هذه ابرز سمات ومواصفات الذكاء العاطفي، وآليات التكيف وادارة الذات

الذكاء العاطفي أو القدرة على تنظيم وإدراك المشاعر، هو موضوع يطرح الكثير من الجدل بين العلماء والناس على حد سواء، فبينما يتفق معظم الناس على أن القدرة على قراءة مشاعر الآخرين، والتحكم في مشاعرك الشخصية، هي خصائص إيجابية تختلف في القوة من فرد لآخر، إلا إن المعضلة التي تواجه أغلب الناس والخبراء هي صعوبة قياس وتحديد هذه القدرات بشكل موضوعي.
وإذا كانت هناك معضلة في القياس، فستكون هناك مشكلة فعلية في الاعتراف بهذه القدرات أو اعتبارها شيئًا حقيقيًا، فالعلم الحديث في النهاية مبني على القياس والتجربة. لذلك سنتطرق في هذا التقرير لطبيعة مفهوم الذكاء العاطفي، وإذا ما كان معترفًا بوجوده بين الخبراء أم لا؟ وما أدلتهم على ذلك؟ ثم نستعرض آليات ما إذا كان يمكن قياسه بشكل دقيق فعلًا أم أنه يظل مصطلحًا فضفاضًا؟
الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم واستخدام وإدارة عواطفك بطرق إيجابية لتخفيف التوتر وللتواصل بشكل فعال والتعاطف مع الآخرين والتغلب على التحديات. يساعدك الذكاء العاطفي على بناء علاقات أقوى، والنجاح في المدرسة والعمل، وتحقيق أهدافك المهنية والشخصية، كما يمكن أن يساعدك أيضًا على التواصل مع مشاعرك، وتحويل النية بداخلك إلى أفعال وإنجازات حقيقية، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن ما يهمك أكثر.
ويعرف الذكاء العاطفي بشكل عام من خلال أربع سمات:
1- إدارة الذات
وهو ما يتعلق بقدرتك على التحكم في المشاعر والسلوكيات الاندفاعية، وإدارة عواطفك بطرق صحية، واتخاذ زمام المبادرة، ومتابعة الالتزامات، والتكيف مع الظروف المتغيرة.
2- الوعي الذاتي
ويتعلق بالتعرف على مشاعرك وكيف تؤثر هذه المشاعر على أفكارك وسلوكك. من هنا تبدأ التعرف على نقاط قوتك وضعفك ويصبح لديك ثقة بالنفس.
3- الوعي الاجتماعي
أي يمكنك فهم عواطف واحتياجات ومخاوف الآخرين، والتقاط الإشارات العاطفية، والشعور بالراحة الاجتماعية، والتعرف على القوة الموجودة في مجموعة ما من البشر.
4- إدارة العلاقات
تتعلق بكيفية تطوير العلاقات الجيدة والحفاظ عليها، والتواصل بوضوح، وإلهام الآخرين والتأثير عليهم، والعمل بشكل جيد في فريق، وإدارة الأزمات.
هل الذكاء العاطفي موجود بالفعل؟
يتفق معظم الخبراء على أن هناك أدلة علمية على وجود الذكاء العاطفي، وذلك لأن درجات الذكاء العاطفي يمكن أن تتنبأ بنتائج أخرى قابلة للقياس، بطريقة مماثلة لمعدل الذكاء. على سبيل المثال، ثبت أن قدرات الذكاء العاطفي العالية ترتبط النجاح الوظيفي، إذ إن هناك علاقة واضحة بين أصحاب الذكاء العاطفي المرتفع ونجاحهم في وظائفهم بشكل ملفت.
بحسب الخبراء، فإن الصحة العقلية والصحة البدنية والرضا عن الحياة كلها أمور مرتبطة بامتلاك ذكاء عاطفي مرتفع. فقد وجدت دراسة أمريكية نشرت عام 2018، أن الذكاء العاطفي كان مؤشرًا على الأداء الأكاديمي والسريري المتميز بين طلاب صحة الأسنان في الولايات المتحدة.
أيضًا هناك ارتباط بين زيادة الذكاء العاطفي والتأثير الإيجابي على حالات الاكتئاب، فقد أشارت دراسة عام 2012 إلى أنه أمام كل نقطة واحدة زيادة في مقياس معدل الذكاء العاطفي (EQ)، فإن خطر الإصابة بالاكتئاب انخفض بنسبة 6%. وهو ما يقدم دليلًا واضحًا على أن الذكاء العاطفي والاكتئاب مرتبطان بقوة.
كيف يمكن قياس الذكاء العاطفي؟
نأتي هنا للسؤال الأهم: كيف يمكننا قياس درجة الذكاء العاطفي؟ بكلمات أخرى، كيف نقول إن هذا الشخص يملك درجة أعلى في الذكاء العاطفي من شخص آخر يجلس بجواره مثلًا. قبل الإجابة ربما علينا الإشارة إلى أن الذكاء العاطفي ليس نوعًا واحدًا، بل هناك أنواع متعددة الذكاء العاطفي.
أبرز هذه الأنواع وأكثرها شيوعًا هي الذكاء العاطفي للسمات، والذكاء العاطفي للقدرات، وهو ما يعني أن هناك نموذجين للقياس أحدهما يتعلق بالسمات والآخر يتعلق بالقدرات.
الذكاء العاطفي للسمات
بالنسبة للذكاء العاطفي للسمات، فهو يعتمد على الإبلاغ الذاتي عن التصرفات السلوكية والقدرات التي يتوقعها الشخص عن نفسه، ويقصد بالإبلاغ الذاتي أن يقوم الشخص نفسه بتوضيح شخصيته وخصائصها. هذا يعني أنه يرتبط بشكل كبير بالمقاييس الأخرى للسمات الشخصية الأساسية، وهي خمس سمات كبرى: الانبساط، والانسجام، والانفتاح، والضمير، والعصابية.
ولأن الارتباطات بين مقاييس الذكاء العاطفي للسمات والسمات الشخصية الخمسة هذه عالية جدًا، فيمكن للمرء أن يدعي أن الذكاء العاطفي ينتمي إلى واحد أو أكثر من فروع هذه السمات الخمسة، وهذا يعني أنه يمكن قياس الذكاء العاطفي للسمات باستخدام اختبارات الشخصية التي يجيب فيها الشخص بنفسه على الأسئلة.
تمثل اختبارات الإبلاغ الذاتي (الاختبارات التي يجيب فيها الشخص عن الأسئلة بنفسه) بعض التحديات؛ لأنه قد يصعب على الناس الإبلاغ بشكل واضح ودقيق عن معرفتهم الداخلية لشخصياتهم.
الذكاء العاطفي للقدرات
أما النوع الآخر من الذكاء العاطفي، فهو الذكاء العاطفي للقدرات، وهو لا يعد سمة شخصية او لا يمكننا اعتباره ضمن السمات الشخصية الخمسة الكبرى. بدلًا عن ذلك يصف هذا النوع من الذكاء القدرة على إدراك وفهم واستخدام العواطف للقيام بأشياء مختلفة. إذ يمكن اعتبار هذا النوع شكلًا من أشكال الذكاء (مثل معدل الذكاء) بدلًا عن كونه سمة شخصية، على الرغم من أن هذا لم يزل موضع خلاف كبير.
يقاس الذكاء العاطفي للقدرات باستخدام اختبارات معينة مثل اختبارات MSCEIT، والتي تستخدم المشكلات القائمة على العاطفة لاختبار مدى الوعي العاطفي عن الشخص، وعلى الرغم من أن الاختبار صمم على أساس اختبار الذكاء التقليدي، إلا أن المشكلة التي تواجهنا هنا، وتجعل هناك جدلًا حول مدى دقة اختبارات قياس الذكاء العاطفي هي أن الأسئلة القائمة على العاطفة لا تحتوي على إجابة واحدة صحيحة.
صعوبة التعامل مع الذكاء العاطفي علميًا
من هنا وبشكل عام، يعد قياس الذكاء العاطفي أمرًا صعبًا للغاية، خاصةً أننا ما زلنا لا نملك فهمًا واضحًا لماهية الذكاء العاطفي بالضبط، كونه لايزال غير قابل للقياس بدقة واضحة متفق عليها، فهذا النوع من الذكاء معقد التركيب ويعتمد في جزء أساسي منه على الإبلاغ الذاتي والذي غالبًا ما يكون غير دقيق.
ما هو حقيقي بشأن الذكاء العاطفي بالتأكيد هو تلك النظرة الأوسع بشأنه باعتباره قدرة على التعرف على مشاعر المرء والآخرين وتنظيم عواطفهم لتناسب سمات الموقف، لكن قياسه يتطلب أساليب باهظة الثمن لا ترغب العديد من الشركات في دفع ثمنها. وبالتالي، فإن الدلائل على الذكاء العاطفي موجودة، لكن المشكلة تكمن فقط في آليات قياس سهلة وواضحة للقياس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى