في ذكرى ثورة يوليو.. من احمد عرابي الى جمال عبد الناصر

 

لم يكن جمال عبد الناصر هو بالتحديد أول وطني مصري ينتمي الى الأغلبية ومن أصل فلاحي يبرز ويحاول التصدّي لملوك أسرة محمد علي باشا . فقد سبقة بـ 70 سنة الضابط المصري الوطني الفلاّح أحمد عرابي الذي قاد ثورة كبيرة ضد الخديوي توفيق وأسياده الانجليز.
وهناك اوجه تشابه كثيرة بين القائدين الوطنيين المصريين. فالمطالب التي قدمها احمد عرابي للخديوي توفيق (جد الملك فاروق) كانت تتلخص فيما يلي :
تعديل قوانين الجيش للمساواة بين جميع الأجناس والاعراق ووقف انحياز ناظر الجهادية (وزير الدفاع) عثمان رفقي باشا للشراكسة والاتراك, وتعيين ناظر للجهادية من الوطنيين المصريين.
وقف الظلم الواقع على عموم المصريين بسبب امتيازات وهيمنة الطبقة الحاكمة وادخال اصلاحات اقتصادية وادارية وقضائية في البلاد, ووضع حد للتدخل الاجنبي في شؤون مصر.
عزل نظارة (حكومة) رياض باشا الباطشة بالمصريين, وقيام مجلس نواب وطني (برلمان).
وهذه المطالب تعكس في جوهرها نفس اهداف ثورة 23 يوليو , مع اختلاف في الظروف والتفاصيل وطريقة التعبير. فيمكن القول ان ثورة عرابي ضد الخديوي كانت إرهاصاً لثورة عبد الناصر ضد الملك.
وتروي كتب التاريخ تفاصيل المواجهة الشهيرة بين الخديوي توفيق و احمد عرابي الذي جاء اليه حاملا لائحة مطالب المصريين:
قال له الخديوي توفيق: كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها, وأنا ورثت هذه البلاد عن آبائي وأجدادي, وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا!
فردّ عليه عرابي: لقد خلقنا الله أحراراً, ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً. فوالله الذي لا إله إلا هو, لا نُورَّث, ولا نُستعبَد بعد اليوم!
لن ندخل كثيرا في التفاصيل التاريخية لأحداث الثورة العرابية وكيف تم احباطها عندما لجأ الخديوي توفيق الى بريطانيا العظمى التي ارسلت اسطولها الضخم الى شواطئ مصر مع ثلاثين الف جندي سنة 1882 وكانت النتيجة أن تمكنت من انقاذ الخديوي توفيق وهزيمة الوطنيين المصريين وعلى رأسهم احمد عرابي الذي قامت بنفيه الى الى جزيرة سيلان (سري لانكا) حيث بقي فيها عشرون سنة. أنقذ الخديوي عرشه على حساب الوطن, ولا بأس عنده أن يحتل الانجليز مصر ما دام هو وأسرته جالسين في قصورهم يحكمون شعباً من العبيد!
ما أنتم الاّ عبيدُ احساناتنا !! هكذا كانت نظرة ملوك اسرة محمد علي باشا لمصر والمصريين . إرثٌ لنا نفعل به ما نشاء.
فهل يُلامُ جمال عبد الناصر أن خلع تلك الأسرة وملوكها , مرة والى الأبد ؟! هل يُلامُ لأنه نجح فيما فشل فيه سلفه عرابي الذي تمكنت بريطانيا العظمى وجيوشها من إحباط ثورته ؟

ولو لم تكن له الاّ تلك لكَفتْهُ وكفّرتْ عنه كل اخطائه وزلاته.

*كاتب و باحث من الاردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى