في الزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الجزائر في 5 ديسمبر/كانون الأول 2021،والتقى خلالها مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كان الهدف منها التنسيق بين القيادة الجزائرية و الرئيس الفلسطيني من أجل إعطاء القضية الفلسطينية الأولوية على جدول أعمال القمة العربية المزمع عقدها في شهر مارس/آذار المقبل بالجزائر.
وخلال مؤتمر صحفي جمع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، والرئيس الفلسطيني محمود عباس في العاصمة الجزائرية يوم 6ديسمبر/كانون الأول 2021، كشف الرئيس الجزائري عن موافقة عباس على استضافة الجزائر مؤتمرًا جامعًا يضم الفصائل الفلسطينية على أراضيها لتحقيق المصالحة الوطنية ، في 24فبراير/شباط 2022، لا سيما أنَّ الجزائر ترغب في إنجاح المؤتمر قبل استضافتها القمة العربية، نهاية مارس/أذار المقبل.
رغم أنَّ الجزائر تمتلك الإمكانيات المادية والمعنوية والتجربة التاريخية والوجاهة والاحترام الدولي ،ولازالت تحافظ على دبلوماسية أخلاقية وتحترم التشريعات الدولية ، وتسعى لـ”أنْ تكون قاطرة” لاستعادة أمجادها الدبلوماسية التي حققتها في سبعينيات القرن الماضي، فإنَّ المحللين يرون أنَّ نجاح الوساطة الجزائرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني، والتوصل إلى مصالحة وطنية تنهي نحو 15 سنة كاملة من التشرذم، أمرٌ في غاية الاستعصاءِ.
موقف الدولة الوطنية الجزائرية من القضية الفلسطينية مشرفٌ جدًّا، ويستند إلى عدالة هذه القضية ، والإرث التاريخي لنضال الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي. وتُحْظَى السياسة الجزائرية بشكلٍ عامٍ بالاحترام و التقدير من كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد، بمحافظتها وبقائها على مسافة واحدة من كل هذه الفصائل.
وكانت حركة فتح كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بدأتْ مسيرتها الكفاحية من الجزائر في ستينيات القرن العشرين ،عقب تحرّر الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وتبنِّيها مشروع تحرير فلسطين.ولكنَّ السلطة في الجزائر، أخذتْ تتحول منذ الاستقلال في جميع الميادين، ومنها انتقالها من سياسة التحرير لكامل التراب الفلسطيني إلى تبنِّي سياسة التسوية لحل القضية الفلسطينية.
وهذا ما جعل الجزائر تسيرُ على طريق التسوية باحتضانها انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني على أراضيها في نوفمبر/تشرين الثاني 1988،حيث اعترفت القيادة الفلسطينية الرسمية بزعامة الراحل ياسر عرفات،بالقرار 181كأساس للاستقلال،وقبلت أيضًا بحلٍّ سياسيٍّ ضمن إطار القرارين 242،و338، أي أنَّ القرار الفسطيني رَضِيَ أنْ يستمدَ شرعية الاستقلال ، من قرارٍ غير شرعيٍّ،ومعادٍ للحقوق الطبيعية للعرب في فلسطين.وأنَّ هذا القرار الفلسطيني ،رِضِيَ بحلٍ على أساس قرارين آخرين، هما 242 و338 اللذين يكرسان وجود الكيان الصهيوني ، ضمن إطار حدوده، سنة 1967، وعلى أساس التفاوض و الصلح والاعتراف والحدود الآمنة الخ .
وصول وفود الفصائل الفلسطينية إلى الجزائر
أولا: رؤية حركة “فتح”،كان وفد حركة “فتح” أول الواصلين من الفصائل الفلسطينية إلى الجزائريوم السبت 15يناير/كانون الثاني الجاري ، ويتكون الوفد من عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية للحركة، عزام الأحمد، وعضوي اللجنة المركزية محمد المدني ودلال سلامة، بالإضافة إلى نائب أمين سر المجلس الثوري فايز أبو عطية، حيث نظم هؤلاء لقاءً مع مسؤولين جزائريين، من أجل التباحث حول سبل إنجاح الحوار الوطني وتحقيق المصالحة.
يقول منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي بمفوضية التعبئة والتنظيم التابعة لحركة “فتح”، إن وفد الحركة ما زال يواصل اجتماعاته مع المسؤولين الجزائريين.وأضاف في حديثه لوكالة الأناضول بتاريخ 19يناير الجاري : “لا يوجد حتّى هذه اللحظة نتائج للاجتماعات المستمرة، لأنَّها لم تنته بعد”.
وأوضح الجاغوب أنَّ حركته تلتزم باتفاقيات المصالحة وإنهاء الانقسام التي تم توقعيها في الماضي، وأبرزهم الاتفاقية الموقّعة في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 في العاصمة المصرية القاهرة.وذكر أنَّ وفد حركته يبحث مع الجزائريين “آليات تطبيق تلك الاتفاقيات التي تضع حلا لغالبية الملفات”.وشدَّد على أنَّ أي حكومة وطنية سيتم تشكيلها لاحقًا، يجب أن “تلتزم بالاتفاقيات التي وقّعتها منظمة التحرير وبالشرعية الدولية، كون معظم الحكومات الفلسطينية تعتمد على المساعدات الدولية”.
ثانيا: رؤية حركة”حماس”، وصل وفد من حركة المقاومة الإسلامية “حماس” إلى الجزائر يوم الإثنين 17ينايركانون الثاني الجاري ، ليكون الثاني الذي يصل العاصمة الجزائرية. وقال حازم قاسم، المتحدث باسم “حماس”، إنَّ حركته “ستقدّم رؤية متكاملة وشاملة لترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء الانقسام وتحقيق مصالحة حقيقية مبنية على مبدأ الشراكة السياسية الكاملة”.
وأضاف: “لا بد من وضع القضايا الوطنية في بؤرة اهتمام هذا النظام السياسي، خاصة في ظل التحديات المتصاعدة ضد القضية الفلسطينية”، وبيّن أنَّ الرؤية تستند إلى “اعتماد الخيار الديمقراطي في إعادة بناء النظام السياسي”.
وأكمل: “يجب أن تستند (إعادة بناء النظام السياسي) للانتخابات وشرعية الجماهير، هذه الانتخابات يجب أن تشمل كافة المستويات، الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، ثم باقي المكوّنات التمثيلية مثل البلديات والنقابات وغيرها”.كما تستند الرؤية، بحسب قاسم، إلى تشكيل قيادة وطنية موحّدة ومؤقتة، إلى حين استكمال بناء النظام السياسي الذي يشمل منظمة التحرير أولاً، ثم السلطة الوطنية والجهات المُنبثقة عنها.
ثالثًا: رؤية حركة الجهاد الإسلامي ، قال القيادي في “حركة الجهاد الإسلامي” داود شهاب، إنَّ وفد الحركة الذي سيصل الجزائر في 30 من يناير/كانون ثاني الجاري، سيطرح رؤية الحركة الخاصة.
وأضاف شهاب لوكالة الأناضول: “المدخل الحقيقي لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، يبدأ بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتطلب الشروع بعدة خطوات تبدأ بالحوار الوطني للتوافق على برنامج سياسي؛ يتضمن آليات بناء منظمة التحرير على أسس جديدة”.
وأوضح أنَّ “تصاعد حدة الإرهاب الصهيوني في الضفة، وسيادة الاحتلال على الأرض، تفرض على الفلسطينيين التفكير في كيفية مواجهة هذا الاحتلال لحماية ما تبقّى من الأرض”.
وقال: “في ظل التهويد والاستيطان والإرهاب الذي يستهدف أرضنا وشعبنا ومقدساتنا علينا أن نبني استراتيجية وطنية للتحرير ولحماية الأرض وليس الذهاب نحو تكريس الاحتلال من خلال الحديث عن حكومة أو سلطة تعترف به وتسعى للتعايش معه وتنسق معه أمنيًا”.
واستكمل: “الخلاف الحاصل في الساحة الفلسطينية هو خلاف على البرنامج السياسي، وليس نزاع على سلطة بدون أي سيادة فعلية على الأرض؛ لأنَّ الحاكم الفعلي هو الاحتلال الذي يتحكم بكل شيء من معابر واقتصاد وجو وبحر وبر”.وأشار إلى أنَّ حركته تولي “اهتمامًا كبيرًا بالمقاومة، وترى أنّ المدخل الصحيح لتحقيق الوحدة، يجب أن يقوم أيضا على قاعدة حماية المقاومة، إلى جانب التوافق على البرنامج السياسي”.
رابعًا: رؤية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قال كايد الغول، عضو المكتب السياسي،وهو أحد أعضاء وفد الجبهة المزمع أن يصل الجزائر في 26 من كانون الثاني الجاري :إنَّ الجبهة الشعبية تتبنى رؤية خاصة للخروج من حالة الانقسام.وأضاف الغول “تتضمن الرؤية معالجةً سياسية ووطنية للخروج من حالة الانقسام، والاتفاق على برنامج سياسي مشترك بعد أن وصل خيار أوسلو (اتفاق موقع بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1993)، لطريقٍ مسدودٍ”.
وبيّن أنَّ المعالجة السياسية يجب أن تبدأ بعلاج “منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، والإطار الجامع لكل مكوّنات الشعب”.واستكمل قائلاً: “يجب أن تفتح الأبواب للجميع وأن يجري التوافق على مرحلة انتقالية – إن لم تكن انتخابات – لتشكيل مجلسٍ وطنيٍّ جديدٍ يضم جميع الفصائل، ومبني على مبدأ الشَرَاكَةِ”.
إلى جانب هذه الوفود الأربعة، تشارك أيضا ،الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين –القيادة العامة بقيادة الدكتور طلال ناجي،في مؤتمر الفصائل الفلسطينية بالجزائر، وكذلك الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمه، التي أعلنت عن مبادرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، حيث قال قيس عبد الكريم ، نائب الأمين العام للجبهة ، تضمّنت المبادرة، مقترحات “تتعلق بالشراكة مع مؤسسات منظمة التحرير، واختتام عام 2022 بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في مواعيد متفق عليها مسبقا في إطار الحوار الوطني”.
وأضاف ،إنَّ المبادرة تستند على “تنفيذ مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل (سبتمبر/أيلول 2020) بشأن صياغة واعتماد استراتيجية كفاحية جديدة بديلة لاتفاق أوسلو وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة للنهوض بالمقاومة الشعبية وصولا إلى الانتفاضة الشاملة والعصيان الوطني في مواجهة إسرائيل”.
يؤكد المراقبون، بأنَّ الوساطة الجزائرية بين الفصائل الفلسطينية، تسعى إلى تحقيق نجاحٍ قبيل انعقاد مؤتمر القمة العربية المقبل، ولهذا ستبحث الجهات السيادية العليا في الجزائر، مع وفود الفصائل الرؤية الفصائلية لإمكانية إحداث اختراق حقيقي في ملف المصالحة الفلسطينية ، ونجاح فكرة عقد جلسة جامعة يمكن من خلالها البناء على رؤية واضحة تتمثل بخطوات قابلة للتنفيذ على الأرض وتساهم في تعزيز الحوار الإيجابي ووقف التراشق الإعلامي، والعمل لتصحيح المسار، وستستمع تلك الجهات إلى رؤية كل فصيل وستقوم بتقديمها لمكتب الرئيس تبون الذي سيجتمع مع مختلف الجهات السيادية بما فيها وزارة الخارجية والتواصل مع الرئاسة الفلسطينية، من أجل التقدم بالخطوات المتوقع التوصل إليها لعقد مؤتمر جامع يحقق المطلوب منه.
فهل ستنجح الوساطة الجزائرية في تحقيق هذا الاختراق ، علمًا أنَّ الساحة الفلسطينية تعاني من الانقسام السياسي والجغرافي منذ عام 2007، حيث تسيطر “حماس” على قطاع غزة، في حين تدير الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة “فتح”، بزعامة الرئيس عباس، الضفة الغربية.ومنذ سنوات، عُقدت العديد من اللقاءات والاجتماعات بين الفصائل الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، دون أن تُسفر عن خطوات عملية جادة لتحقيق ذلك.
وهم المصالحة الفلسطينية ومؤتمر الجزائر مصيره الفشل
عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة فتح في 1 كانون الثاني عام 1965، لعبت دوراً بارزاً في تفجير الكفاح المسلح في فلسطين المحتلة وفي بلدان الطوق، جنباً إلى جنب مع باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى.
غير أنَّه وفي عام 1974 عندما ذهب الزعيم الراحل ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة لتحتضنه الشرعية الدولية، لم يعد الكفاح المسلح مرتبطاً بالأهداف الاستراتيجية كالتحرير والعودة. وما كان يمكن أن يصعد عرفات إلى منبر الأمم المتحدة بهذه السهولة، وكان هذا إعلاناً أنَّ منظمة التحرير أصبحت جزءاً من السياسة واللعبة الدولية والإقليمية التي لا تسمح مطلقًا باستمرار المقاومة الفلسطينية من أجل التحرير. وبدأت منظمة التحرير التي أنشئت من أجل هدف التحرير ومنه تستمد اسمها، تتلاشى رويداً رويداً.
آنذاك، جرى توظيف العمل العسكري في خدمة خط التسوية السياسية الذي بدأ يهيمن على الساحة الفلسطينية منذ أواسط السبعينيات،وبعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت عقب الاجتياج الصهيوني للبنان في حزيران عام 1982،واحتلاله أول عاصمة عربية،انساقت معظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في خط التسوية، والبحث عن حلولٍ سلميةٍ للصراع العربي- الصهيوني، وأُصِيبًتْ المنظمة بالعجزِ والوهنِ، في ظل تراجع دورها على الصعيد العسكري، آنذاك انطلقت الانتفاضة الأولى في فلسطين المحتلة في9 كانون الأول 1987.
أحدث بروز الخط الجهادي في المقاومة الفلسطينية و اللبنانية ، ومن ثم في الكفاح المسلح والعمليات الاستشهادية، حالة من الفزع لدى قادة العدو الصهيوني، حاولوا تصديرها إلى قيادة منظمة التحرير في الساحة الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات ، فأطلقوا فزّاعة البديل الإسلامي للمنظمة وللمشروع الوطني الذي تعبر عنه، ونجحوا من خلال اتفاق أوسلو المشؤوم في 13أيلول / سبتمبر1993 .
فتأسس نظامٌ سياسيٌّ فلسطينيٌّ جديدٌ متكونٌ من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو الذي وقعته “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993. والحال هذه، أوجد اتفاق أوسلو انشقاقاً كبيراً بين الفلسطينيين،وخلخل مرتكزات النظام السياسي الذي أسست له منظمة التحرير طوال ثلاثة عقودٍ. ويبد وأنَّ الثوابت التي حافظ عليها النظام السياسي الفلسطيني هي أقل بكثيرمن المتغيرات التي طرأت عليه. فبعد قيام سلطة الحكم الذاتي دخلت المنظمة بكل فصائلها قفص التسوية- مناطق السلطة في الضفة وغزة- مع تباينٍ نسبيٍّ في الموقف من التسوية وهوتباين حول الآليات وليس حول مبدأ التسوية أو الصفة التمثيلية للمنظمة، وتحول الثوار إلى موظفين أو رجال أمن بمهام غامضة.
فحيث أنَّ تأسيس السلطة جاء في إطار تسويةٍ مرفوضةٍ من طرف حركة حماس والجهاد الإسلامي أيضاً- فقد رفضت حركة حماس الاعتراف بالسلطة بداية ثم قبلت بها كأمر واقع من دون أي تعاونٍ يذكر،وهي أساساً لم تكن راغبة بالانضواء في النظام السياسي الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية بل وقفت موقفاً معادياً من السلطة وبذلت كل ما من شأنه أن يعيق عملها أويسيء لسمعتها، وسنلاحظ لاحقاً كيف غيَّرتْ حماس موقفها من المشاركة بالنظام السياسي وبالسلطة عندما دَخَلتْ الانتخابات التشريعية وأصبحت هي السلطة في قطاع غزة .
إنَّ الفشل المرجح لمؤتمر الجزائر لا يتعلق بالإدارة الجزائرية للحوار، ولكنّ الفشل ناجم عن الخلافات العميقة بين أهم فصيلين مؤثرين داخل الساحة الفلسطينية، وهما السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، المعتمدة على وزن حركة فتح التاريخية، و السلطة في غزة بقيادة حركة حماس.فهناك تناقض سياسي وإيديولوجي بين الرئيس الفلسطيني وحركة حماس، يتمثل في رفض هذه الأخيرة الاعتراف باتفاقات أوسلو، بوصفها أساس وجود السلطة الفلسطينية. وينتج من ذلك انشطار السلطة الفلسطينية إلى استراتيجيتين تلغي الواحدة منها الأخرى، وهوواقع يتم إخفاؤه بالإعلان عن وقف الانقسام الفلسطيني ،وغيره من الحلول المؤقتة بدل مواجهته. إنَّ الرئيس عباس أوضح لعددٍ من قادة فتح أنَّه لن يقبل البتَّة بوجود سياستين في السلطة الفلسطينية. وهو يرى أنَّ السياسة الوحيدة التي ينبغي أنْ تكون للسلطة هي السياسة التي أقرَّتْهَا منظمة التحريرفي مجالسها وهيئاتها الشرعية.
إنَّ هذا الوضع كلّه جعل النظام السياسي الفلسطيني ،وهو أسوأ نظامٍ عربيٍّ ، ضعيفًا،وغير قادرٍأن يكسب معركة التسوية بعد أن تَخَلتْ المنظمة عن معركة التحرير.وبعد أنْ قاد مشروع التسوية إلى تصفية القضية الفلسطينية، بفعل مجموع السياسات والإجراءات الإسرائيلية/ الأمريكية، والمدعومة إلى حدٍّ مَا من الأنظمة العربية التي طبعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني ، فإنَّ السلطة الفلسطينية المرتبطة عُضْوِيًا بالعوامل الخارجية المؤثّرة، ومصالح النخبة الأكثر نفوذاً داخل الكيان الفلسطيني، عاجزةٌ عن فكِّ ارْتِبَاطِهَا هَذَا .
فكُّ الارتباطِ ،يعني التخلِّي عن مشروع التسوية الاستسلامية ،وهذا من باب المستحيل ،لأنَّ التمسك بالتسوية، هو المسوّغ لوجود السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس ، وحركة فتح،وباقي الفصائل الفلسطينية، التي تَخَلَّتْ عن نهجِ التَحْرِيرِ.
الخاتمة:
القضية الفلسطينية بحاجةٍ إلى مشروعٍ وطنيٍّ جديدٍ للتحرير،وهذا ما ستعجز الفصائل الفلسطينية عن تحقيقة في مؤتمر الجزائر،لأنَّها فصائل هَرمَتْ وشَاخَتْ،وأصبحتْ عاجزةً عن التحرير،بل إنَّها تعيش في غُرَفِ الْإِنْعَاشِ. إنَّ بَلْوَرَةَ المشروعِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ الجديدِ، الْمُتَشَبِّعِ بالفكرِ السياسيِّ الديمقراطيِّ الحديثِ والْمُرْتَكِزِ إلى خطِّ المقاومةِ والتحريرِ،يَحْتَاجُ إلى جِيلٍ عربيِّ وفلسطينيٍّ جَدِيدٍ، وإلى مشروعٍ قوميٍّ ديمقراطيٍّ عربيٍّ نهضويٍّ جديدٍ، وهذا كلّه يبقى على جدولِ أعمالِ الأمةِ التاريخيِّ!