جدلية وحدة الأمة العربية

 

 

من الضروري أن يكون موضوع الشعار الوجودي في الأيديولوجية القومية العربية واضحاً ومقنعاً وعميقاً ومفصلياً إلى أبعد الحدود، في ذهن ووجدان شباب وشابات الأمة العربية. من أجل أن لا يهتز الالتزام بالنضال من أجله وبه، كلما قويت شوكة الأعداء، أو ضاعت بوصلة الأمة.

وبالطبع نعني بذلك مركزية شعار الوحدة العربية: لأمة واحدة ولوطن واحد. هذا الشعار هو إطار كل الشعارات الأخرى، وبدونه يضعف أو يتيه كل شعار آخر.

من هنا فإن أعداء هذه الأمة لا يخيفهم ولا يزعجهم الحديث عن أي شعار، إلا شعار الوحدة العربية، فإنهم عند ذاك يهابون ما يمكن أن تكون عليه الأمة الموحدة من إمكانيات هائلة بالغة التأثير في التوازنات العالمية في شتى المجالات.

لنتصور لو أن هذه الكتلة الجغرافية التي تغطي ثلاثة عشر مليون كلم مربع، ويسكنها ما يقترب من نصف مليار نسمة، وتحتوي على كل أشكال التنوعات والثروات الطبيعية المكملة لبعضها بعضاً، وتستند إلى تاريخ مشترك مليء بالإبداعات والإنجازات المادية والمعنوية التراثية المتنوعة الغنية، وفيها إمكانيات بشرية متناغمة هائلة.. لو أنها انتهت إلى نوع من التوحد التكافلي التضامني، إن لم يكن الاندماجي، فماذا ستكون النتيجة في مجالات الاقتصاد والأمن، والاكتفاءات الذاتية والتغلب على الفقر، ودخول عوالم المعرفة والتكنولوجيا الحديثة والوجود الدولي؟

الملايين من الشعب العربي يعرفون الإجابة بحسهم العفوي، وبخبراتهم في حياة النضال السياسي، لكن هناك أصوات أقلية وأفراد ليسوا معنيين بذلك الوهج السياسي والحضاري. كل ما يسمع الإنسان منهم هي أصوات النزاعات العبثية، وتراشق الاتهامات الصبيانية. ولأنها أقليات متسلطة أو أفراد مصالح أنانية مجنونة، فإنها قادرة على تجييش كل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الجماهيرية، وعلى استعداد لزج هذا البلد العربي، أو ذاك في زبونية القيام بالوكالة لما تطلبه هذه الجهة الإقليمية أو تلك الجهة الاستعمارية – الصهيونية، من أجل التآمر على الإخوة أو تأجيج الصراعات والحروب والمماحكات العربية – العربية، التي بدورها تهيئ الأجواء والنفوس لإضعاف فكر وممارسة التوجه الوحدوي، والاكتفاء البليد المضحك بالاهتمام بالجزء العاجز المستباح. ولأن ذلك المشهد المأساوي قائم، ويتكرر بين الحين والآخر، وتحركه أيادي الخارج كلما احتاجت لإضعاف هذه الأمة، فإن إنهاء الدوامة التي يدور فيها، يتطلب الانتقال إلى أنظمة ديمقراطية معقولة، تجعل القرارات القطرية منبثقة عن إرادة الشعوب، وعلى الأقل عن رضا أغلبية مكوناتها. وهكذا فإن الديمقراطية هي مكون أساسي من مكونات الوحدة العربية، وفي الوقت نفسه وسيلة مفصلية لتحققها. وهنا لا بد من التأكيد على أن هلوسة بعض الأنظمة العربية بأنها مسؤولة عن تدمير نظام عربي آخر، باسم إعلاء شأن ما يعرف بالمعارضة الديمقراطية، هي أقصر الطرق لتدمير أمل قيام وحدة عربية.

الديمقراطية في كل قطر يجب أن تنبع في الأساس من إرادة ونضال شعب ذلك القطر، وليس من قبل أنظمة حكم عربية غير ديمقراطية في الأساس، وتلعب في كثير من الأحيان بالنار ولصالح الخارج، لكن ذلك لا ينفي أهمية النضال القومي الشعبي المتضامن، بل الموحد.

ما يهمنا هو أن يترسخ في أذهان الجيل العربي الجديد أن الشعور القومي العروبي هو حراك جدلي، يقوى أحياناً ويضعف أحياناً، في صيرورته المستمرة التاريخية والمستقبلية، إنه زخم لا يقبل بالسكون والوجود الآسن الراكد، لأن الأخطار التي تحيط بالأمة، والتي تزداد بين الحين والآخر، إلى حدود الكوارث، كما هو الحال في الحاضر، وبالتالي فإن عليه أن يستجيب لمواجهة تلك التحديات. ذاك الشعور لن يهدأ إلا في أحضان وحدة الأمة والوطن، كحتمية وجودية قادرة على إخراج العربي من ألف علة وعلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى