التحالف الأوسترالي-البريطاني-الأمريكي “الأوكوس” يُحضّر حرباً نوويّةً للدّفاع عن تايوان

إنّ ردّات الفعل الرّسميّة للإعلان عن الميثاق الأوسترالي-البريطاني-الأمريكي (أوكوس) لم تتعلّق سوى بفسخ عقد التسلّح الأوسترالي-الفرنسي. إنّ أثره السّيّء على أحواض بناء السّفن هو مجرّد نتيجة جانبيّة لانقلابٍ في التّحالفات يهدف إلى تحضير حرب ضد الصّين.

كان لإعلان الميثاق الأوسترالي-البريطاني-الأمريكي (أوكوس) أثر مزلزل في منطقة المحيطين الهندي و الهادئ.

لم يَعُد من المشكوك بأمره أن واشنطن تحضّر، على المدى البعيد، مواجهةً عسكريّةً مع الصّين.

حتّى الآن، كان الإنتشار الغربي الهادف إلى احتواء الصّين عسكريّاً و سياسيّاً يضمّ الولايات المتّحدة و المملكة المتّحدة بالإضافة إلى فرنسا و ألمانيا. اليوم، تمّ وضع الأوروبيّين جانباً. و غداً، ستصبح المنطقة تحت سيطرة الكواد+ (الولايات المتّحدة و المملكة المتّحدة، بالإضافة إلى أوستراليا، الهند، و اليابان). واشنطن تحضّر حرباً خلال عقدٍ أو عقدين من الزّمن.

في حين لم تتمّ استشارة فرنسا و ألمانيا فيما يخصّ هذه الإستراتيجيّة، أوحتّى تبليغهما قبل الإعلان الرّسمي عنها (على الرّغم من تبليغ دولٍ أخرى مثل إندونيسيا)، سيتمّ تكريس الميثاق الجديد في واشنطن خلال الأسبوع القادم.

إذا كان من المنطقي للندن و واشنطن أن تتكّلا على كانبرا عناوةً عن باريس، بفعل كون أوستراليا عضوةً في ’’ الأعين الخمسة ’’ الّتي لا تلعب فرنسا إلّا دور مشتركةً فيها، فإنّ دخول اليابان و خصوصاً الهند في اللّعبة يضع حدّاً لفترة احتيارٍ طويلة. الدّور المُعطى لألمانيا أكثر إزعاجاً، فهي من الممكن أن تنضمّ إلى ’’ الأعين الخمسة ’’، و لكن ليس إلى ’’ الكواد ’’، أيّ أنّه من الممكن لها الإشتراك في التّجسّس على الإتَّصلات، و لكن من الممنوع عليها الإشتراك في الأعمال العسكريّة.

تحالفات تتقلّب
إنّ الواقع الجديد يجبر كلّ تحالفٍ على تعديل مواقفه.

حلف ’’ الأنزوس’’، الّذي كان يضمّ أوستراليا، نيو زيلاندا، و الولايات المتّحدة، لا يعمل منذ ١٩٨٥ و قد تمّ دفنه نهائيّاً. أكّدت نيو زيلاندا سياستها المتعلّقة بنزع السّلاح النّوويّ و رفضت بالنّتيجة السّماح لأيّ سفينة تحمل سلاحاً نوويّاً أو مجهّزة بنظام دفع نوويّ بِوُلوج مرافئها. بما أنّ البنتاغون رفض الكشف عن هذه ’’التّفاصيل’’، لم تدخل أيّ سفينة حربيّة أمريكيّة هذا البلد منذ ذلك الحين. سيكون من الممنوع أيضاً على الغواصات النّوويّة الأوستراليّة أن تفعل ذلك في المستقبل.

حتّى اللّحظة، لم يعطي الإتّحاد الأوروبي أيّ ردّة فعل. رئيسة المُفوّضيّة الأوروبيّة، أورسولا فون دير لاين، الّتي كانت تخطب عن أحوال الإتّحاد في يوم الإعلان عن ميثاق أوكوس، في حالة صدمة. كانت هذه الأخيرة تتحدّث عن استراتيجيّتها الجديدة في منطقة المحيطين الهندي و الهادئ، في حين كان بريطانيّو ال’’ بريكسيت’’ يسحبون البساط من تحت قدميها. لا يتوقّف الأمر على أنّ الإتّحاد الأوروبي ليس قوّة عسكريّة، بل حتّى الأعضاء فيه اللّذين هم كذلك لن يكون لهم كلمة.

لم يتفوّه حلف النّاتو بكلمة. و هو الّذي كان يطمح إلى الإمتداد في منطقة المحيطين الهندي و الهادئ، و بات يفهم الآن أنّه لن يكون جزءاً من اللّعبة.

منظّمة آسيان أيضاً لم تعطي ردّة فعل، إلّا أنّ إندونيسيا الّتي تأوي أمانتها العامّة قد أعربت عن خيبتها. لا يوجد شكّ أنّ رابطة دول جنوب شرق آسيا كانت قد ابتُكرت خلال الحرب الباردة، مثل الأنزوس و الإتّحاد الأوروبي، بهدف احتواء الكتلة الشّيوعيّة، إلّا أنّ هذه المُنظّمة قد تطوّرت لاحقاً. خلافاً للإتّحاد الأوروبي الّذي تحوّل إلى بيروقراطيّة أعلى من الدّول الّتي تديرها، تطمح آسيان، متأثّرةً بأيديولوجيّة الغير منحازين، إلى خلق منطقة تبادل حرّ واسعة تضمّ الصّين. دونما انتظار، ندّد العديد من العلماء الإندونيسيّين بتحطيم حلم السّلام هذا عبر ميثاق الأوكوس.

الصّين و روسيا، اللّتان يعتبرهما الأنغلو-ساكسون عدوّتيهم الأساسيّتين، لم تعطيان ردّة فعلٍ بعد. خلافاً للغربيّين، لا تصرّح هاتان الدّولتان عن نواياهما، بل عن القرارات الّتي اتُخذت و أصبحت قيد التّنفيذ. مُتحدّثةً عن نفسها، استنكرت الصّين العقليّة الأنغلو-ساكسونيّة الهادفة إلى تشكيل أكبر و أقوى تحالفاتٍ ممكنة دونما اكتراثٍ لخصائص كلّ عضو. لا يتعلّق الأمر هنا بعباراتٍ فارغة: تعتبر الصّين أنّ كلّ دولة، مع خصائصها، متساوية مع الأخرى. مثلاً، عندما توجّه الرّئيس شي جينبينغ للّقاء بقادةً أوروبّيّين، أمضى في موناكو وقتاً أطولاً من الوقت الّذي أمضاه في عدّة دولٍ أخرى في الإتّحاد الأوروبي. قولاً و فعلاً، تقدّمت الصّين في اليوم التّالي بطلبٍ رسميٍّ للإنضمام إلى الإتّفاق الشّامل و التّقدّمي للشّراكة العابرة للمحيط الهادئ، أي المُنظّمة الخليفة لمشروع الشّراكة العابرة للمحيط الهادئ الّذي يعود للرّئيس أوباما. إنّ وقوع هذه الأحداث في الوقت آنه هو رسميّاً مجرّد صدفة. في الواقع، تقترح بيكين على الجميع تبادلات اقتصاديّة، بينما تقترح واشنطن عليهم الحرب.

الشّبح النّوويّ
حتّى الآن و على الأرجح ما زال الأمر كذلك، تعتبر الولايات المُتّحدة أنّ الحصول على سُفُنٍ ذات نظام دفع نوويّ يفتح الباب بسرعة لبناء قنابل ذرّيّة. لهذا السّبب، لم تقدّم الولايات المتّحدة تيكنولوجيا أنظمة دفع نوويّة إلّا لحليفها البريطاني. نتيجة ذلك،- و مهما قال الأوستراليّون-، إنّ بناء غوّاصات نوويّة يمهّد دخول أوستراليا في نادي القِوى النّوويّة. ستكون الحرب ضدّ الصّين إذاً حرباً نوويّة.

من المنظور هذا، إنّ دخول اليابان في الكواد بعد صدمات هيروشيما و ناغاساكي شجاعٌ جدّاً.

حتّى الآن لم يملك أحد غير الأعضاء الخمس الدّائمين في مجلس الأمن التّابع للأمم المُتّحدة غواصات ذات نظام دفع نوويّ. أصبحت الهند الدّولة السّادسة و من المُفترض أن تُصبح أوستراليا السّابعة.

بما أنّ الولايات المُتّحدة لم تعد قادرة على إبقاء خطابها المُزدوج فيما يتعلّق بالتّقنيّات النوويّة، لم يعد من الممكن لهم التّظاهر بأنّ الأبحاث النّوويّة الإيرانيّة تهدف إلى استخدامات حربيّة. من المُفترض أن يفسح هذا الأمر الطّريق لتعاونٍ مفتوحٍ بين واشنطن و طهران، و هو تعاونٌ قد استبقته اسرائيل في الحال.

تخفيض رتبة الأوروبيّين
إنّ أوّل الخاسرين من الهندسة الجديدة هذه هو فرنسا. تفقد هذه الأخيرة صفتها كقُوّة عُظمى على الرّغم من احتفاظها بمقعدها الدّائم في مجلس الأمن التّابع للأمم المُتّحدة.

إنّ تراجع باريس كان مُتوقّع منذ وضع جيوشها تحت قيادةٍ أمريكيّةٍ في ظِلِّ القيادة المتكاملة لمنطّمة حلف شمال الأطلسي عام ٢٠٠٩. لم تعد هذه الجيوش قادرةً اليوم على حماية كافّة الأراضي الفرنسيّة، إلّا أنّها تبعث قوّاتٍ لها للّدفاع عن المصالح الأمريكيّة في أفريقيا. ما زالت الولايات المتّحدة لا تتمكّن من مركزة الأفريكوم في القارّة السّوداء، فتستخدم عوضاً عن ذلك القوّات البرّيّة الفرنسيّة و توجّهها عبر نظام المراقبة الجويّة الأمريكي.

إستجابت فرنسا عبر… إلغاء سهرة احتفاليّة كانت ستقام في سفارتها في الولايات المتّحدة. و طلبت وزارة الخارجيّة الفرنسيّة من نظيرتها الأمريكيّة تفسيرات طارئة خلال السّاعات الّتي سبقت الإعلان عن أوكوس. في النّهاية، اعتبرت الخارجيّة الفرنسيّة أنّ أوستراليا قد أخفت عنها، مع كامل العلم بفِعلتها، هذا المشروع الّذي كانت الولايات المُتّحدة قد حرّضت إليه. بناءً على ذلك، تمّ استدعاء سفيريْها في كانبرا و واشنطن. قرّرت فرنسا أن تتحدّث عن صفقة القرن المُلغاة من قِبلِ الأوستراليّين. إلّا أنّ هذه الصّفقة الّتي تبلغ قيمتها ٩٠ مليار دولار ليست بأمرٍ مهمٍّ مقارنةً بما خسرته فرنسا.

إنّ صدمة باريس تزداد بفعل اعتقادها أنّها كانت تمتلك علاقةً مُميّزة مع لندن. كانت الدّولتان تتناقشان سِرّاً حول نقل قاعدة الغوّاصات البريطانيّة ذات نظام دفع نووي (ترايدنت) إلى فرنسا في حال انفصال اسكتلندا عن المملكة المُتّحدة.

يمكن لفرنسا أن تواسي نفسها بِملاحظة أنّ تخفيض مكانتها يأتي ضمن سياقٍ أوسعٍ يشمل تخفيض مكانة جميع الأوروبيّين. إنّ احتمال أن تقدر ألمانيا على الخروج بأضرارٍ أقلّ هو ثانويّ: منذ الحرب العالميّة الثّانية، برلين مُخوّلة بأن تكون قوّة اقتصاديّة فقط، و ليس قوّة سياسيّة عالميّة على الإطلاق.

إن فرنسا ليست فقط أرضاً أمّاً أوروبّيّةً. بل هي أيضاً كوكبةٌ من الأراضي حول الكوكب، ممّا يعطيها ثاني أكبر رقعة من الأراضي البحريّة في العالم (بعد الولايات المتّحدة الأمريكيّة). في منطقة المحيطين الهندي و الهادئ، تمتلك فرنسا إقليمَيّ مايوت و ريونيون، تجمّعَي نيو كاليدونيا و بولينيسيا الفرنسيّة الخاصّين، منطقتي واليس و فورتونا، و الأراضي الجنوبيّة و الأنتاركتيكيّة الفرنسيّة. تضمّ كل هذه الأراضي مليون و ستّ مائة ألف مواطن فرنسيّ.

إنّ فرنسا هي إذا دون شكّ قوّةً في منطقة المحيطين الهندي و الهادئ. بصفتها هذه، اقترحت نفسها لمساعدة شركائها في الإتّحاد الأوروبي الّتي حرصت على وضعه خارج المنافسة الإستراتيجيّة بين الولايات المُتّحدة و الصّينَ. هي عضوٌ في لجنة المحيط الهندي، تشارك في قِمم وزراء دفاع آسيان و تعاونيّة الشّرطة و الإستعلام التّابعة لهذه الأخيرة، كما أنّه من المُفترض أن تنتسب إلى اتّفاق التّعاونيّة الإقليميّة ضدّ القرصنة. دون شكّ، فرنسا، الّتي ستتولّى رئاسة المجلس الأوروبي خلال أول فصل من سنة ٢٠٢٢، كانت تنوي أن تجعل من استخدامِ تَجَذُّرها في منطقة المحيطين الهندي و الهادئ إحدى إشكاليّات الإتّحاد الأوروبي.

تايوان، محور الخلاف
الكُلّ يعلم أنّ الجزر الصّغيرة الّتي تطالب بها الصّين في المحيط الهادئ لن تكون محور حرب قادمة. لأنّ باقي الدّول الّتي تطالب بها لا تريد حرباً من أجلها و لأنّ التّاريخ يُظهر أحقّيّة مطالب بيكين. إنّ الأمر مختلفاً بالكامل فيما يخصّ تايوان.

للتّذكير، حقّق ماو تسي تونغ وحدة الصّين عبر هزمه لأمراء الحرب اللّذين كانوا قد تقاسموا أرض البلاد، واحداً تِلوَ الآخر. كما انّه استعاد التّيبت الّذي كان قد انفصل عن الصّين و تحالف مع تشانغ كاي شيك و الغربيّين. و لٰكنّه فشل في فورموسا حيث تمركز تشانغ. تطوّر نظام هذا الأخير، بحيث انتقل من ديكتاتوريّة دون رحمة إلى نوع من الدّيموقراطيّة: تايوان.

يبدو أنّ ميثاق أوكوس قد ابتُكر لمؤازرة تايوان في حال محاولة الصّين استعادتها بالقوّة. أكّد اللّواء السّير جايمس هوكنهول، قائد المخابرات العسكريّة البريطانيّة، أنّ الجيوش البريطانيّة تُجنّد عملاء آسيويّين. أحدثت رئيسة الوزراء السّابقة تيريزا ماي نوعاً من الفضيحة في مجلس العموم عندما سألت عمّا إذا كان ميثاق أوكوس يُوجب دخول بريطانيا في حرب مع الصّين في حال محاولتها استعادة تايوان باستخدام القوّة.

إنّ قمّة مجموعة الدّول الصّناعيّة السّبعة، خلال شهر حزيران في كاربيس باي، كانت قد رأت اليابان يفرض مساندة غير متزعزعة لتايوان. خلال هذه القمّة حصل الإتّفاق، في الكواليس، بين جو بايدن، بوريس جونسون، و سكوت موريسون، على أساس ميثاقهم.

للإجابة على سؤال تيريزا ماي، يجب الحصول على نصّ الميثاق بكامله، أي مع ملحقاته السّرّيّة إن وُجِدت. حتّى السّاعة، لا نمتلك حتّى قطعة ورق واحدة. يجب الإكتفاء بالتّصريحات الإعلاميّة.

من المعلوم على الأقلّ أنّ أوكوس يتناول تعاون واسع جدّاً في مجال التّسلّح. لا يتعلّق الأمر فقط بتزويد أوستراليا بغوّاصاتٍ ذات نظام دفعٍ نوويّ، إنّما أيضاً بصواريخ توماهاوك و هورنيت و بإشراكها في الأبحاث في مجال الصّواريخ الباليستيّة الخارقة للصّوت (القادرة على منافسة الصّواريخ النّوويّة الرّوسيّة).

*مفكر فرنسي، رئيس ومؤسس شبكة “Réseau Voltaire 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى