ضربات اللاذقية تهز صورة “ابو علي بوتين” في نظر الشارع العربي.. وقصة “طائرة النقل” أزعجت دمشق

قناة الحرة- إسطنبول

بعد أشهر قليلة من التدخل العسكري لموسكو في سوريا عام 2015، أطلق مناصرون لرأس النظام السوري بشار الأسد وصف “أبو علي بوتين” على الرئيس الروسي، نسبة إلى شخصية الضابط الكبير المنحدر من مناطق الساحل السوري.

وعلى مدى السنوات الماضية ارتسمت صورة واحدة بين تلك الأوساط بأن بوتين “حافظ على السيادة الوطنية، وأعاد الأمن والأمان إلى البلاد، من خلال مشاركته بالحرب ضد الإرهاب، التي استهدفت عموم المناطق والمحافظات”.

لكن، وبعد الضربات الصاروخية التي نُسبت لإسرائيل، واستهدفت ميناء مدينة اللاذقية فجر امس الثلاثاء، كان اللافت أن هذه الصورة قد اهتزت.

وفي الوقت الذي كانت فيه ألسنة اللهب وسحاب الدخان تتصاعد من “ساحة الحاويات”، فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمواقف استهجان وانتقاد، عبّر عنها مواطنون وصحفيون وسياسيون عرفوا بمناصرتهم للنظام السوري، خلال السنوات العشر الماضية.

وكتب دريد الأسد، ابن عم بشار الأسد، عبر “فيس بوك” متسائلا: “ألم ترصد منظومات الرصد والمسح الجوي المنتشرة في مطار حميميم والمنطقة المحيطة به أهدافا عدوّة (طائرات أو صواريخ موجهة)، وتقوم على إثر ذلك بتشغيل وتفعيل ومن ثم إطلاق مضاداتها الصاروخية المنتشرة هناك”؟!

وأضاف: “عليه فإن روسيا لم تمانع ولن تمانع حدوث هكذا ضربات البارحة ولا اليوم ولا في المستقبل”!

وقبله بساعات قال رئيس “اتحاد الغرف الصناعية”، فارس الشهابي، عبر “تويتر”: “يحتاج شخص ما لإخبار بوتين بأن الاستياء الشعبي من روسيا في سوريا يرتفع بشكل صاروخي بسبب الهجمات الإسرائيلية المتكررة في ظل الصمت الروسي”، مضيفا: “بالنسبة لنا الأمر لا يتعلق بالضغط على الأسد بل بسلامتنا وكرامتنا”!

وأضيف إلى جانب هذين الموقفين آراء أخرى لصحفيين وفنانين، حيث اعتبر الصحفي السوري، يوشع يوسف، أن التعليق الروسي “شديد البرودة كما طقس موسكو على تصرف العدو الإسرائيلي”.

بينما قال الفنان السوري، بشار إسماعيل في انتقاده للموقف الروسي إزاء الضربات الصاروخية: “كنا نسميه أبو علي بوتين. قررنا تغيير الاسم إلى أبو لهب بوتين”.

ماذا قالت موسكو؟
في بيان لوزارة الدفاع الروسية ليل الثلاثاء – الأربعاء بررت موسكو عدم صدها للغارات بأن طائرة نقل عسكرية روسية كانت تهبط في مطار حميميم أثناء هجوم مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي.

وقال العميد في البحرية الروسية، أوليغ جورافليف لوكالة “ريا نوفوستي”: “الدفاع الجوي السوري لم يتصد للغارات الإسرائيلية، لأنه أثناء الضربة تواجدت طائرة لطيران النقل العسكري للقوات الجوية الفضائية الروسية، في منطقة نيران منظومات الدفاع الجوي”.

وأسفرت الضربات بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السورية “سانا” عن “أضرار كبيرة”، حيث امتدت على مساحة أكبر نسبيا من القصف السابق، الذي حصل في السابع من ديسمبر الحالي.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الصواريخ استهدفت شحنات أسلحة إيرانية.

وبحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، اليوم الأربعاء، فإن “الجيش الإسرائيلي يأمل أن تدق هذه الهجمات إسفينا بين نظام الأسد وإيران”، وأن “تدفع سوريا ثمن السماح لإيران بالعمل على أراضيها في محاولة لإقناع الأسد بالتوقف أو تقليص الدعم”.

من جهتها استنكرت وزارة الخارجية الإيرانية الغارات الجوية الإسرائيلية، وقال المتحدث باسمها، سعيد خطيب زادة، إن بلاده تندد بالاستهدافات المتكررة، خاصة التي تطول مستودعات “الغذاء والدواء” في ميناء اللاذقية.

“شكوك وتساؤلات”
وكانت روسيا وإسرائيل قد أنشأتا خطا عسكريا ساخنا، لتنسيق عمليات القوات الجوية فوق سوريا وتجنب الاشتباكات، منذ عام 2018.

وفي عام 2018 تم اختبار العلاقات الروسية الإسرائيلية من خلال إسقاط طائرة حربية روسية من قبل دفاعات نظام الأسد، وذلك عن طريق الخطأ، في أثناء الرد على طائرات حربية إسرائيلية كانت تُغير قرب الساحل السوري.

وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية، في شهر أكتوبر الماضي، بينها “يسرائيل هيوم”، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت، اتفقا في نهاية زيارة الأخير إلى موسكو “على استمرار سياسة حرية العمل الإسرائيلية القائمة في سوريا”.

وأضافت الصحيفة: “تلخص النقاش بنموذج الاستمرار في العلاقة إلى مستوى جديد”.

بدوره يقول المحلل السياسي المقيم في دمشق، علاء الأصفري إن “الضربة الإسرائيلية كانت موجهة بالنسبة لميناء اللاذقية، ولا أعتقد أن هناك أسلحة إيرانية”.

ويضيف الأصفري لموقع “الحرة”: “هناك استهجان كبير في الشارع السوري، خاصة أنه لم يصدر أي تصريح حازم وصارم من قبل أصدقائنا الروس، كونهم على علم بها”.

ودائما وعندما تقصف إسرائيل أهدافا في سوريا تضع روسيا في الصورة، ووفق المحلل السياسي فإن “هذا الأمر شكل استهجان كبير جدا منذ الثلاثاء. أعتقد أن الهيبة الروسية في محل شك وتساؤل، ولا مصلحة لموسكو بهذا الخلل الكبير في نظرة السوريين لها”.

ويتابع الأصفري: “لطالما نظر السوريون إلى روسيا بأنها صديقة وحليفة وتعطي أمانا في سوريا. روسيا أخطأت كثيرا بالسماح لإسرائيل بهذه الضربة، وقد خسرت كثيرا من سمعتها وهيبتها في الوقت الحالي”.

لا اتفاق ضمنيا أو غير ضمني
ويوصف ميناء مدينة اللاذقية بأنه شريان حيوي يعتمد عليه النظام السوري في الحصول على الكثير من الموارد، على رأسها النفط القادم من إيران.

ويعطي قصفه لمرتين في أقل من شهر “دلالات ورسائل”، بحسب ما تحدث محللون وخبراء عسكريون في وقت سابق لموقع “الحرة”، بينما يعتبر التوقيت الذي جاء فيه “نقطة على غاية من الأهمية”.

لكن المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر يؤكد أنه “لا يوجد أي توافق ضمني أو غير ضمني بين إسرائيل وروسيا بخصوص الضربات الجوية الإسرائيلية على أهداف معينة في سوريا”.

ويقول الشاعر لموقع “الحرة”: “العلاقة الروسية الإسرائيلية ليست على ما يرام. لان إسرائيل حتى الآن تماطل في إعادة أملاك روسيا من أراضي ومباني تاريخية دينية في الأراضي المقدسة”.

وإضافة إلى ذلك “تؤكد روسيا مرارا أنها ضد سياسية التوسع الاستيطاني، كما تؤيد قيام الدولة الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية”.

وبخصوص الضربات الإسرائيلية في سوريا يرى المحلل السياسي المقيم في موسكو أن “إسرائيل تقوم بهذه الهجمات، لانزعاجها من العلاقة الجيدة بين دمشق وطهران وبين الأخيرة وموسكو”.

“وتراهن إسرائيل بكل الوسائل على ضعضعة العلاقات الإيرانية الروسية”، بحسب الشاعر الذي يشير: “الهدف من الاعتداءات على الأراضي السورية هو استفزازي لنسف نظام التهدئة والتنسيق بموجب أستانة”.

وقبل أيام قال المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، إنه “من المستحيل إغلاق هذه القضية”، في تعليقه عن الضربات الإسرائيلية المتكررة في البلاد.

وأضاف، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”: “الإسرائيليون يصرون على ما يسمونه حق الدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي. هم يقولون إنهم يستهدفون أهدافا إيرانية. لنقل ذلك بصراحة”.

ومنذ عام 2015 كان من النادر أن تخرج انتقادات موجهة للروس من الحاضنة المؤيدة للنظام السوري.

وعلى خلاف ذلك لطالما أشاد المسؤولون العسكريون والسياسيون بالدور الذي لعبته موسكو في سوريا، على رأسهم الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته، فيصل المقداد.

ويوضح الشاعر أن “القوات الروسية المتواجدة في سوريا تقوم بمهام خاصة ومحددة، ومتعلقة بالدرجة الأولى في محاربة الإرهاب”.

واعتبر أن “حماية الأجواء السورية وأهداف معينة في سوريا هي من مهام الجيش العربي السوري، وغير صحيح أن روسيا تمنع سوريا من استخدام أنظمة الدفاع، وهذا ينطبق على المناطق القريبة من قاعدة حميميم”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى