية الخاصة بها الاثنين بالتماس اعتراض لدى محكمة الجنايات الابتدائية بمدينة إسطنبول، مطالبة بالإفراج عن موكلتها.

وذكرت وكالات تركية، بينها “دوغان” (DHA) أن كباش قالت في شهادتها أمام المحكمة: “أنا لا أنوي الإهانة”.

ونشر “اتحاد نقابات المحامين الأتراك” بيانا مكتوبا، اليوم الاثنين، شدد فيه على أن “حرية التعبير حق دستوري. عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير للصحفيين، يتم التعامل مع مجال الحرية والحقوق في إطار أوسع بكثير”.

وأضاف البيان: “إن جريمة (إهانة الرئيس) تستخدم في الغالب كأداة لتقييد حرية التعبير في بلدنا. التحقيقات والاعتقالات التي تتم في هذا السياق تتعارض مع مبادئ القانون العالمي، وتؤدي إلى الضغط على الجمهور وتخويفهم”.

ويعاقب على جريمة إهانة الرئيس في تركيا بالسجن من سنة إلى أربع سنوات.

إلا أن “حزب الشعب الجمهوري”، بحسب ما ذكرت صحيفة “جمهورييت” أعلن عقب اعتقال الصحفية كباش عن إعداده مشروع قانون سيُعرض على البرلمان، يقضي بمنع معاقبة المواطنين الذين يوجهون إهانات لرئيس الجمهورية، بحجة أن المادة يساء استخدامها من قبل الحكومة.

وتتضمن المسودة مسوغات فحواها أن “المادة 299 من قانون العقوبات الجزائية تم تشريعها لرئيس محايد لا ينتمي لأي حزب سياسي، وأنه خلال فترة حكم الرئيس رجب طيب إردوغان رئيسا للجمهورية، تم فتح تحقيق بحق 160 ألفا و169 شخصا، وصدر الحكم بحق 12 ألفا و881 شخصا، وهذا يدل على استخدام المادة القانونية بشكل سلبي من الحكومة”.

وفي غضون ذلك تحدث الباحث بالشأن السياسي التركي، هشام جوناي أن “القضايا المتعلقة بإهانة الرئيس التركي إردوغان تجاوز عددها 30 ألف خلال 3 سنوات (2018، 2019، 2020)”، معتبرا أنه “رقم قياسي ولا يشمل عام 2021”.

ويقول جوناي: “هذا الرقم ربما تجاوز 35 ألفا. التهم بدأت تتطلق لأي شخص معارض يعبّر عن رأيه بشكل أو بآخر. بخصوص الصحفية صدف كباش فهي لم تذكر اسم إردوغان صراحة. الأمر مجرد تخمين”.

ويضيف: “اعتبارها أنها قصدت الرئيس وإلقاء القبض عليها بهذه السرعة محطة يجب الوقوف عندها في موضوع حرية التعبير. الخطر الملح أن عدد هذا النوع من القضايا يمكن أن يتزايد في الأشهر والسنوات المقبلة، بسبب غياب حدود لهذه المسألة”.

ويشير جوناي إلى حالة من الانقسام الحاصلة اتجاه القضية المذكورة، بين طرف يؤيد الحكومة التركية و”حزب العدالة والتنمية” من جهة، وطرف يعارض، ويُحسب على أحزاب المعارضة الأخرى في البلاد.

ويتابع: “ربما يتعرض الشخصان اللذان كانا موجودان في حلقة الصحفية صدف كباش لمساءلة لأنهما ابتسما فقط!”.

وكذلك الأمر بالنسبة لقضية المغنية أكسو، التي يراها جوناي أيضا بأنها “خرجت عن سياقها”، منتقدا طريقة التعاطي الخاصة بها من جانب إردوغان، عندما استخدم مصطلح “قطع اللسان”.

ويقول: “المغنية قصدت في كلمات أغنيتها الرجل والمرأة وليس بالمعنى الضمني والحرفي النبي آدم وزوجته. الأغنية ترمز إلى هذا المعنى”.

 

ومن جانبها، اعتبرت “نقابة المحامين في إزمير” في بيان لها الاثنين أن قضيتي الصحفية والمغنية تعتبران “نتاج فهم شمولي”، مستشهدة بعبارة من رواية جورج أورويل: “لم يكن هناك شيء غير قانوني على الإطلاق، لأن القوانين نفسها لم تعد موجودة”.

وجاء في البيان: “بصفتنا نقابة المحامين في إزمير، سنصر على الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية ضد هذه الهجمات الرجعية على الفن وحرية الصحافة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى