يحتفل المسلمون بذكرى مولد النبي محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول الحالي لهذا العام الهجري 1443. الرسول العظيم قام بدور محوري في تغيير تاريخ البشريّة، وتوحيد القبائل البدوية العربية، وبناء إمبراطورية إسلامية. ولهذا يعتبر شخصيّة فريدة في عظمتها لأنه كان يتيما مكافحا لا يملك من حطام الدنيا شيئا، وباحثا عن الحقيقة لا يعرف اليأس، وولد وترعرع في مجتمع قبليّ مفكّك متخاصم شديد القسوة يعتمد في حياته على العنجهيّة والقتل والغزو والظلم.
لقد قبل التشريف الإلهي باختياره خاتما للأنبياء، واستطاع بإصراره أن يبلّغ رسالة ربّه وينشرها، وتمكن بعظمته العقلية والفكرية أن يقنع هؤلاء الناس بقبول رسالته السماويّة، وأن يهديهم إلى الوحدانيّة، ويخلّصهم من العصبية القبليّة، ويوحّدهم على ما أنزل عليه من ربّه، ويحفزهم ليكونوا الروّاد في بناء إمبراطورية إسلاميّة لا تغيب عنها الشمس قدّمت للبشريّة خدمات جليلة بعلومها وإبداعاتها الفكريّة، وساهمت مساهمة فعّالة في بناء الحضارة العالمية.
فماذا نقول له في عيد مولده؟ لقد كانت أمّتك يا رسول الله أمّة لها مكانة عظيمة ومميّزة بين الأمم، فكان العالم يهابها، ويحترم عدالتها وحرصها على أبنائها، ويخاف من قوّتها، ويتعلّم في مدارسها ومساجدها وجامعاتها ومكتباتها، ويقلّد ثقافاتها وعاداتها وقيمها، وينظر إليها كأمة متحضّرة في ممارساتها، ومجدّدة في اختراعاتها وخدماتها للبشريّة جمعاء. كنت فخورا بها وتتباها بها بين الأمم على الرغم من أنك كنت تعلم وكما ذكرت في أحاديثك أنه سيأتيها يوم تضعف فيه، وتفقد معظم ما حقّقته من تقدّم وعزّة، ويتراجع نفوذها وتنحطّ مكانتها.
إن أمتك الآن غنية بعددها، فقيرة جدا بنوعيّتها، ولا قيمة لها بعدّتها. أنها ضعيفة وممزّقة، جاهلة ومنافقة، مستسلمة وذليلة فقدت بوصلتها وأصبحت أضحوكة الأمم. لقد إبتلاها الله سبحانه وتعالى بحكّام طغاة ورجال دين مرتزقة خانوا أمانة ربّهم وأمانتك، وأمعنوا في إذلالها والتآمر عليها مع أعداء الله وأعدائك، وأبدعوا في قهرها وتجهيلها حتى أصبحت كلها من طنجة إلى جاكرتا ” غثاء ” كما ذكرت، لا حول لها ولا قوة.
الاسلام المتسامح الذي يحترم العقل الذي كلّفك الله بنشره وأعليت به إنسانية الإنسان شوّهه الجهلة، وأبعدوه عن أطره الصحيحة، وفسروه كما يشاؤون، وحنطوه، وسخروه لدعم وإرضاء حكامنا الطغاة الذين استخدموه لكتم أنفاس الناس وحرمانهم من حقوقهم وإذلالهم. ولهذا فإننا الآن أمة ضائعة لا أمل لها في الخلاص من هزائمها ومحنها إلا بفهم دينها فهما صحيحا مستنيرا يحرر الإنسان من قيوده وجهله وخوفه، ويتصدى للحاكم الجائر، ويحترم أتباع الأديان جميعا ويتعايش معهم بأمن وسلام ووئام، ويحارب الظلم والظالمين والفاسدين والمفسدين، ويرفض الذل والخذلان، ويعالج مشاكل العصر بأسبابها ومعطياتها.
إننا نعتذر لك ونشعر بالخزي والعار لما وصلنا إليه من ضياع وتردّي. فأنت يا رسول الله كنت ثائرا مقداما بعبقريّتك وتضحياتك في محاربة طغيان الجهل والعنصريّة القبليّة، ومقاوما عنيدا للظلم، ومحقّا للحق ومقيما للعدل تماما كما أمرك الله أن تكون. نحن الآن في أمس الحاجة لفهم رسالتك وفقا للأسس السليمة التي جئت بها ووضعتها لنا، وإلى التمسك بقيم الصدق والوفاء والحب والإيثار والاخاء الإنساني التي بشّرت بها لنتخلّص مما نحن فيه. فهل سنفعل ذلك؟
في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال