“كورونا” يغيب المفكر المغربي محمد سبيلا عن 79 عاما

الرباط – توفى المفكر والفيلسوف المغربي محمد سبيلا، امس الثلاثاء، في العاصمة الرباط، عن عمر يناهز 79 عاما، متأثرا بمضاعفات إصابته بفايروس كورونا، بحسب إعلام محلي.

وقبل أيام أُدخل “سبيلا” غرفة “الإنعاش” جراء إصابته بالفايروس، وفق موقع “اليوم 24” الإخباري المغربي .

وبغياب سبيلا يفقد المشهد الفكري في المغرب والعالم العربي أحد أبرز الأسماء الذي اعتنت بمطلب الحداثة.

وناعيا سبيلا، قال محمد العناز، كاتب مغربي، عبر صفحته في فيسبوك “ستظل كتبك ومحاضراتك واحتضانك لأجيال من الطلبة درسا بليغا في تاريخ الجامعة المغربية”.

ولد محمد سبيلا في مدينة الدار البيضاء (شمال) عام 1942، وهو أحد أبرز الكتاب والفلاسفة في المغرب.
ونال المفكر المغربي عضوية اتحاد كتاب المغرب عام 1967، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في 1974، ثم تابع دراساته الفلسفية بجامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة السوربون بباريس، قبل أن يشتغل أستاذاً للفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب بالرباط، ويشغل منصب رئيس شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس ما بين 1972 و1980، وترأس “الجمعية الفلسفية المغربية”، ما بين 1994 و2006.
وناضل سبيلا في صفوف الاتحاد العام لطلبة المغرب، ولم ينه علاقته مع عالم السياسة في جانبها المتعلق بمجاله البحثي حيث اهتم بالتحديث والعقلانية في نشاطه الفلسفي كمطلب عزيز للفكر الإنساني في زمن التحولات القيمية والتقنية.
وينتمي سبيلا إلى رعيل من المفكرين والأكاديميين الذين ارتبطت لديهم الثقافة والفكر بالنضال من أجل التحرر والتحديث والديمقراطية وتحقيق نهضة وطنية شاملة. وهو ممن عبروا في كتاباتهم الفكرية عن هاجس البحث عن آفاق الحداثة، والدفاع عن ثوابتها، والسعي إلى إشعاع مكوناتها وروافدها الخصيبة.
ومن هنا جاء إنتاجه الفكري والفلسفي، تحليلاً وتأريخاً وترجمة، متصلاً على نحو وطيد بهذا الأفق الفكري. كما تجلت إسهاماته العميقة في تبديد التباسات الفكر العربي بصدد الفلسفة الحديثة والمعاصرة، سواء بالتأليف أو بالخوض في النقاش العام، أو الممارسة السياسية.
وأكثر ما اهتم به سبيلا، البحث في سؤال الحداثة وما بعد الحداثة وعلاقته بالواقع المغربي، إضافة إلى مسألتي الدولة المدنية وعقلنة الخطاب الديني.
ويرى سبيلا أننا في العالم العربي اقتبسنا فقط جزءا من الحداثة وهو الحداثة السياسية، والحديث هنا عن الانتقال الديمقراطي، بينما الانتقال إلى ثقافة الحداثة يبدو عسيرا؛ ذلك أن الزمن الثقافي أبطأ من الزمن التاريخي، على حد نظره.
ويعتبر سبيلا أن المجتمعات التي عرفت ثورات الربيع “تعيش مخاضات تخرج فيها من إطار التقليد المتزمت ومن الإسلام الحركي العنيف، إلى آفاق إسلام حركي ديمقراطي أو ديمقراطية إسلامية، وهذه خطوة من خطوات التاريخ إذ أننا لا ننتظر قفزات”.
وتكمن أهمية مساهمة سبيلا في خلق رابطة قوية بين التحديث والعقلانية، وفق المفكر المغربي عبدالسلام بن عبدالعالي، في أن “التحديث بالنسبة له تحديث للشرط الإنساني، وتحديث لوعينا بالتاريخ وهو ما جعل جهوده تتعرض لأنواع من الحصار والتهميش من قبل حشود القدامى التيارات الأصولية الجارفة”.
واشتغل سبيلا في الفلسفة، في زمن اشتدت فيه الحرب عليها مقابل إفساح المجال للتيار الإسلاموي بداية من ثمانينيات القرن الماضي. لكنّ أستاذ الفلسفة نورالدين أفاية، أشار في ندوة سابقة احتفت بسبيلا، إلى أن الأخير استطاع أن يتصدى لهذا التيار من خلال دعوته إلى بناء “ذاتية مغربية مبدعة”.
ورهان سبيلا الكبير، حسب أفاية، كان “تأكيد الانتماء إلى زمن العالم، إلى الحداثة، عبر تشجيع الإبداع في مجالات الفلسفة والعلوم الإنسانية، والتفكير في مهام الفكر وأدوار المثقف في مواجهة حشود الفكر الغيبي، وتثمين الفكر الدنيوي في مباحث الجسد والمرأة والروابط الاجتماعية والوطنية وكيفيات نبذ العنف، والتفكير في القضايا المتصلة بالوجود المشترك والقانون والديمقراطية”.
وعرف صاحب “المغرب في مواجهة الحداثة” و”مدارات الحداثة” بكونه باحثاً شغله موضوع الحداثة وعوائق التحديث، وأغنى المكتبة العربية بمؤلفات تقرب من التفكير الفلسفي ومفاهيمه ومخاضات الحداثة وثمارها وأفق النقاش الفكري الإنساني.
وألف كتبا عديدة، منها: سلسلة كراسات فلسفية، والإيديولوجيا: نحو نظرة تكاملية، والحداثة وما بعد الحداثة، وزمن العولمة في ما وراء الوهم، وفي تحولات المجتمع المغربي. وله أيضا العديد من المحاضرات والدراسات والأبحاث الفلسفية والترجمات.
وفضلاً عن ترجمته لأعمال مجموعة من رموز الفكر الفلسفي الأوروبي، خاصة الفرنسي والألماني، شارك في مجموعة من الصحف والمجلات المغربية والعربية، واهتمت كتاباته وحواراته أيضاً بواقع السياسة واستيعاب الحداثة السياسية في العالم العربي وواقع التحديث في دول المنطقة ومطباته.
واعتبر تكريم سبيلا في أصيلة في 18 يوليو 2017 تكريما لجيل من الأعلام المغاربة في حقل الفلسفة، ولقيم المواطنة والعقلانية ونشدان الحداثة، التي أسست للمغرب المعاصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى