نريد وطنــــــــــــــــــاً !!

منذ أحداث 2011 ومحاولات اسقاط النظم وتدمير الدول العربية وحتى اليوم “جرت مياه كثيرة تحت الجسر” كما يقال.

نعني ان حقائق كثيرة تكشفت عن تلك الأحداث وعن المؤامرات التي حيكت ضد الدول العربية في ذلك الوقت. كما ان قدرة دول عربية وبالأخص مصر والبحرين على افشال المؤامرة والمضي قدما في مسيرة الإصلاح والبناء، غير الكثير من القناعات وفرض حقائق وقناعات جديدة.

هذا الواقع الجديد فرض تغيرا في الآراء والرؤى تجاه احداث 2011 وتجاه التحديات التي تواجه الدول العربية وكيفية التعامل معها.

هذا التغيير حدث على مستوى النخب السياسية والفكرية والرأي العام في دولنا. كما لا حظت ان هذا التغيير حدث على مستوى حتى تفكير الكثيرين من الباحثين والمحللين الغربيين.

أقول هذا من واقع متابعاتي المستمرة لما ينشر في الغرب منذ فترة من تقارير وتحليلات عن احداث 2011. لاحظت في الكثير منها تغيرا في المواقف والرؤى والتقديرات.

آخر ما قرأته بهذا الخصوص تحليل مطول مهم نشرته مجلة “اتلانتيك” الأمريكية الرصينة المعروفة.

التحليل يحمل عنوان “نريد وطنا”. الفكرة الأساسية التي يناقشها هي ان الجيل الجديد من الناشطين في الدول العربية تعلم الدرس الأكبر من أحداث 2011. هذا الدرس يتمثل في ان الاحتجاجات والمظاهرات او ما اسمي بالثورات حتى وان نجحت في اسقاط نظم في بعض الحالات فإنها لا يمكن ان تبني دولة.

يستشهد التحليل للتدليل على ذلك بورشة موسعة نظمتها مؤسسة كارنيجي شارك فيها ناشطون من الذين شاركوا في احداث 2011 وناشطون من الجيل الحالي من مصر وليبيا وسوريا ولبنان والعراق وتونس والجزائر.

الموضوع الذي ناقشه هؤلاء هو الدروس المستفادة من احداث 2011، والأفكار التي تترتب على ذلك والتحديات التي تواجه الدول العربية اليوم بعد مرور هذه السنوات والموقف منها.

يقول التحليل ان الأمر المثير في النقاشات التي جرت انها اتسمت بالواقعية الشديدة.

تحديدا يذكر التحليل ان هؤلاء النشطاء اتفقوا جميعا على أمرين:

الأول: ان أي محاولة للتدخل الخارجي وتغيير النظم من الخارج هو امر مرفوض تماما ولا جدوى منه.

والثاني: ان المطلوب اليوم هو الاصلاح وبناء الدولة، وليس الثورات واسقاط النظم.

يقول التحليل ان ناشطا جزائريا شارك في هذه النقاشات وشارك في احتجاجات 2019 في الجزائر لخص هذا التفكير الجديد على النحو التالي:

قال: “ضغط الشارع يمكن ان يدفع الدولة الى تقديم بعض التنازلات، لكنه لا يمكن ان يغير النظام.. لقد راهنا طويلا على حل يأتي من الخارج في الجزائر وربما في دول عربية أخرى أيضا. لكن هذا لن يحدث ولسنا نحتاج أصلا لهذه التدخلات الخارجية. اذا كنا قادرين على المطالبة بالحرية، فنحن قادرون على بناء دولتنا”.

اذن ما يقوله هذا التحليل الأمريكي هو ان القناعة التي باتت مترسخة اليوم بعد الخبرة المريرة لأحداث 2011 هي ان المطلوب في الدول العربية اليوم هو الاستقرار والإصلاح وبناء الدولة وتقويتها، ولم يعد مقبولا أي تدخلات خارجية او تحريض على ثورات.

الملفت في هذا التحليل انه بناء على ذلك يوجه نصيحة لإدارة الرئيس الأمريكي بايدن التي ترفع شعارات “نشر الديمقراطية” وما شابه ذلك.

يقول ان ادراة بايدن يجب ان تفهم ما جاء بهذا التحليل من تفكير عربي جديد، وان تدرك ان الأوضاع تغيرت ولم تعد كما كان الحال في 2011. ادارة بايدن يجب ان تدرك ان المطروح والمطلوب حاليا في الدول العربية هو، الإصلاح، والقضاء على الفساد، والقضاء على الطائفية. باختصار المطلوب هو اقامة الدولة المدنية.. دولة الحكم الرشيد.. حكم القانون والعدالة.

ويقول التحيل يان المحتجين في العراق في الانتفاضات الشعبية التي شهدها لخصوا القضية برمتها حين رفعوا شعار “نريد وطنا”.

هذه الحقائق التي يتحدث عنها التحليل الأمريكي، والتي تؤكدها بالمناسبة نتائج كل استطلاعات الرأي العام العربي في الفترة الماضية، لا تدركها القوى المتآمرة العميلة في الدول العربية. وهذا طبيعي، فهذه قوى لا إرادة لها. هي رهينة بيد اسيادها في الخارج ولأجنداتهم التي لا زالت تحلم باسقاط النظم وتدمير الدول العربية.

*شبكة البصرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى