ترانزيت في موانئ على بحار عاصفة

لا يمكن للمرء أن يتجول في بلدان الشرق الأوسط وبؤرته (العالم العربي)، وتحط مرساته على أي من موانيه، بعد صراع هادر مع العواصف التي تجتاح تلك البحار المطلة عليها موانئ البلدان العربية، إلا ويشعر بالنار وغبار المعارك المتطاير في الأجواء معبرا عن زخم صراع وكأنه حرب داحس والغبراء , في مدتها الزمنية الطويلة الأيام ,والليالي المسكونة بشياطين الإنس والجن وهى تؤلب الإنسان على أخيه الإنسان ليصير الدم نهرا يتجدد كلما جفت بعض من دماء، لكنها تفوقها في تقنية أسلحة الدمار وكمها وسُعار نارها وكثرة عتادها وجنودها , و العدد الهائل من ضحاياها , والإنفاق ببذخ (والغير ) مسبوق على تطاير شظاياها.
أنها الحرب قد تثقل القلب , لكنهم يرونها وقد دغدغت مشاعرهم وجاءت على هواهم ,فالسادية مغروسة في طبائع نفوسهم , وحب الذات مركوز في حناياهم والعنترية فِسقَهم والتباهي بالقتل وهتك العرض فجورهم , علهم يفوزون برضي المحبوب الصهيوني والمعشوق الامريكى , تلك حكام الرجعية العربية في نكاحهم الجهادي , يؤدون فرائض الولاء والطاعة لمن أجلسوهم على العروش كجثث متهرئة ترتدي العبايات التى تخفى حقيقة البغال والحيوانات التى تهدر المال بلا وعي ولا تفكير كلما أمرهم سيدهم الأمريكي بالتبذير لتدمير الشعب العربي المستكين .
وبعد صراع طويل مع الأمواج العاتية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وفور الدخول من باب المندب رست سفينة الإبحار على “ميناء الحديدة “, وعلى الفور عادت الذاكرة الى الوراء تستلهم روح السلال والحامدى وبدايات اليمن السعيد ,وعون جمال عبد الناصر للنظام الثوري الجديد في محاولة منه أن يبعث للبحر الأحمر سلام ووئام وهدوء أمواجه لتأمين قناة السويس بعبور هادئ وهانئ لهذا الممر الحيوي ليعم الاستقرار وتتناغم مياه البحر في سريانها من الحديدة حتى السويس , لكنهم كانوا هناك فى يتربصون ويتشيطنون بفعل شياطينهم الصهاينة والأمريكان ,وتقدم الزمن وصار اليمن الى ما هو عليه الآن من تجزيء لوحدته وكيانه , وبثت المخابرات الأمريكية أنفها وهمست لعميلها وعلى الفور مَوَل أتباعه على الهوية , وصار الصراع مريرا الآن ودمر الشجر والحجر فى حضارة اليمن , وبدا أنه لا يمكن لنا أن نتحمل عوادم الصراع من دخان ولهب ونار ومن ثم لابد أن ننهى ترانزيت الحديدة الآن – بعد أن تحول البحر الأحمر الى حالة هياج – ونشد الرحال .
منذ الثورة الإيرانية ومياه الخليج قد تحولت الى مارج من نار , وضمرت الصهيونية والامبريالية الشر لثوار إيران , وكانت رسالتهم الى العملاء , فأ وقدوا نار الفتنة بين صدام وثورة الخميني وكان الدمار- رجع بى شريط الذكريات في ترانزيت على” ثغر البصرة” المطل بالكاد على مياه الخليج التي ما تزال مشتعلة بالنار منذ عاصفة الصحراء , وما أعقب ذلك من احتلال أمريكا للعراق وما نتج عنها من تقسيم لبلاد الرافدين , ومئات الألوف من القتلى من وراء التفجيرات ثم أخيرا داعش تثير الغبار وتحتل الأمصار, وينتقل لهب الخليج الى هناك في شرق البحر المتوسط ويحيله الى عواصف وأعاصير ورياح وحمم تنطلق من براكين فى جوف الماء .
وإلى أقرب نقطة من اليابسة كان الترانزيت في عروس الموانئ” اللاذقية” أجمل الموانئ السورية, يسبح الخيال وتتوارى ولو للحظات- أصوات قعقعة السلاح ودخان المعارك الممتد على أرض الشام وجهاد النكاح التى تديره داعش والنصرة وعملاء الجيش الحر وكافة الحركات الإرهابية الممولة قطريا وسعوديا والمدربة صهيونيا وتركيا – ليسرح الخيال فى عاصمة الأمويين وأيام العز والأبهة حين كانت جزيرة العرب صحراء قاحلة – وتفصح الذاكرة عن أيام المد العروبي ووحدة مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة , لكن ما إن يعود العقل الى الواقع الحاضر , لا يجد أمامه إلا النار والدمار والعواصف ويشق الغبار عنان السماء , فها هم الكلاب تكالبوا على أرض الشام واستباحوا الحدود السورية, فصارت تحيل مياه المتوسط الى مارج من نار , لكن تبقى عناية الله تحف سوريا وتبث في رجال جيشنا السوري الشجاعة والإقدام لذا فنصرهم قريب لتطهير سوريا من العدوان والإرهاب .
والى مرفأ” بيروت” صار الترانزيت لحظه تعبوية قبل أن تغرقنا الأعاصير في مياه المتوسط , لكن تبقى الشام- سوريا ولبنان – ولان النار في سوريا مازالت مستعرة فقد طالت الشمال اللبناني والهدف مقاومة حزب الله , وترمى عصابات الإرهاب الصهيوني بكل أوراقها وتجنيد العملاء بما يحملوه من تفجيرات ضد الشعب اللبناني ومقاومته في الضاحية , وصار الدخان ينبعث من نافذة الموزاييك المطلة على البحر المتوسط , وبدت لبنان عصية كما كانت بفضل مقاومتها .
لكن تبقى النار تريد من يقضي على آثارها هناك..
وعلى الأفق القريب ونحن نواصل اقتحام أمواج البحر المتوسط تمتد سواحل سيناء المصرية ما بين غزة وبورسعيد , فلم نجد بُد سوى أن نرسو على شاطئ (غزة) نستعيد رمز العزة والنضال ضد قوى العدوان الهمجي الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني فى غزة ,
وعلى شاطئ ”العريش” في ترانزيت جديد , منها نشاهد حرب ضروس بين جماعات التكفير تقودها جماعة “بيت المقدس” المدفوعة من إسرائيل –, والجيش المصري لهم بالمرصاد.
لكن الى الآن تبقى النار مستعرة في سيناء تمد وبالها الى شواطئ المتوسط وعليه كان الإبحار .
الى “بني غازي ” حط الرحال فلم نجد الا هياكل مدن ولا من حركة تصدير للنفط ولا استيراد احتياجات البلاد , ف ثورة الفاتح حولت القواعد الأمريكية والبريطانية في ليبيا الى قواعد وطنية , لذا لم يكن للعملاء إلا أن يطلبوا من مجلس الأمن تدمير ليبيا وللأسف شاركوا قوات التحالف هذا التدمير وغدت للآن النار في كل اتجاه واحتمال التفتيت والتشرذم حال ليبيا الآن, والى حين فما زالت النيران تبعث بحممها الى البحر المتوسط محاولة تعكير صفو الكائنات التى مازالت تحتمي في القاع خوفا من الانقراض والضياع .
ويبقى ميناء اسطنبول في شمال المتوسط وحيفا ويافا في جنوبه, موانئ غير جديرة بالترانزيت لأن القراصنة والشياطين يسكنوها ويشعلون الحريق الذي تنتج عنه الرياح العاتية والأعاصير ,فلكي تهدأ البحار وينعم الشرق الأوسط بالاستقرار وتعود لأمتنا العربية كيانها وتحيا شعوبها حياة حرة كريمة , لابد من القضاء على هذه الشياطين وهؤلاء القراصنة الذين سكنون هذه الموانئ, ويتم دفنهم في مزابل التاريخ.

*كاتب ومحامى – مصرى
البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى