في ذكرى ميلاده.. لماذا لم يتزوج صاحب العبقريات عباس العقاد؟

المفكر الفيلسوف، عملاق الفكر والنقد والأدب والسياسة والثقافة، لقب بصاحب القلم الفيلسوف والكاتب الروائي، يعتز به العرب عامة والمصريون خاصة، لم يكتسب عباس محمود العقاد ـ ولد فى مثل هذا اليوم 28 يونيو عام 1889 ـ مكانته الرفيعة من وظيفة أو من جاه أو لقب علمي، إنما حصل عليها بكفاحه المتواصل.

وهو صاحب العبقريات الشهيرة التى كتبها كتراجم لحياة نحو 14 شخصية كبرى فى التاريخ العربى والإسلامي، بدءا من الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى الخلفاء الراشدين وبعض الصحابة والقادة والفلاسفة والشعراء، وعدة تراجم اخرى لشخصيات من ثقافات اخرى مثل “غاندي، اتاتورك، هتلر، موسولينى”.

صاحب العبقريات
أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب فى العلم والفكر والسياسة والدين والأدب، ستظل كلها مرجعا مهما للدارسين والباحثين على مر السنين.

ولد عباس محمود العقاد بمدينة أسوان وحصل على الابتدائية عام 1903 ولم ينتقل إلى المدرسة الثانوية لبعد المسافة فقرر أن يكون معلما لنفسه حتى أصبح أشهر أساتذة عصره.

أول حوار صحفى
عمل موظفا فى بعض الجهات الحكومية قبل أن يحترف الكتابة فى الصحف التى بدأها بصحيفة الدستور لصاحبها محمد فريد وجدى وكان يوقع مقالاته بالحرفين الاول لاسمه “ع م” ، ونجح فى إجراء أول حوار مع الزعيم سعد زغلول وكان وزيرا للمعارف وقتئذ عام 1908.

صحافة التلفيق
ويحكى العقاد عن بدايته الصحفية فيقول: عندما عملت بالصحافة كانت الصحف المصرية إما يومية أو غير يومية ولم تكن هناك صحف اسبوعية، وأحيانا تتغير الصحيفة عن يوم صدورها بسبب عدم توافر المادة للتحصيل وهى تعنى حملة على رجل مشهور أو فضيحة أو أسرة لثرى او مصالح ناس معرضة للتهديد.

وأضاف العقاد: غير أن ما آلمني فى الصحافة هو سياسة التلفيق فى الكتابة الصحفية بأشكالها المختلفة، وجدت فى القاهرة ثلاث مكاتب لتحرير المقالات حسب الطلب ومقرها قهوات وحانات مختلفة، وكنا كمجلس التحرير نجتمع بقهوة صغيرة بشارع محمد على، وكان مرتبى خمسة جنيهات فقط وكانت مصروفات الصحفى فى ذلك الوقت ضعيفة فإن خمسة مليمات تعطيك وجبة افطار ملوكي، وتوالت الكتابة فى صحف البلاغ وروز اليوسف والبيان والأهرام وغيرها.

فى عام 1938 عين عضوا بمجلس الشيوخ ونال مكانة ممتازة بين الكتاب والصحفيين والسياسيين فلم يستهويه منصب طوال حياته حتى أنه رفض الوزارة.

العيب فى الذات الملكية
دعا إلى حرية الوطن وحرية المواطن وعاش متمسكا بالديمقراطية، واثبت من خلال كتبه أن الإسلام هو أساس فكرة الديمقراطية، ولم يكتب فى السياسة وحدها، بل ترك لنا 14 دراسة فى الترجمة والمذكرات والفلسفة وعشرة دواوين في الشعر، و190 دراسة فى الاجتماع والأدب والتاريخ، و11 كتابا فى الاسلاميات.

كان العقاد أول نائب برلمانى يسجن بتهمة العيب فى الذات الملكية بسبب إعلانه فى البرلمان قوله: إن هذا البرلمان مستعد أن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته، وقدم للمحاكمة وترافع عنه مكرم عبيد وسجن تسعة أشهر.

أنا وحياة قلم

ألف العقاد كتابا عن حياته الشخصية اختار له عنوان ( أنا )، كما وضع كتابا باسم (حياة قلم )، فيما عبر عن الحب بأصدق معانيه فى روايته “سارة “، رغم انه عاش أعزب ولم يتزوج فى حياته.

وكان يقول: كيف اتزوج فتصبح زوجتي أرملة من بعدي، أي أنه أحب المرأة ولذلك لم يتزوجها حتى لا يتركها وحيدة من بعده.

جاء الرحيل فى الخامسة والسبعين من عمره حين سقط من فوق كرسيه الذى اعتاد الجلوس عليه ليفارق الحياة، وكان قد كتب وصيته بأن يدفن بجوار والدته بأسوان، وخرجت جنازته من بيته بمصر الجديدة إلى مسجد عمر مكرم حيث تمت الصلاة على جثمانه.

يوم في حياته.. القراءة أبرز الطقوس

وكان للكاتب الكبير عباس محمود العقاد عادات وأسلوب حياة خاص به حتى يمكنه الكتابة والتأليف، حتى انه كما يقول انه لم يتزوج حتى لا يشغله شئ عن الكتابة.

وقد قامت مجلة المصور عام 1954 بجولة فى بيت العقاد للبحث عن يوم فى حياته داخل صومعته الخاصة التى يفضلها والتى يخلو فيها ليس الى السكون والراحة فحسب ولكن ليقرأ ويبحث ويحلل وينقد، وكما قال الكاتب انيس منصور العاشق للعقاد انه فى هذه الصومعة تجود قريحته وتفيض عبقريته بما ينتجه ويقدمه لقرائه.

التقى به مندوب مجلة المصور فى بيته واستقبله العقاد بابتسامة اب حنون، وكان يرتدي بالطو وكوفية وطاقية من لون واحد ويرتدي نظارة طبية على عينيه.

ما أن دخل الصحفى حجرة الصالون حتى وجد كوبا من الليمون فى انتظاره، يقول مندوب المجلة: وجدت ان صومعة العقاد تحتل كل ركن من أركان بيته الكائن فيشارع سليم الأول بمنطقة مصر الجديدة الذى يضم أربع حجرات واسعة بها الاف المجلدات والكتب، وفى غرفة الصالون التى يستقبل زواره فيها بميعاد سابق والتأخير خمس دقائق يحرم زائره من مقابلته حتى ولو كان وزيرا، لا يوجد الا كتب الأدب والتاريخ فقط.

الاستماع إلى الموسيقى

وفى غرفة النوم هناك مكتبة جميع الكتب التى تخص دولة السودان، أما فى غرفة المائدة فتوجد مكتبة الفلسفة، وفى غرفة المكتب توجد مكتبة الدين والعلوم والاقتصاد وجهاز الجراموفون الخاص به وجميع أسطواناته، وفى البلكونة توجد مكتبة الشيوعية، وحتى المطبخ لم يخل من كتب، ولكنها تخص الطباخ الخاص به وهى تضم مصاحف وبعض الكتب الدينية.

عادات الكتابة

وحكى الأديب عباس محمود العقاد لمندوب المصور عن عاداته اليومية، فقال انه يكتب فى الصباح من الثامنة إلى التاسعة، ويكتب فى المساء من الساعة الخامسة الى منتصف الثامنة ليمضى بقية الوقت بعد ذلك فى القراءة والبحث مع انقطاع فترات قصيرة لسماع موسيقى شرقية لسيد درويش.

عصير الليمون

وعندما يكتب العقاد يضع له الخادم صينية بجواره تحوى جميع أنواع الفاكهة حسب الموسم، كما أنه يتناول كوبا من عصير الليمون أو البرتقال المحلى بالعسل بين وقت وآخر وعلق على ذلك قائلا: أنا أرحم من غيرى مثلا صديقنا يوسف السباعى يضع بجواره أثناء الكتابة البسبوسة وفول السودانى والملانة “الحمص الأخضر”.

ولا يستطيع العقاد الكتابة خصوصا فى الموضوعات الادبية وسط الضوضاء، بل يختار للكتابة ورقا مسطرا فى حجم صغير خاصة فى كتابة المقالات.

وقبل الكتابة يخرج مجلداته ومراجعه الخاصة بما سيكتب من المكتبة ولا يعيدها الى المكتبة إلا بعد الانتهاء مما يكتب فيه، وهو دائما يقول (أنا أعيش فى هذا البيت عالة على الكتب) والمكتبة مصنفة ومفهرسة بعناوين مكتوبة عليها بحسب موضوعاتها حتى يسهل الاطلاع منها.

وقال العقاد لمضيفه: يقال عنى إني صارم فى تفكيرى مع أنى لا أنقطع عن الضحك ورفع الكلفة لكن بينى وبين اصدقائى فقط، ويقال عنى انى أحب العزلة وفى الواقع أعيش فى بيتي فى عزلة عن الجماعات والجماهير، لكنى عكس ذلك فى المجالس الخاصة وسط أصدقائي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى