هل تعبت امريكا من عملائها.. عقيدة بايدن تحدد علاقة واشنطن بالشرق الأوسط بعد تطورات أفغانستان

إذا كانت هناك دروس يجب أن يتعلمها أحد من الإنهاء الكارثي للحرب الأمريكية في أفغانستان، فينبغي أن تكون الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط أكثر من يلتفت لهذه الدروس، حيث ترتبط هذه الدول مع واشنطن باتفاقات دفاعية وضمانات عسكرية، كما تنتشر هناك القوات والمقرات والقواعد الأمريكية.

وترتكز الأنظمة السياسية في العالم العربي على المؤسسات العسكرية والأمنية، والتي تعتمد اعتمادا كبيرا على الأسلحة والتدريبات الأمريكية.

والأهم من ذلك أن هذه الأنظمة تعتمد على الالتزام الأمريكي ببقائها ودعمها في خضم مواجهتها لتحديات محلية وإقليمية صعبة.

وبالتالي فإن ما حدث في أفغانستان، ينبغي أن يقلق الأنظمة العربية التي تعتمد على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة.

مؤشرات مقلقة

سوف تفهم الأنظمة التي اعتمدت على فرضية أن الولايات المتحدة ستأتي لإنقاذها إذا لزم الأمر، أن انهيار أفغانستان حدث نتيجة للانسحاب الأمريكي الذي أعلنه كل من الرئيسين “دونالد ترامب” و”جو بايدن”.

وبالتالي، قد تبدأ هذه الأنظمة بسرعة في التساؤل عن مكانها على قائمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية لتقييم فعالية علاقاتها مع الولايات المتحدة. وربما تتطلع هذه الأنظمة لتعزيز علاقاتها مع حلفاء آخرين مثل روسيا والصين.

ومما قد يعزز مخاوف الأنظمة العربية خطاب “بايدن” في 16 آب حول الهزيمة في أفغانستان، والذي أكد بعض المبادئ المهمة في “عقيدة بايدن”.

ويمكن أن تحدد هذه المبادئ من الآن فصاعدًا العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط.

وتعد هذه المبادئ نتاجا لمزيج من الاعتبارات الداخلية الأمريكية (مثل مكافحة جائحة فيروس “كورونا”، ومعالجة المخاوف الاقتصادية، وبناء توافق في الآراء حول أهداف السياسة، وغيرها) بالإضافة إلى التهديدات والتحديات الدولية المكلفة.

ومع ذلك، فإن الحكومات التي تعتمد على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة يجب أن تهتم بهذه المبادئ، وتستجيب لها بطريقة تخفف من تأثيرها على بلدانها، على الأقل طوال مدة رئاسة “بايدن”.

تجلي عقيدة “بايدن”

أولا، ربما قام “بايدن” أخيرًا بإسدال الستار على التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، أو على الأقل على الالتزامات مع العديد من دول المنطقة.

وبالنسبة لشركاء الولايات المتحدة وأصدقائها في الخليج العربي، ينبغي أن يترجم هذا إلى أقصى درجات الحذر فيما يتعلق بكل من الخطاب حول إيران ورغبتهم في الحد من أنشطتها بقوة.

وفي الواقع، يبدو أن الولايات المتحدة ستنصح، من الآن فصاعدا، باعتماد الدبلوماسية فقط باعتبارها الاستراتيجية المفضلة للتعامل مع طهران.

وفي الوقت ذاته، ستحافظ واشنطن على قواتها في المنطقة حاليًا، كرادع فقط ضد أي مغامرة من جانب إيران التي يقودها الآن المرشد الأعلى “علي خامنئي” والرئيس المتشدد المنتخب حديثًا “إبراهيم رئيسي”.

ثانيا، يتضح أن الولايات المتحدة لن تلتزم ببذل المزيد من الأرواح والأموال في سبيل الدول التي تفشل قياداتها ومؤسساتها وجيوشها في مواجهة التهديدات والتحديات الراسخة.

وكم “بايدن” قد أبرز  في كلمته، ان الولايات المتحدة انفقت أكثر من تريليون دولار لخلق قوة عسكرية أفغانية مسلحة ومدربة جيدا وإرساء ركائز اقتصاد مفتوح.

وكان هدف الكثير من هذه النفقات هو الحفاظ على وجود أمريكي لمحاربة “المتطرفين” ،لكن ما قامت به في الواقع هو حماية المسؤولين الفاسدين وخلق اقتصاد اعتماديّ.

ومن منظور إدارة “بايدن”، فإن الجيش الأفغاني كان فاشلا وانسحب من ساحة المعركة أمام ميليشيا غير منظمة ذات أيديولوجية منتمية للتسعينيات، وكان من المحرج بشكل خاص استحواذ “طالبان” على أسلحة أمريكية متطورة بمليارات الدولارات، والتي ستستخدم لتعزيز النظام الذي حكم البلاد سابقًا وآوى “القاعدة” التي هاجمت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وبالرغم من الإحراج والاتهامات، يبدو أن فريق “بايدن” قرر مثل إدارة “ترامب” أنه طالما لا توجد مصلحة وطنية أمريكية حيوية، فإن الولايات المتحدة ستتمسك بالانسحاب بغض النظر عن الأضرار التي تلحق بسمعتها ومصداقيتها.

ثالثا، لن تحاول الولايات المتحدة بعد الآن الانخراط في جهود واسعة لبناء بلد ما، حيث تسببت تجربة أفغانستان في إحجام الجمهور الأمريكي عن بذل الطاقة والأموال للمساعدة في بناء (أو إنعاش) مؤسسات دولة في أماكن بعيدة.

وسيكون هذا المبدأ مؤثرًا في العالم العربي اليوم الذي تتجه إليه المساعدات الاقتصادية والتقنية والعسكرية وغيرها من المساعدات، وتشمل أهم البلاد المعنيّة اليمن وليبيا والصومال والعراق وتونس وسوريا ولبنان.

وهكذا لن تستمر الولايات المتحدة في انخراطها بعيد المدى مع هذه البلدان إذا لم تظهر مؤسساتها وحكامها الإرادة والاستعداد اللازمين للحكم وتنفيذ برامج وإصلاحات التنمية اللازمة.

دروس مستفادة

فيما تبدأ أفغانستان فصلا جديدا تحت حكم “طالبان”، من المرجح أن تحكم المبادئ الجديدة لـ”عقيدة بايدن” علاقات الإدارة الأمريكية مع حلفائها وأصدقائها في العالم العربي الذين عليهم أن يتحرروا من وهم أن هذه المبادئ ستتغير في أي وقت قريب، حتى لو تغيرت الإدارة الأمريكية.

وأثبتت أفغانستان أن الثقة الزائدة للمحافظين الجدد في إدارة “جورج دبليو بوش”، والتي أدت في نهاية المطاف إلى هزيمة للسياسة الخارجية الأمريكية، سوف تتعرض للمراجعة لئلا تتكرر التجربة.

وبالتالي فإن الدول العربية التي تعتمد على الالتزام الأمريكي يجب أن تولي اهتماما لتأثير الظروف المحلية الأمريكية على سلوك إدارة “بايدن” أو خلفائه، سواء في المنطقة العربية أوالعالم ككل.

المصدر-| عماد حرب/ المركز العربيب واشنطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى