المقاومة تحرز انتصاراً استراتيجياً يتمثل في اعادة توحيد خارطة فلسطين التاريخية

خلال ايام فقط وصلت المقاومة في فلسطين إلى نقطة جديدة؛ وعندما نقول المقاومة في فلسطين، فهي لا تقتصر على منطقة جغرافية واحدة في قطاع غزة فحسب، بل فلسطين في هذه المعركة تعني غزة والضفة الغربية والقدس ومناطق عام 1948 وحتى خارج حدود فلسطين.
الوضع مختلف هذه المرة لدرجة أنه شکَّل مفاجأةً حتى للمراكز الأمنية والاستخبارية. إنه تغيير المعادلة من الردع الفعال إلى الهجوم مقابل الهجوم.
إنها معادلة ستجبر دون شك الإسرائيليين على الموافقة على وقف إطلاق النار في الأيام القليلة المقبلة. لكن هذه المرة، كما في الماضي، يبدو أن ظروف المقاومة ومستوى مطالبها قد تغيرت بشكل كبير.

الخصائص الميدانية والقدرات الصاروخية الجديدة
منطقة الشيخ جراح كانت البداية. حيث تم على مدى عدة أيام مصادرة منازل سكانها أو تدميرها من قبل المستوطنين. ثم تدخل المقاومة في غزة الميدان؛ وتحدد موعداً نهائياً لساعات عدة لوقف الاعتداءات؛ وأخيراً إطلاق الصواريخ من جميع أنحاء قطاع غزة.
المنطقة التي يُسيطَر علی أي شيء فيها بشكل كبير، تطلق أكثر من 100 صاروخ على أهداف محددة في دقيقتين. الصواريخ هي أكثر دقةً هذه المرة، وهامش الخطأ متدنٍ، والأهداف العسكرية والبنية التحتية والمطارات الدولية هي الأهداف الرئيسية.
القبة الحديدية تعترض نسبةً صغيرةً من هذه الصواريخ. حيث تم إطلاق أكثر من 2000 صاروخ. وهذا هو ضعف عدد الصواريخ التي أصابت الأراضي المحتلة في حرب الـ 51 يومًا.
لقد تمكنت صواريخ المقاومة من اجتياز أربعة أنظمة مضادة للصواريخ؛ من القبة الحديدية إلى مقلاع داوود لاعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، إلى نظام باتريوت وثاد المستخدم للمدى البعيد. فلم يتمكن أي منها من منع الصواريخ من الوصول إلى أهدافها.
من ناحية أخرى، بات أكثر من ثلثي مناطق الکيان الإسرائيلي وتل أبيب في مرمی المقاومة. وفرَّ أكثر من مليوني مستوطن صهيوني محيط بقطاع غزة إلى الملاجئ.

ظهور قدرات عالمية جديدة معادية للکيان الإسرائيلي
من القضايا الأخرى التي يجب ذكرها هي ظهور قدرات عالمية جديدة، وكذلك نوع رد الفعل على السلوك المجنون للکيان الصهيوني. وعلى الرغم من أنه في الماضي، وخاصةً منذ عام 2006، ازداد حجم هذه الاحتجاجات والوعي العام، إلا أنه كان هناك اختلاف كبير هذه المرة.
لقد أنزل اللبنانيون علم الكيان الصهيوني بعد عبور الأسوار في الحدود المحتلة. وعبر الأردنيون الحدود الفلسطينية. وانضم العراقيون إلى هذه الموجة أكثر من أي وقت مضى. وأصبحت المدن الأوروبية أماكن للتجمعات المعادية للکيان الإسرائيلي.

إحياء المقاومة بعد عملية تطبيع العلاقات
أهم شيء حدث في هذه المعركة هو عودة المقاومة التي بدت وكأنها قد تراجعت في عملية التطبيع، أو على الأقل تم التركيز علی هذه النقطة لتشويه صورة الشعب الفلسطيني وإضعاف معنوياته.
لقد دمرت هذه المعركة الخيوط الضعيفة لصفقة القرن وخطة الضم ونقل السفارة وعملية التطبيع، ومرةً أخرى تشکلت ظروف للحفاظ على المقاومة وإحيائها في جميع أنحاء جغرافية فلسطين، وجميع الأذواق السياسية لتيارات المقاومة.

صمت معسكر التسوية ومراجعة التقييمات
ظل معسكر المصالحة والتسوية صامتًا تقريبًا في وجه هذه الاعتداءات والمجازر، ولو جرت الانتخابات الفلسطينية، لكانت قد خسرت حتی أقل قدر ممكن من المشارکة الشعبية.
وتحت ضغط الرأي العام، اضطرت الدول العربية إلى إصدار بيانات، وقد تعيد النظر في تقديراتها، والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو، كيف يمكن لکيان لا يستطيع مواجهة حماس والجهاد وفصائل المقاومة الأخرى، أن يضمن الحياة السياسية للدول المطبِّعة.

اجتماع المقاومة عند نقطة مشتركة
بصرف النظر عن القدرة العسكرية للمقاومة، والتي أوجدت رادعًا فعالًا ضد الكيان الصهيوني، لا بد من القول إن أهم ميزة في معركة المقاومة هذه الأيام هي اجتماع المقاومة في نقطة مشتركة مع جغرافية مختلفة.
حيث أصبحت المقاومة تنطلق من غزة إلى الضفة الغربية والقدس إلى مناطق 1948 الخاضعة لسيطرة الكيان الصهيوني والعمق الأمني للکيان.
والنقطة التالية هي أنه مع اشتداد هجمات الكيان الصهيوني، تستمر المقاومة في هجومها أيضاً. وهذا يعني تغيير استراتيجية القتال من معادلة الردع الفعال إلى معادلة الهجوم مقابل الهجوم. وعلاوةً على ذلك، فإن جميع الأراضي والمناطق المحتلة في الکيان الإسرائيلي هي اليوم هدف للمقاومة.

الوضع الاجتماعي والسياسي الصعب للکيان الصهيوني
العامل الآخر الذي يمكن ذكره على أنه اختلاف كبير عن الأحداث الماضية، هو أن المجتمع الصهيوني يمر بأزمة سياسية واجتماعية حادة هذه الأيام، وخاصةً في الأشهر الأخيرة، حيث تم إجراء أربعة انتخابات في عام واحد فقط، وليس هناك أفق واضح.
ومن خلال النظر إلى الروح النفسية للمجتمع الصهيوني، يمكن أن نفهم جيدًا أن هذا المجتمع قد تفكك وفقد ثقته بنفسه، ذلك أن المجتمع الصهيوني لم يتم إنشاؤه على أساس المكونات التنظيمية للأمة، بل هو مجتمع مستأجر ومقترض حاولوا الحفاظ عليه بالقوة العسكرية.
والنقطة المهمة هي أن هذا المجتمع يستمد ثقته من المعدات والقوة العسكرية، وليس لديه الدافع لمواجهة الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

خسائر الكيان الصهيوني
رغم أن الکيان الصهيوني ووسائل إعلامه يرفضان دائمًا تقديم إحصائيات دقيقة عن خسائرهم في مواجهة المقاومة، إلا أن أكثر من أربعة عشر صهيونيًا قتلوا في الأيام الماضية، منهم أربعة من كبار ضباط الأمن لم يتم ذكرهم.
ولذلك، يبدو أن الکيان الصهيوني سيطلب خلال الساعات القادمة من المنظمات الدولية والدول العربية مثل مصر وقف إطلاق النار. وخاصةً أن المصريين قد ألقوا باللوم على المقاومة في بداية ردها على اعتداءات الكيان الصهيوني، بدلاً من الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
اخيرا يبدو أن الکيان الصهيوني سيوافق على وقف إطلاق النار خلال الـ 48 ساعة القادمة، ولكن هذه المرة ستكون شروط المقاومة مختلفةً ومستوى مطالبها أعلى من ذي قبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى