اطلعت مؤخراً على كتاب (تطواف في حدائق الموريسكي.. عن الشاعر حميد سعيد) للزميلة الأديبة الصحافية إنصاف قلعجي الذي صدر عن “دار هبة – ناشرون وموزعون” في العاصمة الأردنية عمان، وقد انتقت فيه مجموعة من قصائد دواوين الشاعر العراقي حميد سعيد الذي تنقّل من منفى إلى منفى من الطفولة إلى الشباب الخالد ثم إلى استقراره في الأردن منذ سنة 2003.
الزميلة إنصاف قلعجي وبحسها الأدبي نجحت في تنقيبها مختارة أقولاً من شعر حميد، مسلطة الضوء على تجاربه الشعرية، مقتربة إلى حد كبير من الجوانب الجمالية والإنسانية مما اختارته من قصائد دواوين الشاعر حميد سعيد، الذي أثر وتأثر منذ نعومة أظفاره بالأدب الإنساني المقاوم، وقد عبر عنه في قصيدة بعنوان “صمت البحر ثانية”، التي نشرت في مجموعته الشعرية “أولئك أصحابي”.
وتعترف قلعجي بأن الغوص في شعر حميد سعيد هو اقتراب من وهج الجمر الذي يبهرك بنوره، قائلة: “فأن تكتب عن الشاعر حميد سعيد، يعني أن تضع أصابعك في جمر حرائقه واشتعالاته، وتدخل في أزقة لا تعرف لها خروجا، وفضاءات تبهرك بنورها وتوهجها.”
ففي كتاب الزميلة إنصاف قلعجي كشفت عن قيم جمالية وفنية في بنية قصائد الشاعر حميد، المنتقاة بعناية الجواهرجي الذي يصنع من الذهب قلادات ثمينة، في عصر تطور حركة الحداثة الأدبية في عصرنا الراهن.
إنني لا أتحدث هنا عن شهرة الشاعر حميد سعيد في مشرق ومغرب البلدان العربية، ولا عن الترجمات إلى عدد من اللغات العالمية، بقدر ما أسلط الضوء على الحالة الإنسانية التي جعلت الزميلة إنصاف قلعجي تغرق في تنقيبها الأدبي للبحث عن جواهر الكلام في قصائد ودواوين تحتاج إلى شهور لمطالعتها والغوص في مكنونها لتخرج علينا بهذا الكتاب القيم لأحوال الموريسكي الإنسان الذي يبحث عن نفسه وعمّن كاد أن يضيِّعُها، واستوطن في بلاده الضِباعْ، التي فيها “كُلُّ شيءِ يُباعْ”، وقد تمثلها بعد احتلال بلده العراق، في قصيدة بعنوان “صمت البحر ثانية”، التي نشرها في مجموعته الشعرية “أولئك أصحابي”، حيث نرى بغداد تنسكب حبراً في دفقات حزن وعشق أبدي، وكأنه يرتحل إلى هناك، وفي ذلك يقول: “لقد فارقت بغداد فما فارقتني، لذا فأنا غير بعيد عنها”.
وهو بذلك لا يبحث عن الشهرة لأنه يعيش في “رهبانية الصمت”، ولسان حاله يقول: “فلست ممن يعتقدون بأهمية الشهرة، وحين تكون الشهرة أثقل من الكتابة الإبداعية، تتحول إلى عبء على الكاتب، وحين تكون موازية لها، تكون حضوراً إبداعياً، حيث تبدو الشهرة إزاءه حالة غير مؤثرة.”
وبما أن حب الثقافة والأدب ينبغ فيه الشاعر والأديب من صغر سنّه ليكون جزءاً محورياً في رحلة الحياة البشرية، ليبدع فيه ويطوره ضمن نهج فكري قادر على التعبير عنه، من خلال كلماته وطرحها بأسلوبه الخاص لأنه يحمل في ذاته رسالة إنسانية، معتمداً على محاكاة عقلانية منطقية، يخترق من خلالها عصره المرتبط بالماضي التاريخي لكينونته ليصل إلى المستقبل من واقع يعيشه، معبراً عن آلامه وآماله وتطلعاته، حاملاً مشعل النور ليضيء مستقبلاً اجتماعياً أكثر إنسانية وعقلانية. هذا ما سلطت عليه الزميلة إنصاف حسن خيرو قلعجي في كتابها عن الشاعر حميد سعيد، حيث أضاءت لمحات من كينونة تاريخ الشاعر الذي بدأ يافعاً في مدينة الحلة في العراق لينتقل منها إلى بغداد الرشيد.
أخيراً كل الشكر والتقدير للزميلة الأديبة والصحافية إنصاف قلعجي على إصدارها كتاب (تطواف في حدائق الموريسكي)، التي نجحت في تنقيبها في قصائده، والذي أعتبره موقفاً أدبياً وأخلاقياً تكريمياً للشاعر حميد سعيد، الذي سيبقى ذكره، وهذا الكتاب، نقطة ضوء في تاريخ الأدب العربي المعاصر.
*ملبورن / أستراليا
10/9/2021