تداعيات قطع العلاقات بين الجزائر و المغرب على الإقليم المغاربي

في مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة يوم الثلاثاء 24آب /أغسطس 2021، تلا بيانًا رسميا “باسم السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، وباسم الحكومة الجزائرية”، أعلن فيه، عن قطع العلاقات الديبلوماسية بين الجزائر و المغرب ، متهمًا هذا الأخير باتخاذ إجراءات معادية لم يوضحها. وهذا التصعيد الجديد يأتي ضدَّ مجرى الموقف التصالحي ،الذي أبداه ملك المغرب محمد السادس في كلمة له في ذكرى جلوسه على عرش البلاد، حين قال : “أجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر ، للعمل معا دون شروط لبناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة وحسن الجوار”.
وقال ملك المغرب إنَّ قرار إغلاق الحدود “لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولون عنه، لكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا عن استمراره، أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا، وليس هناك أي منطق معقول يمكن أن يفسر الوضع الحالي، لا سيما أنَّ الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم أي مبرر مقبول”.
ويحدث قطع العلاقات بين الجزائر و المغرب للمرة الثانية، وهذه المرة بقرار جزائري بعدما كان في المرَّة الأولى عام 1976، بقرار مغربي.
أسباب قادت إلى قطع العلاقات
تشهد العلاقات الجزائرية-المغربية توترا غير مسبوق منذ عدة أشهر،ولم تعرف الخلافات بين الجزائر والمغرب، منذ أكثر من عشرين سنة، هذه المستوى من التوتر، لدرجة إعلان الجزائر قطع علاقتها مع جارتها الغربية.فما هي الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذا القطع؟
أولاً: في 18 آب/ أغسطس2021 ، قالت الرئاسة الجزائرية في بيان، إنَّ ما سمتها “الأفعال العدائية المتواصلة” من طرف المغرب تتطلب إعادة النظر في العلاقات بين البلدين، وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية. وتتهم الرئاسة الجزائرية المغرب بتقديم الدعم والمساعدة لحركة الماك الانفصالية في منطقة القبائل، وهي التي تصنفها السلطات الجزائرية على أنها حركة إرهابية.وتقول السلطات الجزائرية إن حركتي “الماك” و”رشاد” تقفان وراء إشعال الحرائق في منطقة القبائل، كما تتهم حركة الماك تحديدا بارتكاب جريمة قتل وحرق الشاب جمال بن إسماعيل.
ففي اجتماع المجلس الأعلى للأمن، الذي يرأسه رئيس الدولة والوزير الأول ورئيس أركان الجيش وأهم قيادات الأجهزة الأمنية ووزراء الحقائب السيادية، الذي عُقِدَ مؤخرًا وأصدر هذا بيانًا، ركز فيه على حركة “الماك” التي “تتلقّى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية، خاصة المغرب والكيان الصهيوني، حيث تطلبت الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضدّ الجزائر إعادة النظر في العلاقات بين البلدين، وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية”.
فقد اكتشفت الجزائر أنها محل هجمات غير مباشرة من المغرب، لا سيما منذ أن تحالف النظام المغربي مع الكيان الصهيوني، واعتماده استراتيجية التطويق و المحاصرة الإقليمية للجزائر من أجل زعزعة استقرارها و النيل من وحدتها الوطنية،إِذْ أظهرت التحقيقات الأخيرة، حسب قول السلطات الجزائرية ، أنَّ للمغرب وإسرائيل يدًا في الحرائق الأخيرة، وأنهما يدعمان فعلا حركتي الماك ورشاد ويرعاهما.
ومع ذلك اقترح المغرب على الجزائرتقديم يد المساعدة، عندما انطلقت حرائق الغابات في الجزائر في مطلع الشهر الماضي (يوليو/ تموز) في جبال الأوراس، وتلتها موجة جد واسعة وأشدّ عنفا فشلت في مجابهتها السلطات الجزائرية لسبب جوهري: عدم جاهزيتها وافتقادها الإمكانات المادية والبشرية المختصة في مكافحة حرائق الغابات، رغم أنَّ الدولة التي تنفق على التسلح حوالي 10 مليارات دولار سنويا (حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي) لا تتوفر على طائرة إطفاء برمائية واحدة، بينما اشترى المغرب من كندا 5 طائرات “كنادير CL 415” بتكلفة 40.5 مليون دولار للطائرة الواحدة، يستخدمها لإطفاء الحرائق. وأعلنت السلطات المغربية عن اعتزامها تعزيز سربها بـثلاث طائرات برمائية إضافية من طراز CL 415.ففي بضعة أيام، سيطر المغرب على موجة حرائق واسعة، لم تخلف أي خسارة في الأرواح. إدارة هذه الكارثة جعلت ميزان القوة بين البلدين يميل لصالح المغرب. في المقابل، برزت الجزائر دولة متلقيّة، تعتمد على المساعدة الخارجية.
ثانيًا:فضيحة تجسس برنامج بيغاسوس الإسرائيلي ، إِذْ كانت الجزائر أكبر مستهدف من هذا البرنامج، وفق ما كشفه التحقيق الدولي في هذا الشأن، إذ من بين 50 ألف شخص تعرضوا للتجسس، يوجد 6 آلاف جزائري، بينهم شخصيات سياسية وعسكرية وصحفيون ورجال أعمال.وبحسب ما ذكرته جريدة لوموند الفرنسية التي كانت أحد أطراف هذا التحقيق، فإن الجزائر كانت مُراقبة عن كثب من قبل السلطات المغربية التي اقتنت برنامج التجسس الإسرائيلي.
ثالثًا:إقدام سفير المغرب لدى الأمم المتحدة على طرح مذكرة أمام دول عدم الانحياز، تطالب بالاعتراف بحق تقرير المصير لما سماه “الشعب القبائلي” الشجاع ، وهي خطوة رسمية من جانب المغرب في دعم لحركة استقلال منطقة القبائل التي صنفتها الجزائر كمنظمة إرهابية، وطلبت السلطات الجزائرية توضيحات رسمية حول ذلك، لكن الجانب المغربي اكتفى بالصمت.
وتبعا لذلك استدعت الجزائر في 16 تموز/يوليو 2021 سفيرها في الرباط للتشاور. وجاءالتصريح المغربي ردّاً على إثارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قضية الصحراء الغربية في اجتماع لحركة عدم الانحياز.
رابعًا: اختيار المغرب طريق الاستقواء بأمريكا،والتطبيع مع الكيان الصهيوني،لفرض الطرح المغربي المتمثل بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية في إطار المحافظة على مغربيتها من حيث السيادة الوطنية. فكانت مبادرة ترامب في نهاية فترة ولايته الاعتراف بسيادة المغرب على كامل أراضيه المسترجعة وتأييد مبادرة الحكم الذاتي، قد شكلت للمرة الأولى، ترجيحاً لكفة المغرب في نزاع الصحراء، وكسرًا لقاعدة التوازن التي كانت تسلكها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بهذا الشأن. وشكَّلَ فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة بمنزلة اعتراف أمريكي ملموس بالطرح المغربي، وفي الوقت نفسه تكريسًا للمغرب كبوابة لأمريكا في الانفتاح الاقتصادي والتجاري على الدول الإفريقية، مما سيساهم بلا شك، في حلحلة ملف الصحراء الذي ظلّ يراوح مكانه لصالح المغرب.
وفضلاً عن ذلك،كانت الجزائر ممتعضة جدًا من سياسة التطبيع التي ينتهجها المغرب مع الكيان الصهيوني،فقد دانت الجزائر قرار التطبيع، إذ قال رئيس الوزراء الجزائري السابق ، عبد العزيز جراد، يوم السبت12 ديسمبر 2020 في كلمة له نقلها التلفزيون الرسمي الجزائري وفي إشارة على ما يبدو لاستئناف المغرب، تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، على أن “هناك إرادة حقيقية لوصول الكيان الصهيوني قرب حدودنا، وأكدنا سابقا لمواطنينا أن هناك عمليات أجنبية تريد ضرب استقرار بلادنا، وها هي الدلائل ظهرت عندما نرى على طول حدودنا وفي فضائنا المغاربي والأفريقي عدم استقرار وحروب”. ويتوقع المراقبون إمكانية ازدياد وتيرة الخلافات والشحن السياسي والإعلامي بين البلدين، وكذلك ازدياد الصدام في المحافل الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التباين الكبير واتساع المسافة بين المواقف والخيارات السياسية لكل دولة،خصوصًا في مجال التطبيع مع الكيان الصهيوني، والموقف من الأزمة السورية، والتغلغل الصهيوني في القارة الإفريقية.

وقد أشار وزير الخارجية الجزائري لعمامرة إلى أنَّ المغرب تخلى عن قواعد ومبادئ “تطبيع العلاقات بين البلدين ” ،معتبرًا أنَّ “المملكة المغربية جعلت من ترابها الوطني قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر”.
وآخر هذه الأعمال العدائية تمثل في الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته الرسمية للمغرب، بحضور نظيره المغربي، الذي من الواضح أنه كان المحرض الرئيسي لمثل هذه التصريحات غير المبررة”.وكان يشير إلى تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، حول قلق بلاده من التقارب بين إيران والجزائر، ورفضها قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب.
ردود فعل المغرب
جاء الرد المغربي على القرار الجزائري عبر بيان لوزارة الخارجية المغربية في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء24آب/أغسطس2021، قالت فيه إنَّ “المملكة المغربية أُحيطت علماً بالقرار الأحادي الذي اتخذته السلطات الجزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب اعتباراً من اليوم (الثلاثاء) فصاعداً”، مبديةً أسفها على “هذا القرار غير المبرر تماماً”. وأعلنت الوزارة أن المغرب “يرفض رفضاً قاطعاً المبررات الزائفة، بل العبثية التي انبنى عليها القرار”.
وفيما اعتبرت الخارجية المغربية أنَّ قرار الجزائر “متوقع في ضوء منطق التصعيد الذي لوحظ في الأسابيع الأخيرة – وكذلك تأثيره على الشعب الجزائري”، تركت الرباط الباب موارباً أمام إمكانية تجنب القطيعة من خلال تشديدها على أن المملكة “ستظلّ من جهتها شريكاً صادقاً ومخلصاً للشعب الجزائري، وستواصل العمل بحكمة ومسؤولية من أجل تنمية علاقات مغاربية صحية ومثمرة”.
وكان أول تعليق من المغرب على قرار الجزائر “قطع العلاقات”، جاء من رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، يوم الثلاثاء الماضي ،إِذْ نقل موقع “أصوات مغاربية” عن العثماني قوله: “آسف كثيرا لهذا التطور الأخير (قرار الجزائر)، ونتمنى أن نتجاوزه في القريب إن شاء الله”.وأضاف رئيس الحكومة المغربية، “في رأيي الشخصي أنَّ بناء الاتحاد المغاربي وعودة العلاقات إلى طبيعتها بين الجارين المغرب والجزائر هو قدر محتوم ضروري تمليه أولا وقبل كل شيء المصالح المشتركة وبناء المستقبل المشترك”.
وتابع : “كما تمليه التحديات الكبرى التي يعيشها عالم اليوم، والتي تنبني على تجمعات إقليمية قوية ذات مصالح مشتركة”وآكَّدَ أنَّ المغرب “يعتبر استقرار الجزائر وأمنها من استقرار المغرب وأمنه واستقرار المغرب وأمنه من استقرار الجزائر وأمنها”.
العلاقات المغربية الجزائرية تبلور الإحباطات
على الرغم أن الجزائر و المغرب ينتميان إلى فضاء عربي –إسلامي واحد،هو العالم العربي ، والأمة العربية، و لا ينفكان يتغنيان بالروابط المشتركة بينهما :اللغة العربية، و الدين الإسلامي(المذهب المالكي)، و التاريخ المشترك منذ الفتح العربي-الإسلامي، و الجغرافيا الواحدة، و العادات و التقاليد و الخصائص النفسية المشتركة،و هي كلها عوامل لا تشجع على التطبيع و حسن الجوار بين البلدين فقط ، بل إنها تشكل أساسا ً صلبا ً لأي وحدة اندماجية خالصة، فإنه ومنذ إستقلال الجزائر عام 1962 اتسمت العلاقات بين “البلدين الشقيقين”- بالعدائية في معظم مراحلها ،وكانت دائما على حافة القطيعة باستثناء المرحلة الواقعة بين 1969 و1974. وقد ترجمت حالة العداء المستمرة هذه بالمواجهة العسكرية في تندوف عام 1963، وهي تضع البلدين منذ عام 1975 على حافة المجابهة حول مسألة الصحراء الغربية.
وبسبب اعتراف الجزائر ب”الجمهورية الصحراوية”في عام 1976 ،قرَّرتْ الرباط قطع العلاقات مع الجزائر بسبب قضية الصحراء، قبل أن يقرر البلدان إعادة تطبيع العلاقات بينهما ، عندما قام العاهل السعودي حينها، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، بوساطة أثمرت عن فتح الحدود وإعادة العلاقات عام 1988، على أساس تفاهمات تضمنت بنودا عدة بينها؛ حسن الجوار، وإعادة صياغة العقود والاتفاقيات كافة بين الدولتين، والالتزام ببناء الاتحاد المغاربي، ودعم القضية الفلسطينية وتحرير الأراضي العربية. لكن عودة العلاقات لم تنه الأزمات، ولعل من أبرز المحطات في هذا الإطار، إغلاق الحدود البرية بين البلدين في أغسطس/آب عام 1994 والتي لا تزال مغلقة إلى اليوم.
و يعود أساس هذا التناقض بين فعل الإيمان بالوحدة و العدائية في واقع العلاقات إلى النمط السلطوي في شرعنة الحكم السائد في كلا البلدين.
بالنسبة للنظام المغربي يشكل استمرار الملكية محوراً استراتيجيا تعطى له الأولوية. وبالنسبة للجزائر، و أقله حتى غياب هواري بومدين عام 1978، فالثورة مهددة بالفشل إذا كانت ستتوقف عند الحدود المغربية.و ما كثبان الرمل ومساحات الأرض في تندوف عام 1963 أو في الصحراء الغربية منذ 1975 سوى ذرائع للمنافسة بين النظامين اللذين يرى كل منهما في الآخرتهديدا ً له . و كان دفاع الملكية عن نفسها إزاء معارضة الأحزاب اليسارية لها في الستينيات تماهيها مع المغرب الأبدي ومصيره. أما الجزائر فقد ادعى نظامها شرعية ثورية أعاق مشروعها التحرري التحالفات التي عقدها المغرب الجار مع الدول الغربية.
فماهي العوائق البنيوية التي حالت ولا تزال تحول دون التطبيع الكامل بين الجزائر و المغرب؟
1-لقد ورثت البلدان المغاربية الثلاثة (تونس، الجزائر، المغرب) حدوداً متفجرة ، بفعل التقسيم الكولونيالي الفرنسي- الإسباني لهذا الجزء الغربي من العالم العربي. و كانت فرنسا القوة الاستعمارية السائدة تعتقد أن الجزائر أصبحت جزءا من إمبراطوريتها ، لذا راحت تقضم من الأراضي التونسية و المغربية لضمها إليها. و هذا ما جعل المغرب و الجزائر يتواجهان عسكرياً في حرب تندوف الصحراوية عام 1963.كما أن هذا الموروث من التقسيم الكولونيالي وضع البلدين على حافة المواجهة العسكرية حول مسألة الصحراء الغربية عام 1975.
2-إن الثورة الوطنية التحررية الجزائرية ضد الكولونيالية الفرنسية لم تمتد لتشمل توحيد أقطار المغرب العربي ، بل حافظت على التقسيم الكولونيالي الموروث هذا، وسعت إلى بناء دولة بناء دولة وطنية في حدود القطر الجزائري ،وليس إلى استكمال توحيد بلدان المغرب العربي في دولة قومية.. فكان مصير الثورة الجزائرية الإخفاق التام لأ ن مشروعها التحرري توقف عند الحدود التي رسمها الإستعمارالفرنسي ، وأصبحت تدافع عنها بوصفها حقائق تاريخية أبدية.
3-كانت الدولة الملكية المغربية تعتبر نفسها مركزية و عريقة و تاريخية ، لذا كانت أولويتها الإستراتيجية تتمثل في الدفاع عن نفسها إزاء معارضة الأحزاب اليسارية لها في الستينيات ، و الشرعية الثورية لجارتها الجزائر، تماهيها مع المغرب الملكي الأبدي و مصيره ومنعت الملكية المغربية بعد ضم الصحراء الغربية من بروز بومدين مغربي جديد معاد للدولة المخزنية ، كما أنها جعلت كل أحزاب المعارضة اليسارية تصطف على أرضية الخط السياسي للملك.
4- وعلى الجانب الآخر، يمثل تشابك المسألة الصحراوية وتعقيداتها الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات تطبيع العلاقات بين الجزائر و المغرب، و يعود أساس التناقض بين فعل الإيمان بالوحدة المغاربية ، و العدائية في واقع العلاقات بين البلدين إلى النمط السلطوي في شرعنة الحكم السائد في كلا البلدين .ففي المغرب و الجزائرمعاً تحول استغلال الشعور الوطني إلى سلاح سياسي في الصراع على السلطة .وهنا تكمن صعوبة إيجاد حل في نزاع الصحراء الغربية خارج نطاق المشروع القومي الديمقراطي الوحدوي. فبالنسبة للدولة المغربية تعتبر أي تنازل في قضية الصحراء يقود إلى خسارتها ،سيعني سقوط العرش. و بالنسبة للجزائر ، فإن الإيمان بثورتها الوطنية، جعل تبنيها لشعار ” تقرير المصير في الصحراء الغربية” ، يشكل عنصراً من عناصر بقاء الدولة الوطنية . وقد حول كل من الجزائر و المغرب قضية الصحراء الغربية بفعل هذه المزايدة الوطنية إلى قضية أكبر من فلسطين.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
إنَّ حلَّ قضية الصحراء الغربية بالطريقة الراديكالية يتمثل في إقامة التطبيع الكامل بين الجزائر و المغرب، وبالتالي تحقيق بناء الصرح الوحدوي المغاربي، الذي يحتاج بدوره إلى ثورة حقيقية في البلدان المغاربية : قوامها تحول الأنظمة المغاربية القائمة الآن إلى أنظمة ديمقراطية فعليا ً ، وبالتالي تخليها عن احتكار الوطنية و القبول بنقاشٍ حرٍّ و علنيٍّ حول القضايا التي تعوق بناء الاتحاد المغاربي هذا داخل الهيئات الوطنية المنتخبة بصورة ديموقراطية.فهل إن الجزائر والمغرب مستعدان لإقامة سلام بينهما ، وحلِّ هذا النزاع الإقليمي وفق رؤية مغاربية وحدوية شاملة؟
وبغض النظر عن الطرف الذي يتحمل القدر الأكبر من المسؤولية في وصول العلاقات بين الجزائر والمغرب إلى حدود القطيعة الدبلوماسية، فإنَّ الكلفة السياسية والاقتصادية التي يدفعها البلدان وكامل المنطقة المغاربية بعد تعطيل مسار بناء الاتحاد المغاربي ، تبقى كبيرةً.
إنَّ الاتحاد الأوروبي هو المستفيد الأول اقتصادياً من تعطيل بناء الاتحاد المغاربي ، في ظل عدم بناء شراكة اقتصادية بين البلدان المغاربية الخمسة، ولأنَّه(الاتحاد الأوروبي) نجح في تحويل البلدان المغاربية إلى سوق مفتوحة لمنتجاته، خصوصاً أنَّه أقام شراكة أورومتوسطية بشكل منفرد مع كل دولة مغاربية على حدة،وهو ما أضعف الموقف التفاوضي لكل دولة مغاربية في مقابل الاتحاد الأوروبي ، بخلاف ما لو كانت العلاقات الاقتصادية و المبادلات التجارية البينية المغاربية جيدة ، كان يمكن أن يتم التفاوض مع الاتحاد الأوروبي كمنطقة إقليمية مغاربية واحدة في إطار العلاقات الدولية الندِّية، لا الدونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى