هل تكتسب “الديموقراطية” الكويتية خصائص شقيقتها اللبنانية في اشاعة الفوضى والاستقواء على الدولة؟

مجددا، وجه أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح تحذيراته للمعارضة من تجاوز الخط الاحمر.

وقال أمير الكويت إن “الكويت وأهلها خط أحمر، لن نسمح بتجاوزه بأي حال من الأحوال، ولدينا من الإجراءات والخيارات ما يضع كل من يتجاوز عند حده”.

وأضاف “نحن نراقب المشهد بكل دقة وروية، ونعطي الفرصة تلو الأخرى، لكن حين يصل الأمر إلى درجة الإضرار بالكويت وأهلها فلهؤلاء وغيرهم نقول لهم راجعوا حساباتكم”.

وتابع “نحن مؤمنون بنظامنا الديمقراطي ونفتخر به، ولن نسمح لأي كان بأن يعبث بهذا النظام، فهو قائم على دستور واضح بمواده، ويرسم الحقوق والواجبات بكل وضوح من خلال سلطات تتعاون في ما بينها”.

ويشير الشيخ نواف الأحمد بحديثه عن أن أهل الكويت خط أحمر إلى محاولة بعض النواب عرقلة جلسة إقرار موازنة الدولة التي تهم المواطنين مباشرة وتتعلق بالرواتب والتوظيفات والتعيينات والمشاريع والصرف على القطاعات الصحية والتعليمية والخدماتية العامة، وكلها تصب مباشرة في مصلحة الناس.

وكانت جلسة إقرار الموازنة عقدت، امس الاول الثلاثاء، تحت بند جلسة خاصة دعا إليها رئيس المجلس مرزوق الغانم وبحضور الحكومة التي بقي وزراؤها واقفين بعدما احتل نواب مقاعدهم.

وقد عمّت الفوضى، بكل اسف، بعد التصويت على الميزانية الذي شهد موافقة 32 نائبا من أصل 63 حضروا منهم 50 من الأعضاء المنتخبين والوزراء في الحكومة. ودخل أفراد أمن البرلمان القاعة لاستعادة النظام عندما تشاجر نواب من المعارضة مع نواب موالين للحكومة.

ولم يكن تحذير الشيخ نواف الأحمد لبعض النواب المعارضين من مغبة الاسترسال في نهجهم أمرا مفاجئا للكويتيين، فهم يرصدون منذ فترة استياء القيادة السياسية من ممارسات هؤلاء النواب التي تعطل عمل مجلس الأمة وبالتالي تعطل إصدار القوانين والقرارات.

وعزت مصادر كويتية مطلعة تحذيرات الشيخ نواف وحديثه عن الخطر والتلويح بالإجراءات إلى كونه يتعامل بشكل مباشر مع الكويتيين ويصارحهم بما يفكر فيه رافضا وضع حدود أو حواجز بينه وبينهم، مشيرة إلى أن أمير الكويت أفصح لكل من التقى بهم في الأسابيع الأخيرة عن استيائه مما يجري من ممارسات في مجلس الأمة، ومن اللغة التي تستخدم من قبل البعض ويراها خروجا على كل القيم والمبادئ التي جبل عليها الكويتيون.

واعتبرت مصادر سياسية كويتية تشديد أمير الكويت على الأمن والاستقرار رسالةَ تحذير شديدة اللهجة إلى من بدأ يروج للتظاهر أو يلمح إلى “ربيع عربي”.

وتحدثت مصادر عن قرب صدور قرار يقضي بالتصدي بالقوة لأي محاولة تعيد الكويت إلى ما كانت عليه عام 2011.

وخلصت هذه المصادر إلى أن حديث أمير الكويت يمكن ترجمته بعبارة واحدة “الدولة قوية ولا تجبرونا على اتخاذ قرارات صعبة ولا تراهنوا طويلا على صبر القيادة”.

ورغم لهجة الأمير القاسية، الا أن التكتلات الحزبية والقبلية والمجموعات “المنشقة” من داخل الأسرة الحاكمة لا تحس بالخطر.

ويضم الفريق المعارض في الكويت قوة منظمة من نواب الإخوان المسلمين وحلفائهم إضافة إلى ستة نواب يعرفون باسم “جماعة لندن”؛ أي الذين تحركهم المجموعة الهاربة في لندن التي صدرت ضدها أحكام في قضية ما يعرف بـ”غروب الفنطاس”، إلى جانب بعض النواب القبليين الذين يخشون حملة ضدهم تسقطهم في الانتخابات المقبلة. وهناك نواب متفرقون خاضعون لترهيب مجموعة الإخوان وجماعة لندن ويخشون حملات الجيوش الإلكترونية التابعة لهما.

ومنذ انتخاب مجلس الأمة الكويتي في ديسمبر الماضي تسود حالة من الصراع مع الحكومة التي اضطرت إلى الاستقالة في الثالث عشر من يناير الماضي بعد 28 يوما على تشكيلها.

وتحوز المعارضة على الأغلبية في البرلمان، ما مكنها من تعطيل سير الجلسات التي تهدف من خلالها الحكومة إلى الحصول على موافقات لتنفيذ المشاريع، وهو ما جعل البلاد في حالة من الشلل شبه الكامل.

ويقول مراقبون محليون إن تلويح الشيخ نواف بالخطوط الحمراء يعكس ضعف هامش المناورة لدى السلطة أكثر من كونه ورقة ضغط وتخويف للمعارضة من أجل دفعها إلى التراجع عن المعارك الاستعراضية في البرلمان، والتي تهدد بتعطيل مصالح الكويتيين بما في ذلك تمرير الموازنة.

ويشير المراقبون إلى أن الورقة الأهم لدى أمير الكويت هي حل البرلمان وإعلان انتخابات مبكرة، ولكن هذه الورقة باتت في خدمة المعارضة أكثر من كونها في خدمة السلطة السياسية، لافتين إلى وجود مؤشرات على أن المعارضة ستعزز مكاسبها إذا تم اللجوء إلى خيار الانتخابات المبكرة، ما يجعله خيارا غير ذي فائدة.

فقد أسفرت أول انتخابات جزئية، لسدّ الشغور الناتج عن إبطال المحكمة الدستورية عضوية النائب المعارض بدر الداهوم، عن نتيجة هي بمثابة إنذار شديد للحكومة يحذرها من الاستهانة بقوة المعارضة، وذلك بتحقيق النائب المعارض عبيد الوسمي فوزا ساحقا حيث حصل على حوالي ثلاثة وتسعين في المئة من الأصوات الانتخابية، بينما تقاسم منافسوه الـ14 السبعة في المئة المتبقية.

وتستفيد المعارضة من الأزمة التي تعيشها الأسرة الحاكمة ومن قضايا الفساد التي باتت تطال عناصر من الأسرة فضلا عن كبار المسؤولين في الدولة. لكن العنصر الأهم في قوة المعارضة هو وحدتها في مواجهة الحكومة بالرغم من التناقضات التي تشق صفوفها واختلاف مشاربها بين سلفيين وإخوان وقبليين وليبراليين.

وتقول أوساط سياسية إن ديمقراطية الكويت لم تعد قادرة على احتواء الصراع السياسي بين السلطة والمعارضة، شأنها في ذلك شأن شقيقتها اللبنانية المأزومة، وإن استمرارها بهذا الشكل سيعني أن البلاد مقبلة على أزمات أشدّ خطورة، خاصة مع استحكام الأزمة الاقتصادية وتهديدها لنظام الرفاهية الذي أسست له الطفرة النفطية في العقود الماضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى